يوم القدس العالمي وأهميته الاستراتيجية للعالم الإسلامي
يحيي المسلمون والاحرار في العالم يوم القدس العالمي هذا العام ، ومنطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي يشهد ظروفا خاصة، ففي مصر وتونس وليبيا حدثت تطورات رئيسية ، وظهور الصحوة الاسلامية في المنطقة والتي لاتزال جارية من اجل تحرير القدس الشريف.
وأفادت وكالة "تسنيم" الدولية للانباء في مقال لها، ان مؤسس الثورة الاسلامية الامام الخميني (ره) دعا لاول مرة الى اقامة يوم القدس العالمي ونوه الى اهميته الاستراتيجية وضرورة اقامته على اكمل وجه، مشيرا الى ان الوحدة تعتبر عاملا للقوة والتنمية والتطور والانقسام والتفرقة عاملا ضعف وتخلف. وعرف يوم القدس العالمي على مدى العقود الثلاثة الماضية،في الواقع واحدا من المؤشرات والمعايير، وأحد القضايا والشروط المسبقة الرئيسية للوحدة في العالم الاسلامي، التي يجب على المسلمين والامة الاسلامية الكبيرة ولاجل التصدي للظاهرة الصهيونية العالمية المشؤمة والتخلص من اثارها وعواقبها المدمرة بصفتها العقبة الرئيسية التي تحول دون تحقق الوحدة في العالم الاسلامي، ضرورة الاهتمام باحياء هذا اليوم بشكل خاص من اجل تحقيق الاهداف والاغراض الكبيرة والتعامل مع هذا اليوم كنهج واستراتيجية لتحقيق وحدة العالم الاسلامي، والتعامل مع الصهيونية العالمية بنظرة "تصدي" وليس بنظرة تساومية .
القدس الشريف ومكانتها الجيوساسية والجيو استراتجية
تحظى مدينة القدس الشريف بمكانة اسلامية خاصة بسبب وجود المسجد الاقصى فيها ولانها مهبط الانبياء وملتقى الرسالات ومكان لحياة ومبعث الانبياء واول قبلة للمسلمين، وثالث الحرمين الشريفين ومنتهى الاسراء ومنطلق معراج الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم كما انه يحظى بقدسية دينية خاصة لدى اليهود والمسيحيين. والقدس الشريف مدينة مقدسة تم فتحتها في صدر الاسلام،كما واستطاع صلاح الدين الايوبي في عام 1187 ان يحررها مرة اخرى من احتلال الصليبيين. وقام سليمان القانوني في القرن 16 ببناء جدرانها. ان هذه المدينة تحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين، "قبة الصخرة" و"المسجد الاقصى" هما المكانان المقدسان اللذان يقعان في المدينة، واعلنت مدينة القدس الشريف منذ الاحتلال الصهيوني في عام 1967 العاصمة الابدية للكيان الصهيوني. كل العيون تشخص نحو القدس الشريف وقلوب المسلمن والمسيحيين متعلقة بهذه المدينة المقدسة، ولهذا السبب فان اليهود يحاولون ان يخلقوا لهم تاريخ في هذه المدينة ويبذلون كامل جهودهم لتهويد المدينة ويزعمون ان حائط المبكى يعود اليهم. ونظرا لاهمية مكانة مدينة القدس الشريف، ينبغي النظر اليها كمدينة مهمة جدا وحساسة في العالم، بحيث انها اصبحت في الوقت الراهن اساس الصراع بين الكيان الصهيوني الغاصب من جهة والمسلمين لاسيما المقيمين والمالكين الحقيقيين للقدس والاراضي المحتلة من جهة اخرى. وتتوضح اهميتها الاساسية في كونها مركزا للاديان السماوية الثلاث الاسلام والمسيحية واليهودية، والنقطة المشتركة التي تمثل وتجسد المفهوم الاسلامي للدين والاديان المختلفة الاخرى. ان الله تعالى قد جعل المسجد الاقصى في هذه المدينة وبارك فيها واختارها نقطة ارتباط بين ثلاث اديان سماوية. ان الكيان الصهيوني يركز من محاولاته لتهويد هذه المدينة واقامة المستوطنات اليهودية لاحتكار المدينة وتدمير الاثار والمعالم الاسلامية، جنبا الى جنب سياساته العنصرية والتوسعية الاخرى التي تجري على قدم وساق في هذه المدينة، والتي تتعارض بشدة مع الهوية والمفهوم الحقيقي لهذه المدينة المقدسة.
