إعلان وفاة "الناتو العربى"
منذ صباح الخميس الماضى، وحتى وقت كتابة هذه السطور.. لم يصدر عن أية جهة رسمية مصرية نفى أو تأكيد لما تتداوله جميع وسائل الإعلام العالمية.. نقلاً عن وكالة «رويترز».. من أنباء حول انسحاب مصر من مشروع «الناتو العربى» أو «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى» الذى تتبنى إدارة الرئيس الأمريكى ترامب فكرة إنشائه.
•• وفى اعتقادنا
أن مصر لن تحسم هذه الأنباء فى المستقبل القريب بشكل علنى.. نظراً لحساسية القرار بالنسبة للعلاقات مع باقى أطراف المشروع.. وعلى وجه الخصوص الأطراف العربية.. وأيضاً لأن الإعلان عن الانسحاب المصرى من هذا التحالف بشكل رسمى ونهائى هو فى حقيقة الأمر يمثل «إعلان وفاة» للمشروع نفسه.. باعتبار أن مصر تمتلك أكبر جيش كان معولاً على اندماجه ضمن هذا الحلف تكوين أضخم قوة ردع عسكرية عربية فى مواجهة إيران وفقاً للأهداف المعلنة من جانب الولايات المتحدة.
إلا أنه من المؤكد أن القاهرة لم ترسل إلى الرياض يوم الأحد الماضى وفداً يمثلها فى الاجتماع الذى جرى عقده بحضور أمريكى بغرض دفع جهود إنشاء هذا التحالف.
•• وفى ظل هذا الغياب
إلى جانب تجاهل القاهرة إصدار بيان رسمى توضيحى لحقيقة الأمر.. سيكون علينا أن نتعامل مع نبأ الانسحاب باعتباره مؤكداً.. ما لم يثبت العكس.. خاصة أن «رويترز» نسبت إلى 4 مصادر لم تحدد أسماءها.. وصفتها بأنها «مُطلعة».. أن مصر أبلغت واشنطن بهذا القرار قبل أيام من الزيارة التى قام بها مؤخراً الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الولايات المتحدة.. ولقائه مع الرئيس ترامب الذى أعلنت الإدارة الأمريكية أنه يشمل إجراء مباحثات «عسكرية مهمة».. وإن لم تذكر صراحة أن هذه المباحثات تتعلق بهذا الحلف.
غير أن هذا الموقف ربما يمثل من وجهة نظرنا تفسيراً لما أعلنه رسمياً مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى أثناء وجود الرئيس السيسى فى واشنطن.. عن أن بلاده ستفرض عقوبات على مصر إذا ما أصرت على إتمام صفقة شراء 20 طائرة «سو ـ 35» مقاتلة من روسيا التى تستهدفها واشنطن أيضًا بفكرة «الناتو العربي» باعتبارها حليفاً للإيرانيين والسوريين.. بينما ترتبط مصر بعلاقات عسكرية واستراتيجية وسياسية وثيقة مع موسكو.. وترغب فى الوقت نفسه فى الاحتفاظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة ومع باقى الأطراف العربية فى التحالف المزمع إنشاؤه.. ومع القيادة السورية أيضاً.. وهذه معادلة غاية فى التشابك والتعقيد.
•• من قبل
ومنذ أكثر من عامين حذرنا من «فخ الناتو العربى».. وقلنا: إن واشنطن بتبنيها لهذا المشروع إنما تصب المزيد من الزيت فوق نيران الصراع المذهبى بين دول المنطقة.. مستخدمة جيوش وأموال نفس هذه الدول.. بينما ترتدى هى ثياب «قوة الخير» التى تسعى لمواجهة قوى «التطرف الإسلامى» فى المنطقة....
بينما يتخطى التصور الأمريكى الخفى حدود هذه الرؤية المخادعة.. ليصبح الهدف ليس «حماية الأمن القومى العربي».. ولكن توريط دول التحالف فى فخ حرب مذهبية (سنية ـ شيعية) لا تحقق إلا حماية أمن ومصالح إسرائيل.
•• والآن
يجتهد المحللون فى تفسير قرار مصر الانسحاب من المشروع الأمريكى.. إن كان ذلك حقيقياً.. ومن بين ما يسوقونه من أسباب «تشككها فى جدية المبادرة وأنها لم تر بعد خطة أولية تحدد ملامح هذا التحالف ولأن وضع خطة مثل هذه ينطوى عليه خطر زيادة التوتر مع إيران».. وأن «القاهرة تخشى الانقياد إلى حرب ترهق مواردها».
لكننا بدورنا نرى أن قرار مصر ينبع من تقييم موضوعى وواقعى لمصالحها.. ولحقيقة أن فكرة هذا التحالف وفقاً للتصور الأمريكى قد ولدت ميته أصلاً.. ولن ترى النور.. لأنه ليس هناك توافق عربى تجاه الهدف المعلن من إنشاء التحالف.. وهو الخطر الإيرانى.. وأيضاً نظراً للتفاوت الكبير بين الدول الأعضاء المفترضة فيه.. من ناحية المصالح والتشابكات الاستراتيجية مع القوى الكبرى غير المتحمسة لمشروع إنشاء «الناتو العربي».. ذلك الذى سيكون مصيره التجميد مثل جميع مشاريع التحالفات العسكرية السابقة.
صحيفة الوفد - مجدي سرحان
/ انتهى/