بعد 30 عاماً..الجيش يعزل البشير..ماذا ينتظر السودان؟

بعد 30 عاماً..الجیش یعزل البشیر..ماذا ینتظر السودان؟

عقب المظاهرات التي شهدتها مدن السودان منذ ديسمبر الماضي، والتي كانت تطالب بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير الذي وصل إلى السلطة بإنقلاب عسكري قبل 30 عاماً، واجراءات اصلاحات واسعة في جميع المجالات، جاءت القوات المسلحة وأعلنت عزل رأس النظام، واعلان حالة الطوارئ، وتعطيل العمل بالدستور، ولكن هل هذا ما طالب به الشعب؟ وماذا ينتظر السودان؟.

"لم تعد رئيساً للجمهورية" قالها الجيش للرئيس السوداني عمر حسن البشير واقتاده الى مكان آمن وأعلن أنه بصدد إصدار البيان رقم واحد، ومن ثم نشر الآليات العسكرية في محيط القصر الجمهوري وانحاء العاصمة الخرطوم، وأصدر تعميماً لكافة وحداته أكد فيه تسلمه للسلطة وشروعه في تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد، وسيطر على مقر الإذاعة والتلفزيون.

البيان رقم واحد

قالت القوات المسلحة السودانية في بيان لها أمس الخميس، تلاه وزير الدفاع السوداني الجنرال عوض بن عوف، إنها "اقتلعت رأس النظام السابق وتحفظت عليه في مكان آمن"، معتبرة أن "الأزمات المتنوعة والاحتياجات المعيشية لم تنبه النظام الذي استمر بالوعود الكاذبة".

وأعلن البيان أن "اللجنة الأمنية العليا قررت تحمل المسؤولية الكاملة، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة الحكم لفترة انتقالية مدتها عامين"، مشيراً إلى "حل مجلس الوزراء ومؤسسة الرئاسة على أن يكلف وكلاء وزاريين بتسيير العمل، وحل حكومات الولايات وتكليف الولاة ولجان الأمن في أداء مهامها، في حين يستمر عمل السلطة القضائية بشكل طبيعي، كما المحكمة الدستورية والنيابة العامة، بالإضافة لتعطيل العمل بدستور جمهورية السودان الانتقالي عام 2005".

كما أعلن البيان عن حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، وحظر التجول من الـ10 مساءً حتى الصباح لمدة شهر، وإغلاق أجواء السودان والمعابر لـ24 ساعة، داعياً المواطنين لـ"تحمّل بعض الإجراءات الأمنية".

وشدد البيان على "تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، ووضع دستور دائم للبلاد، بالإضافة لاطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين فوراً".

ودعا حاملي السلاح والحركات المسلحة للانضمام لحضن الوطن والمساهمة في بناءه، مشدداً على "وقف اطلاق النار الشامل في كل السودان، والفرض الصارم للنظام العام ووضع التفلت ومحاربة الجريمة بكل أنواعها".

وأكدت القوات المسلحة في بيانها حرصها على العلاقات الدولية المتماسكة التي تراعي مصالح السودان العليا، والالتزام بكل المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات بكل مسمياتها المحلية والاقليمية والدولية، واستمرار عمل السفارات والبعثات والهيئات الدبلوماسية.

وأشاد البيان بـ"صبر أهل السودان"، ووصف صبرهم بأنه "كان فوق قدرة البشر"، معتذراً عن "سقوط عدد من الشهداء أثناء الإحتجاجات".  

وأشار إلى أن القوات المسلحة السودانية تابعت منذ 6 نيسان/أبريل 2019 ما يحدث قرب مقر القوات المسلحة وحذرت من خطورتها، موضحة أنها اصطدمت بالإصرار على الحلول الأمنية ما كان سيؤدي إلى خسائر بشرية.

من هو وزير الدفاع السوداني الذي تلا البيان الأول؟

عوض بن عوف الذي يتولى منصب وزير الدفاع، يحمل رتبة فريق أول ركن، في منتصف الستينيات من عمره، وعمل خلال مسيرته العسكرية مديرا للاستخبارات العسكرية والأمن الإيجابي، ونائبا لرئيس أركان القوات المسلحة.