التهويد، اكبر خطر يهدد مدينة القدس الشريف
لقد مر اكثر من ستة عقود على احتلال فلسطين والقدس الشريف ، وبعض الحكومات العربية الرجعية عمدت بعد المقاومة الاولية وهزيمة العرب في حرب الايام الستة من قبل الكيان الصهيوني والتي اسفرت عن احتلاله اجزاء من مصر وسوريا ولبنان، للمساومة مع هذا الكيان وخيانة المباديء والقيم الفلسطينية. لقد تصاعدت حدة اللامبالاة للقادة العرب الرجعيين ووقفوا امام تطلعات الشعب الفلسطيني لتحرير القدس الشريف والاراضي الفلسطينية، وتزامن هذا مع خطط الصهانية واحلامهم البائسة لتغيير جغرافية المسجد الاقصى. ان تهويد القدس الشريف يعتبر من اهم خطط ومشاريع الصهاينة من اجل الاستمرار في احتلال هذه المدينة المقدسة. في الواقع ان ايجاد الانفاق تحت بناء المسجد الاقصى الى اقامة المستوطنات الصهيونية المخالفة للقواعد والاصول في المناطق الفلسطينية و..تاتي في اطار هدفين كبيرين رئيسيين وهما اخراج الفلسطينيين والمحو الكامل للاثار الاسلامية على يد الصهاينة، والتنفيذ العلمي لهذه الخطة حتي يتمكن هذا النظام الغاصب من فرض سيادته على هذه المدينة المقدسة العائدة للفلسطينيين والمسلمين. الحقيقة هي أن الصهاينة ينظرون الى القدس من منظار اهميتها الجيوسياسية، بحيث يمكن الاعتراف بان قادة الكيان الصهيوني والاستراتيجيات الصهيونية تعتبران الاساس في بقاء واستمرار حياة كيانهم الغاصب مرتبط بهذه المدينة المقدسة. وفي هذا الاطار قام قادة الكيان الصهيوني على مدى العقود الماضية وخاصة خلال العقدين الماضيين باعتماد اولوية بناء المستوطنات الصهيونية في جدول اعمالهم ولازال هذه البرنامج مستمرة بصرف مليارات الدولارات. في الحقيقة ان التركيز على توسيع المستوطنات اليهودية في الاراضي المحتلة وخاصة في المناطق السكنية في اطراف المقدس الشريف، يعتبر الهدف الرئيسي للمخططات الصهيونية الهادفة لتدمير القدس وإقامة الدولة الصهيونية في الاراضي المحتلة. ان ارييل شارون الجنرال الصهيوني العجوز الذي كان دائما في طليعة كل الحروب ضد العرب والفلسطينيين، وارتبط اسمه بشكل خاص مع عمليات الاغتيال والقتل الجماعي للفلسطينيين يمكن اعتباره المهندس السياسي لاقامة المستوطنات الصهيونية في الاراضي المحلة وفي القدس الشريف. ان الصهاينة يتطلعون الى اهمية هذه المدينة انطلاقا من النظرة الدينية. لقد رفضت المنظمة الصهيونية العالمية عندما طرح موضوع اقامة كيان غاصب ليهود العالم في دول اخرى مثل أوغندا وسيبيريا والنمسا لان هذه المنظمة كانت ترى ان العامل الوحيد لجلب اليهود الى اية دولة هو العامل الديني، ولهذا السبب اصروا على اقامة هذه الدولة في فلسطين، لاجل الاستيلاء على القدس الشريف فقط، لانها تعتبر حافزا ودافعا قويا لليهود المتدينين. وعلى الرغم من ان قادة الحركة الصهيونية ينتمون لحركة الحادية علمانية، إلا انهم ادركوا ان السبيل الوحيد لجمع اليهود هو القدس ، وكان هذا السبب الرئيسي لاختيار فلسطين مقرا لاقامة كيانهم الغاصب.
