ماهي أسباب عزل الجبير؟
أجرى الملك السعودي، يوم الخميس الماضي، تغييرات سياسية وأمنية في بلاده حيث تم على مستوى السياسة الخارجية عزل عادل الجبير وتعيين شخص تكنوقراطي صاحب توجه إقتصادي بدلاً منه.
تولى عادل الجبير منذ 29 ابريل 2015 دفة وزارة الخارجية السعودية خلفاً لسعود الفيصل الأكثر خبرة في الدبلوماسية السعودية والذي تولى هذا المنصب قرابة أربعة عقود- بينما سيشغل عادل الأن منصباً شكلياً وزيراً للدولة للشؤون الخارجية.
لم يكن عزل عادل الجبير خطة مفاجئة وذلك لوجود أنباء من هنا وهناك كانت تتحدث عن عزله وتراجع حضوره على المستوى الدبلوماسي، كما أن السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان شقيق محمد بن سلمان كان يحاول القيام بذلك الدور وتعويض فراغ عدم تواجد الجبير على المستوى السياسي واطلاق تصريحات فيما يخص القضايا الاقليمية.
عزز صمت عادل الجبير تجاه ملف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي - الانباء التي تتحدث عن عزله، فالشخص الذي كان يطلق تصريحات صحفية لاسيما فيما يخص ايران وسوريا والازمة بين السعودية وقطر، التزم الصمت في ملف خاشقجي الذي تحول الى أزمة على المستوى الدولي.
يوجه الملك السعودي عبر هذه التغييرات- رسالتين الى الداخل والخارج، فهو يهدف من رسالة الداخل أن يقلل من حدة الخلافات بين الامراء السعوديين واحتوائها قدر المستطاع، لكن رسالة الخارج تتضمن محاولة السعودية لتعديل سياساتها الاقليمية التي سببت لها خسائر لايمكن تعويضها بسبب سياساتها الهجومية والعدائية.
مقتل خاشقجي سرع من عملية التغييرات في السعودية كما أن فشل الرياض في مختلف القضايا الاقليمية دفع الملك السعودية الى تلك التغييرات، لكن هناك عدد قضايا دخيلة في عزل الجبير.
هزيمة السعودية في ملف سوريا هي احدى تلك القضايا؛ كان الجبير يؤكد في جميع المناسبات ان بشار الاسد يجب أن يذهب سواء عبر العملية السياسية او عبر اللجوء الى القوة، ولكن بعد مضي 7 أعوام على الحرب في سوريا لم يسقط النظام السوري فحسب بل عادت معظم أراضي هذا البلد ما عدا ادلب الى سيطرة الجيش السوري، ومعظم الدول العربية اليوم تنوي تطبيع العلاقات مع دمشق.
حرب اليمن أيضاً، فبالرغم من مضي 4 أعوام لم تحقق أي انجاز للسعودية، وأجبر هذا البلد على العودة الى طاولة المفاوضات مع أنصارالله، وهكذا لم يتحقق ذلك الهدف الذي كان من أجله هذا العدوان أي هزيمة أنصارالله وإعادة عبدربه منصور هادي.
كما أن حصار السعودية لقطر لم يؤتي أكله، وهي جانب آخر من الهزائم السياسية السعودية في عصر الجبير، فلم تستطع السعودية ومعها الامارات والبحرين ومصر عبر حصار قطر- من فرض سياساتهم على هذا البلد، والان هم عازمون على تغيير سياساتهم تجاه هذا البلد حيث يمكن تقييم دعوة الملك السعودي لأمير قطر للمشاركة في اجتماع مجلس التعاون في الرياض تأتي في هذا السياق.
ومن القضايا الاخرى التي ساهمت في عزل الجبير هي هزائم السياسات السعودية الاقليمية تجاه ايران، فكان الجبير يحاول في كل مناسبة جعل ايران العدو الرئيس للدول العربية ولم يمضي يوم واحد دون انتقاد ايران وسياساتها، ولكن في المقابل حاولت معظم الدول العربية اتباع سياسة مستقلة عن سياسة الرياض وهذا مايمكن مشاهدته في الكويت وعمان وقطر أيضاً.
مجمل تلك القضايا والأسباب جعلت السياسة الهجومية السعودية تفشل في عهد الجبير، وأجبرت المسؤولين السعوديين على إجراء تلك التغييرات الشبيهة بالتنقلات وذلك للتقليل من الضغوط على المستوى الدولي بعد مقتل خاشقجي ولتحويل هذا التهديد الى فرصة.
يشير اختيار ابراهيم العساف بدلاً من الجبير- الى أن السعودية تعتزم تغيير سياساتها الاقليمية في بعض القضايا، اذ يمكن مشاهدة هذا التغيير تجاه سوريا، وبالنظر الى سجل وزير الخارجية السعودي الجديد صاحب التوجه الاقتصادي يمكن مشاهدة مؤشرات على ايجاد تغيير في السياسات الاقليمية لهذا البلد، فالرياض تنوي من خلال هذا التغيير والتركيز على القضايا الاقتصادية- تحقيق رؤية 2030 التي يتطلع إليها محمد بن سلمان.
حسن رستمي خبير في شؤون غرب أسيا
/انتهى/