ولد بن عوف في أوائل خمسينيات القرن الماضي في قرية بشمال العاصمة السودانية الخرطوم، والتحق بالكلية الحربية، وتخرج منها برتبة ملازم، وتلقى تدريبه العسكري بمصر، وتخرج في الدفعة 23 مدفعية، حيث عمل معلما بكلية القادة والأركان.

وكان بن عوف الموالي للحركة الإسلامية، قريبا من انقلاب البشير عام 1989 ضد حكومة الصادق المهدي، ما أتاح له الفرصة للترقي والتدرج في المناصب العسكرية، ليعمل مديرا لجهاز الأمن، ومديرا لهيئة الاستخبارات العسكرية.

بعد تقاعده عام 2010، عين بن عوف بمنصب سفير في وزارة الخارجية، حيث تولى منصب مدير إدارة الأزمات، قبل أن يعين قنصلا عاما للسودان في القاهرة ثم سفيرا للخرطوم لدى سلطنة عمان.

وفي أغسطس/آب عام 2015، أعاده الرئيس السوداني عمر البشير للعسكرية مجددا، حينما أصدر مرسوما جمهوريا بتعيينه وزيرا للدفاع الوطني.

ومع تصاعد الاحتجاجات في الشارع السوداني التي طالبت بإسقاط النظام، أعلنت الرئاسة السودانية في 23 فبراير/شباط الماضي، تعيين بن عوف نائبا أول للرئيس مع احتفاظه بمنصبه وزيرا للدفاع، وذلك بعد إعلان البشير في اليوم السابق حالة الطوارئ في السودان لعام واحد، وتعيينه حكومة مؤقتة مع الإبقاء على وزراء الدفاع والخارجية والعدل.

قبل أيام من الإطاحة بالبشير، كانت لوزير الدفاع تصريحات لافتة، أكد فيها أن القوات المسلحة هي صمام أمان البلد، ولن تفرط في أمنه ووحدته وقيادته، وأن السودان بأبنائه ومقدراته أمانة في عنق القوات المسلحة، وأن التاريخ لن يغفر لقادتها إذا فرطوا في أمنه.

وقال بن عوف -خلال لقائه قادة القوات المسلحة- إن هناك جهات تحاول استغلال الأوضاع الراهنة، لإحداث شرخ في القوات المسلحة، وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية بالبلاد، مشددا على أنه لن يتم السماح بذلك، مهما كلف من تضحيات.

وأكد في هذه التصريحات أن القوات المسلحة، ليست ضد تطلعات المواطنين، لكنها لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى، ولن تتسامح مع أي مظهر من مظاهر الانفلات الأمني.

ويقول مراقبون، إن بن عوف لم يمارس القيادة إلا على مستوى الفروع الأمنية والأسلحة، وليست لديه الخبرة السياسية الكافية لقيادة البلاد، كما أن تطابق الرؤى ووجهات النظر بينه وبين البشير، جعل الأخير يقربه منه، وهو ما يصطدم برفض شعبي مطالب بتسليم السلطة لمجلس انتقالي.

المتظاهرون يرفضون بيان الجيش

تظاهرت حشود من السودانيين في شوارع الخرطوم رفضا لبيان الجيش الذي أعلن تشكيل مجلس عسكري انتقالي يحل محل الرئيس عمر البشير. وبعد أن كان المتظاهرون يهتفون "تسقط بس" ضد البشير، صاروا اليوم يرددون "تسقط تاني".

وتحولت مشاعر المتظاهرين، المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش السوداني لليوم السادس، من الاحتفال بالأنباء الأولى لرحيل البشير، إلى غضب واستنكار لبيان الجيش الذي أعلن تعطيل الدستور وبدء مرحلة انتقالية تستمر عامين.

وأعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي قام بدور بارز في تنظيم الاحتجاجات الشعبية منذ أواخر العام الماضي رفضه لبيان الجيش الذي تلاه وزير الدفاع، ودعا التجمع كل المحتجين إلى مواصلة التظاهر حتى يتحقق "التغيير الشامل المنشود".

وقال المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين اسماعيل التاج إن ما جرى "انقلاب بكل معنى الكلمة وسيوفر ملاذاً آمناً للبشير"، مطالباً بـ"تسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية يحددها تجمع المهنيين مع حلفائه في قوى الحرية والتغيير".

وأكد تاج أن "الاعتصامات لن تبقى أمام مقر الجيش بل ستمتد إلى كل المدن حتى تسليم السلطة إلى القوى المدنية"، متسائلاً "لماذا لا يضع الانقلابيون البشير في السجن بدل التحفظ عليه في الإقامة الجبرية؟".

وشدد التاج على "وجود اختلاف بين ما قاله بن عوف وما تسعى الجماهير إلى تحقيقه"، لافتاً إلى أن حشود الشعب لم تتوقع أن يكون بيان وزير الدفاع "مخيباً للآمال".

بدوره قال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، وهو أيضا أحد قادة قوى إعلان الحرية والتغيير، إن بيان وزير الدفاع مرفوض جملة وتفصيلا، ويمثل محاولة لإعادة إنتاج نظام البشير، مطالبا "بإسقاط النظام بكامل أجهزته ورموزه".

وأضاف الدقير أن قوى إعلان الحرية والتغيير تدعو إلى مواصلة الاعتصامات في كافة مناطق البلاد لحين تلبية كافة مطالب المتظاهرين.

من جهته، قال فتح الرحمن البدوي القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي إن الحزب يرفض بيان الجيش جملة وتفصيلا. وأكد رفض تولي أي من قادة الجيش -الذين اعتبرهم جزءا من النظام السابق- تسيير أمور البلاد.

في السياق نفسه، قالت مريم الصادق المهدي القيادية في حزب الأمة القومي للجزيرة إن النظام نفذ انقلابا عسكريا وإن بيان وزير الدفاع "امتهان للجيش السوداني وكرامته".

وأضافت أن ما قاله الوزير يعبر عن "توازنات داخل نظام البشير"، داعية الشعب السوداني إلى مواصلة التظاهر في الميادين.

ومن ناحيتها، أشارت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان، إلى أنّ "سلطات النظام نفذت انقلاباً عسكرياً وترفض ما ورد في بيانها"، داعية الشعب لـ"الحفاظ على اعتصامه في الشوارع حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية".

وشددت على أن سلطات النظام نفذت انقلاباً عسكرياً تعيد به انتاج ذات الوجوه والمؤسسات، مشيرة إلى أن من دمروا البلاد يسعون إلى سرقة منجزات الشعب في ثورته.

مواقف دولية ومجلس الأمن يجتمع

توالت ردود الفعل الدولية على إعلان الجيش السوداني الإطاحة بالرئيس عمر البشير، الخميس، إذ طلبت الولايات المتحدة ودول أوروبية عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في السودان، في حين قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي إن السيطرة العسكرية ليست الرد المناسب.

ويعقد مجلس الأمن الجمعة جلسة مغلقة عاجلة لبحث الوضع في السودان، استجابة لطلب من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وبولندا وبلجيكا.

الأمين العام للأمم المتحدة

أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيانا دعا فيه إلى الهدوء وضبط النفس في السودان.

كما دعا إلى عملية انتقالية ملائمة وشاملة، تلبي تطلع الشعب السوداني إلى الديمقراطية.

الخارجية الايرانية

دعا المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الخميس، جميع الاطراف السودانية الى ضبط النفس.

وقال قاسمي،  ان تطورات الايام الاخيرة في السودان هي قضية داخلية تخص هذا البلد. ونوه قاسمي الى ان ايران دعت وتدعو دائماً الى استقرار وأمن الدول المسلمة وتأمل من جميع الاطراف السودانية أن تحقق مطالبها من خلال التزام ضبط النفس والحفاظ على الهدوء واللجوء الى سياسة التعامل والحوار والاساليب السلمية. وأن نشهد قريباً الاستقرار والهدوء في هذا البلد.