وفي هذه الاثناء تكاتفت المصالح الستراتيجية العالمية المعادية ومنها المصالح الستراتيجية البريطانية الى جانب التوجهات الدينية الصهيونية والتي ادت الى اختيار فلسطين لتنفيذ هذا المشروع اليهودي. ويمكن الوقوف على اهمية القدس الشريف بالنسبةللصهاينة من الجملة المشهور لاول رئيس حكومة صهيونية بن غوريون الذي قال: ان لامعنى لاسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس من غير الهيكل (معبد سليمان). ولهذا تصرف المليارات من اجل الاعلانات حول ضرروة غصب الاراضي وتهويد القدس الشريف واطرافها.
يوم القدس العالمي، والدفاع الشامل عن قيم ومباديء الشعب الفلسطيني
القدس هي في الوقت الراهن ترتبط بقضيتين رئيسيتين وهما القضية الدينية والقضية القانونية. بالنسبة للقضية القانونية ان القدس مدينة محتلة، وان قرارات الامم المتحدة تدعو الى انسحاب جميع القوات الصهيونية من الاراضي المحتلة بما فيها القدس. اما من الناحية الدينية، ان القدس تعتبر مدينة رمزية للمسلمين وفي نفس الوقت للمسيحيين ولهذا لايمكن اعتباها يهودية بشكل مطلق، الا ان اليهود لهم نظرات توسيعة مشؤمة لهذه المدينة المقدسة. ان القدس رمز فلسطين ووحدة العالم الاسلامي في حين ان الصهاينة عمدوا مرارا الى تغيير معالم هذه المدينة ويرون بقاء دولتهم المزعومة رهن باستمرار احتلال وتهويد هذه المدينة. واعلن الصهاينة مرارا في تصريحاتهم ان لامعنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس من غير الهيكل (معبد سليمان). في حين ان الحقيقة هي ان القدس الشريف تعود للعالم الاسلامي اولا، ولها اهمية دينية واستراتيجية للمسلمين. ولهذا السبب ولاهمية ومكان القدس الشريف للمسلمين دعا الامام الخميني (ره) منذ الايام الاولى لانتصار الثورة الاسلامية الى الدفاع عن المستضعفين لاسيما الشعب الفلسطيني المظلوم والقدس الشريف والتي اعتبرها واحدة من اهم المباديء المهمة التي لا رجعة فيها بالنسبة للجمهورية الاسلامية الايرانية. وفي هذا الصدد، اعلن الامام الخميني الجمعة الاخيرة من كل شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس دفاعا عن المباديء الفلسطينية، وقد فاجأ به اعداء الاسلام والقدس الشريف. ان الامام الخميني (ره) افهم من خلال مبادرته الاستراتيجية هذه، الكيان الصهيوني وحماته الاميركيين والغرب، ان لا القدس ولا فلسطين ولا اي مظلوم ومضطهد في العالم وحيدين.
اهمية يوم القدس العالمي
ان يوم القدس العالمي يحظى باهمية بالغة من عدة جهات ، منها مؤشرا على المعارضة الشعببة في العالم الاسلامي للوجود غير الشرعي للكيان الصهيوني الغاصب، كما انه يعتبر وسيلة ضغط ضد هذا الكيان اللقيط . ان اخراج القضية الفلسطينية من الاطار الوطني وتحويلها الى اطار دولي هو من القضايا التي تؤكد اهمية يوم القدس العالمي بين المسلمين والامة الاسلامية. وفي هذا السياق، جدير بالذكر ان العدو الصهيوني حاول منذ البداية تصوير النزاع والصراع بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين الى صراع عرقي وطائفي بين العرب واسرائيل، ولكن مواقف الامام الخميني (ره) بصفته مرجع ديني كبير في العالم الاسلامي، بث روحا جديدة لاتنسى في البعد الاسلامي لقضية الصراع مع الكيان الصهيوني، وادى بان يختار المجاهدون الفلسطنيون خيار المقاومة الاسلامية بدلا من خيارات اليسارية والوطنية والقومية وحتى التوجه للغرب والمساومة، حيث ان تشكيل الحركات الاسلامية مثل حركة الجهاد الاسلامي وحركة المقاومة الاسلامية حماس واعراض الشعب الفلسطيني عن حركة فتح وبقية الحركات التساومية تؤكد هذا الاتجاه.ان افشال دسائس الغرب والكيان الصهيوني والتاثير الروحي على المسلمين وايجاد نوعا من المشاركة العامة من المواضيع الاخرى التي تشير الى وضوح اهمية يوم القدس العالمي يوما بعد يوم. واخيرا، فان توجهات الحكومات الرجعية العربية والتوجهات الغربية للعالم الاسلامي يمكن اعتبارها مؤشرا اخر على اهمية هذا اليوم. وفي الحقيقة هو كما قال الامام الراحل: ان في هذا اليوم يمتاز الحق عن الباطل وينفصل الحق عن الباطل، في يوم القدس نتعرف من جهة على بعض الحكومات الاقليمية التي تخالف المسيرات والتي تشير الى وجود علاقة سياسية بين هذه الدول والكيان الصهيوني ومن جهة اخرى مؤشرا على ان هذا اليوم هو يوم مواجهة مباشرة بين الاسلام والصهيونية العالمية. واضاف المقال ان هذه الظاهرة يمكن لمسها ايضا بمواقف بعض الحكومات والمجموعات في حرب الـ 33 يوما بين لبنان واسرائيل وحرب الـ 22 و8 ايام للكيان الصهيوني ضد اهالي غزة المسلمين، والتي كشفت حقيقة طبيعة عدائهم للاسلام، ومن ناحية اخرى اكدت شرعية مواقف حزب الله اللبناني والشعب الفلسطيني المظلوم وانصاره في شتى انحاء العالم من الغرب حتى إندونيسيا وماليزيا في الشرق.
وختاما تقام مسيرات يوم القدس العالمي لهذه السنة، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي ظروفا خاصة. في مصر وتونس وليبيا حدثت تطورات رئيسية ، والصحوة الاسلامية في المنطقة لاتزال جارية، والمرتبطين بنظام الهيمنة الصهيونية العالمية يتم حذفهم من المعادلات السياسية والتنفيذية في الكثير من دول العالم.. الشعب البحرين لازال مصصم على مواجهة آل خليفة وفي السعودية يسعى الشعب لاحقاق حقوقة المهدورة ، وان هذه الامور تؤكد فشل عمليات التسوية مع الكيان الصهيوني وتؤكد قبول الراي العام لخطاب المقاومة، وان هذه الاجواء ساعدت على زيادة المؤيدين لتحرير القدس الشريف. وفي هذا الاطار فان الكيان الصهيوني يعيش الان في وضع صعب وعسير، على الصعيدين الاقليمي والدولي وفي داخل الاراضي المحتلة ايضا. ان التنافر والاختلاف الشديد بين الاحزاب الصهيونية والمطالبات المتعددة لسكان المناطق المحتلة بالهجرة العكسية، وامواج الغضب والاستياء للشعوب ضد الكيان الصهيوني وعجز حماته الدوليين في دعمه تعتبر من المشاكل الرئيسية والتحديات الجادة للكيان الصهيوني، والتي هي في الحقيقة من آثار ونتائج يوم القدس العالمي والصحوة الاسلامية. ولهذا يجب التاكيد في مجال التقييم النهائي، بان اجواء مسيرات يوم القدس العالمي لهذا العام مستعدة للتاكيد مرة اخرى على ضرورة تحرير القدس الشريف. ان هذا الاستعداد وصل الى مرحلة جيدة، وتذهب لتحقيق آمال الامام الراحل في الايام الاخيرة من عمره الشريف وهو تحرير القدس من براثن الصهيونية.