ما هي قصة «زيارة» الحاج عماد مغنية لفلسطين ؟
يعرف الفلسطينيون الشهيد عماد مغنية ويعرفهم . فهو ابن ثورتهم، وابن «قوات الـ17» ، عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وبعد خروج المنظمة من لبنان بقي مغنية على تواصل مع الشهيد ياسر عرفات ، و باقي الفصائل الفلسطينية ، وعمل على نقل خبرات المقاومة اللبنانية اليها، فكان حاضراً في انتفاضة الضفة عام 2000 وفي حروب غزة اللاحقة مع كيان الارهاب الصهيوني .
«يروى» أن الشهيد عماد مغنية زار غزة ، بعد تحريرها ، عبر أحد الأنفاق بين رفح المصرية والقطاع . و يزيد الراوون أنه التقى قادة المقاومة في القطاع ، وزار مصانع الصواريخ ومرابضها ، وتعرّف إلى رجال الأنفاق، وأن نائب القائد العام في «كتائب الشهيد عزالدين القسام» الذراع العسكرية لحركة «حماس»، الشهيد أحمد الجعبري ، كان دليله «السياحي» في رحلته .
وفيما لا يكتفي أصحاب الرواية بسرد العموميات ، بل يذكرون تفاصيل حول الزيارة ، لا تنفي أغلب قيادات «حماس» هذه الرواية أو تؤكدها . يردّ هؤلاء بدهشة أو بابتسامة . أحد القيادات الأساسية يقول : «الحاج رضوان يملك من الجرأة والجنون ما يكفي لفعل ذلك» . ويزيد : «سيأتي يوم يعرف العالم فيه ما فعله لأجل فلسطين، ويجب على العالم أن يعرف ذلك». قادة الفصائل الفلسطينية المقرّبون من مغنية يعرفون جيداً دوره في الحروب التي خاضها المقاومون في قطاع غزة ضد العدو «الإسرائيلي» ، وكيف ساعدت الأفكار والخبرات التي نقلها الى غزة في انتصار المقاومة لاحقاً .
إلّا أن «الحاج رضوان» لم يحصر علاقته مع فلسطين بالفصائل الإسلامية ، بل كان لحركة فتح التي انتمى اليها في مطلع شبابه الجزء الأكبر من اهتمامه خلال الانتفاضة الثانية .
بعد أسابيع من التحرير عام 2000، أرسل رئيس السلطة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات رسالة إلى مغنية ، عبر قيادات في حزب الله انتمت إلى «فتح» سابقاً وبقيت على تواصل مع «الختيار» ، أسرّ فيها بنيته تفجير انتفاضة ثانية. وشكّلت زيارة رئيس حكومة العدو آرييل شارون للمسجد الأقصى في أيلول 2000 شرارة اندلاع «انتفاضة الأقصى» . يومها ، شكّل الحاج مجموعة خاصة داخل حزب الله مهمتها دعم الانتفاضة إعلامياً وثقافياً وعسكرياً . و شارك شخصياً في ندوات واجتماعات مع مسؤولي الفصائل للبحث في سبل تطوير الانتفاضة . وعسكرياً: سعى الى إيصال ما يحتاج إليه المقاومون في فلسطين ، فكانت البدايات بتهريب أقراص مدمجة تشرح كيفية تصنيع عبوات من مواد بدائية، قبل أن يتطور الأمر الى تهريب السلاح الخفيف عبر البحر، بعد اكتشاف تيار مائي بين سيناء وغزة كانت حمولات السلاح تلقى في نقطة معينة فيه لينقلها التيار إلى شواطئ القطاع. ومع استمرار الانتفاضة وتطوّرها، سرّع الشهيد مغنية من عملية تسليح الفصائل. فكانت سفن تهريب السلاح تعمل ليل نهار عبر الخط المعروف : إيران، السودان، مصر فغزة .
وفي 2002، ضبطت بحرية العدو السفينة «كارين آي» ، المرسلة من مغنية الى «أبو عمار» ، وكانت تحمل أسلحة ثقيلة ، لو وصلت الى الضفة لكانت غيّرت مجرى الانتفاضة ، كما قال إعلام الاحتلال حينه . كذلك عمل الحاج رضوان على استفزاز «الاسرائيلي» عبر الحدود مع لبنان، لتخفيف الحصار عن «الختيار» في «المقاطعة» .
كان لحركة فتح التي انتمى اليها مطلع شبابه الجزء الأكبر من اهتمامه خلال الانتفاضة الثانية فنفّذ المقاومون عمليات على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، أبرزها عملية الجهاد الإسلامي في مستوطنة شلومي في الجليل الأعلى (تسلل مقاومان فلسطينيان إلى داخل فلسطين المحتلة واشتبكا مع جنود العدو). وكشفت التحقيقات حينها أن «المهاجمين استخدما سلماً مقوساً لاجتياز الحدود، وأن حزب الله سهّل مهمتهما» . بقيت العملية «يتيمة» ولم يتبنّها أحد ، إلّا أن «إسرائيل» وجّهت أصابع الاتهام إلى حزب الله، لـ"جر الجيش «الإسرائيلي» إلى حرب في جنوبي لبنان وتخفيف الضغط عن الضفة" .
في الضفة ، طلب «أبو عمار» من كتائب شهداء الأقصى التعاون مع مغنية الذي أرسل مجموعة من المقاومين للعمل مع «الأقصى» ، و تمكن العدو من اعتقال بعضهم مثل الشهيد فوزي أيوب . ابن «قوات الـ17» سابقاً، خبر عقلية «الختيار» ، لذلك لم يهاجمه يوم أوقفت أجهزة أمن السلطة بعض رجاله. وهو سعى الى تجنيد شبان داخل الأراضي المحتلة عام 1948 التي يعتبرها الكيان منطقة آمنة .
وفي موازاة عمله العسكري، كان مغنية يعمل على الجانب الاعلامي والفني لمواكبة الانتفاضة الثانية. ويقول عارفوه إنه استحضر أرشيف أناشيد الثورة الفلسطينية القديمة وطلب بثّها عبر قناة المنار، وحرص على وجوده شخصياً عند منتجتها وبثّها .
عرف بعض قادة «القسام» هوية مغنية الحقيقية ، لكنهم لم يصارحوه بذلك ، خصوصاً أن الرجل كان مطلوباً من أكثر من جهاز عالمي. ويقول أحدهم: «في إحدى المرات التفت الحاج إليّ فكانت ملامح وجهه تشبه إحدى صوره القديمة المعروفة، فعرفت أنه مغنية. لكنني لم اعترف له بذلك». يستذكر هؤلاء كيف كان مغنية يستمع خلال رحلاتهم الى لبنان أو سوريا إلى أهازيج الثورة الفلسطينية ، وحرصه على فلسطين ، وسعيه الى توفير حاجات المقاومة في غزة. ويتذكرون كلمة «خلص» التي كان يردّدها. هذه الكلمة كانت كافية لجعلهم يتأكدون من أنه سيؤمن الكميات المطلوبة من السلاح لهم. ويقول أحدهم: «خلال اللقاءات كنا نطلب كمية محددة من السلاح، فكنا نفاجأ بالحاج يبادر الى زيادتها وإضافة أسلحة جديدة عليها، خصوصاً أن كلمته كانت مسموعة في طهران» .
بعد تحرير عام 2000، وخلال جولة له مع بعض قيادات الفصائل الفلسطينية على الحدود ، وقف الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي رمضان شلح أمام مستوطنة شلومي متأملاً بيوتها وحبال الغسيل في حدائقها، فردّد على مسمع الحاج عماد بيتاً من قصيدة «الأرض» لمحمود درويش يقول فيه «سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل/ سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل». فما كان من مغنية الا أن ضرب بكفه على صدره قائلاً : «وحياتك رح نطردهم» .