أمريكا

قالت الخارجية الأميركية إن الفترة الانتقالية المتاحة للشعب السوداني يجب أن تكون أقل من عامين، كما علقت واشنطن المرحلة الثانية من المحادثات مع السودان بشأن تطبيع العلاقات.

ودعت الخارجية الأميركية إلى ضبط النفس وطالبت الجيش بتشكيل حكومة جديدة جامعة وبإتاحة المجال للمشاركة المدنية فيها.

مصر

أكدت وزارة الخارجية المصرية "دعم خيارات الشعب السوداني وإرادته الحرة فى صياغة مستقبل بلاده".

وأعربت القاهرة عن ثقتها الكاملة في قدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني الوفي على تجاوز المرحلة الحاسمة وتحدياتها، داعيةً المجتمع الدولي إلى "دعم خيارات الشعب السوداني وما سيتم التوافق عليه في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة".

وناشدت مصر "الدول الشقيقة والصديقة مساندة السودان ومساعدته على تحقيق الانتقال السلمي نحو مستقبل أفضل".

وزير الخارجية البريطاني

قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت إن بلاده تريد أن ترى انتقالا شاملا وسريعا باتجاه حكم مدني في السودان، وإن حكم المجلس العسكري لمدة عامين ليس هو الحل.

وأضاف هنت في تغريدة على تويتر، أن التغيير يجب أن يكون حقيقيا في السودان، وأنه يجب ضمان ألا يقع مزيد من العنف.

المفوضية الأوروبية

كذلك طالبت المفوضية الأوروبية الأطراف السودانية بتجنب اللجوء إلى العنف، ودعت إلى إطلاق سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد. وقالت متحدثة باسم المفوضية في مؤتمر صحفي ببروكسل إن الاتحاد الأوروبي يراقب الوضع في السودان عن كثب.

الاتحاد الأفريقي

قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي في بيان إن "سيطرة الجيش على السلطة ليست الحل المناسب للتحديات التي يواجهها السودان ولتطلعات شعبه"، وأضاف أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي سيجتمع "بسرعة لبحث الوضع واتخاذ القرارات المناسبة".

ودعا فكي "كل الأطراف المعنية إلى الهدوء والتزام أكبر قدر من ضبط النفس واحترام حقوق المواطنين والرعايا الأجانب والملكية الخاصة بما فيه صالح البلد وشعبه".

روسيا

وأعرب الكرملين عن أمله في عودة سريعة للهدوء و"النظام الدستوري" في السودان. وصرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين "نتابع الوضع عن كثب ونأمل ألا يكون هناك تصعيد للوضع يمكن أن يؤدي إلى (سقوط) قتلى بين السكان المدنيين".

وأضاف "نأمل عودة الوضع بشكل سريع جدا إلى النظام الدستوري"، واصفا الأحداث بأنها "شأن داخلي للسودان، يجب أن يعالجه السودانيون بأنفسهم".

تركيا

دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصالحة وطنية في السودان، وقال في مؤتمر صحفي في أنقرة "آمل أن ينجح السودان في هذا الأمر بهدوء، وأعتقد أن عليه البدء في تفعيل عملية ديمقراطية طبيعية".

ومضى يقول "أهم أمنية عندي هي أن ينجز السودان هذه العملية في سلام وعلى أساس المصالحة الوطنية".

بعد أشهر من الاحتجاجات، قرر الجيش خلال اجتماع عقد فجر أمس في مقر إقامة البشير، تنحية الأخير، فهل يمكن القول أن الانقلاب العسكري على حكم البشير أنهى حلم التغيير الذي ينتظره الشعب السوداني أو سيفتح الابواب على احتمالات اطالة أمد الأزمة في هذا البلد؟.

المصدر: وكالات

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة