مدينة أصفهان المسماة نصف العالم؛ قلب إيران النابض على مر العصور+ صور


"أصفهان" ليس عنوان مدينة فحسب بل عنوان حضارة أصيلة تجمع بين عراقة الماضي ورقي الحاضر ولا حصر لمعالمها الأثرية والطبيعية الفريدة من نوعها لذلك وصفت بأنها نصف العالم، فهي هوية إيران الإسلامية.

خاص بوكالة تسنيم الدولية للأنباء - هذا التقرير هو من سلسلة التقارير الخاصة بوكالة تسنيم الدولية للأنباء حول أجمل المعالم الأثرية والأماكن السياحية والدينية في إيران والتي تستقطب سنوياً الملايين من السائحين والزائرين المحليين والأجانب، وهناك الكثير من المناطق التي ما زالت بكراً ولم تشيد فيها مواقع خاصة لتقديم خدمات سياحية لكن يمكن للمتكتشفين ومحبي الطبيعة شد الرحال إليها لاستطلاع معالمها عن كثب والتلذذ بمناظرها الطبيعية والجغرافية الفريدة من نوعها، وإيران هي واحدة من البلدان الأكثر أماناً في العالم وجميع السائحين والزائرين يمضون أوقات ممتعة في أجواء آمنة حين يقصدونها كما أن نفقاتهم المالية أقل بكثير مما ينفقونه فيما لو قصدوا أي بلد سياحي آخر، لذلك فإن أعدادهم تتزايد عاماً بعد عام.

محافظة أصفهان ذات مساحة شاسعة مترامية الأطراف ولكن مركزها بحد ذاته يمكن اعتباره حضارة مستقلة وكل من يتجول في أكنافها يلاحظ هوية إيران الحقيقية وتراثها العريق وطبيعتها الخلابة، فكل شيء في هذه المدينة عبارة عن لوحة معبرة للفن الإيراني والعمارة الإسلامية الرائدة وليس هناك سائح في العالم إلا ويعرف هذه المدينة الفريدة من نوعها.

إنها مدينة تأريخية - عصرية وكانت وما زالت قلب إيران النابض بالحياة والجمال كما أن موقعها الجغرافي زاد من أهميتها، لذلك كانت في سالف العصور عاصمة لمختلف الحكومات التي تولت زمام الأمور في إيران ناهيك عن أنها كانت مركزاً لمختلف أنواع الفنون والثقافات الأصيلة وقبل سنوات اختيرت كعاصمة ثقافية للعالم.

في كل زاوية من هذه المدينة يجد الناظر أثراً تأريخياً يضرب بجذوره في العهود السالفة لذا لا يمكن حصر آثارها في قائمة أو في عصر محدد، ولكن أبرز معالمها وأروع آثارها تعود للعصر الصفوي الذي يعتبر العصر الذهبي الذي انتعشت فيه الحضارة الإسلامية في إيران وفي تلك الآونة تم تشييد أكثر من 162 مسجداً و 48 مدرسة و 241 سوقاً و 1802 نزلاً ودار ضيافة و 3000 مركز بريد و 273 حماماً وهذه الإنجازات ليست سوى فيض من غيض من عظمة هذه المدينة العريقة.

الآثار التأريخية في أصفهان هي الروعة بعينها وفيها معالم أثرية مشيدة بشتى أنواع الفنون المعمارية الأصيلة التي تضرب بجذورها في حقب زمنية سحيقة، وبطبيعة الحال لا يسع المجال هنا لإحصائها أو تسليط الضوء عليها بالكامل لكن نكتفي بذكر جانب يسير منها:

* ميدان الإمام الخميني (رحمه الله) عرصة تراثية لا نظير لها

لا نبالغ لو قلنا إن ميدان الإمام الخميني (رحمه الله) في مدينة أصفهان يعد أحد أجمل الساحات المركزية في العالم بأسره، حيث يبلغ طوله 570 م وعرضه 158 م وهو محاط بالمباني الأثرية المنقطعة النظير وبما فيها مسجد الشيخ لطف الله ومسجد الإمام الخميني (رحمه الله) وباب القيصرية وقصر عالي قابو وميدان نقش جهان.
في العهود السالفة كانت هذه الساحة ميداناً لإجراء مختلف المسابقات الرياضية والاستعراضات بشتى أنواعها.

* قصر عالي قابو مقر لإقامة أهم الشخصيات الأجنبية قديماً

قصر عالي قابو يقع في الجانب الغربي من ميدان نقش جهان وفي مقابل مسجد الشيخ لطف الله حيث يعود تأريخ تشييده إلى العصر التيموري وقد اختاره شاه عباس الأول مركزاً حكومياً ومقراً لإقامة أبرز الشخصيات الأجنبية والسفراء الذين كانوا يفدون إلى إيران، وهو مكون من سبعة طوابق.

* مسجد الإمام الخميني (رحمه الله) انعكاس لفن العمارة الصفوي

مسجد الإمام الخميني (رحمه الله) هو أهم مسجد ورثته مدينة أصفهان من العهد الصفوي، وقد وضع حجر الأساس له في عام 1020 هـ وأزيح الستار عنه في عام 1047 هـ (1612 م إلى 1630 م) ومعظم عمليات تشييده تمت في عهد شاه عباس الصفوي الأول واكتمل في عهد شاه عباس الصفوي الثاني، حيث تعلوه قبة عظيمة مزينة بزخارف الفسيفساء ويبلغ ارتفاع منارتاه 52 م وفيه رواقان كبيران وارتفاع بوابته يبلغ تقريباً 29 م وقد تم ترصيع الباب الكبير بالذهب والفضة.

* مسجد الشيخ لطف الله يزهو بالأنوار والألوان

لو وضعنا جمال مدينة أصفهان في كفة لوجب علينا أن نضع جمال مسجد الشيخ لطف الله في الكفة الأخرى، فهذا المسجد العريق يتلألأ بألوانه اللاجوردية الخلابة التي تسطع عند انعكاس أشعة الشمس منها وكل من يرتاده فهو يسافر في عمق التأريخ لأنه يرى تلك الآثار النفيسة التي تضرب بجذورها في العهد الصفوي وجمالها الفريد ينم عن عظمة فن العمارة الإيراني وسموه.

يقع هذا المسجد في الجانب الشرقي من ميدان نقش جهان وفي مقابل قصر عالي قابو وتعلوه قبة فائقة الجمال يكون لونها وردياً عند شروق الشمس ونحاسياً عند الظهر وأصفر عند الغروب.

تم تشييد هذا المسجد في فترة امتدت من عام 1011 هـ إلى عام 1028 م بأمر من شاه عباس الأول بمحاذاة ميدان نقش جهان وهو يعتبر أجمل مسجد ورثته أصفهان من العهد الصفوي حيث كان الهدف منه في بادئ الأمر أن يتخذ مقراً لإقامة الطقوس الدينية بحضور الأسرة الحاكمة والمقربين منها وقد أطلق عليه اسم أهم شخصية دينية في تلك الآونة ألا وهو الشيخ لطف الله. ما يميز هذا المسجد من حيث فن العمارة أنه لا يتضمن صحناً ولم تشيد فوقه منارة.

* السوق التراثي في أصفهان أقدم سوق في الشرق الأوسط

سوق أصفهان يعتبر أقدم سوق في منطقة الشرق الأوسط وهو يتضمن عدة أقسام مشيدة بأرقى الفنون المعمارية والزخارف الرائعة، وتحيط به العديد من الآثار العريقة مثل مدرسة الملا عبد الله ومسجد جارجي باشي ومدرسة صدر ومدرسة نيم اورد والعديد من النزل التي تضرب بجذورها في العهدين الصفوي والقاجاري وبعض الحمامات التراثية.

* قصر "تشهل ستون" مرآة لمعجزة العمارة الإيرانية الإسلامية

لا يختلف اثنان في أن مبنى "تشهل ستون" يعتبر جوهرة أصفهان لكونه بناءً فاخراً وعظيماً وتحيط به حديقة غناء بنفس هذا الاسم ويرجع عهد تشييد هذه الحديقة إلى ما قبل العصر الصفوي، وأما المبنى فقد تم تشييد بأمر من شاه عباس الثاني وقد اكتمل في عام 1057 هـ حيث تبلغ مساحته 2120 متراً مربعاً وأما الحديقة المحيطة به فتبلغ 67 ألف متر مربع. رواق هذا المبنى مكون من 18 عموداً يستقر عليها سقفه الواسع وهناك عمودان آخران في بوابته وحوض كبير.

* مبنى هشت بهشت التأريخي استضاف آخر ملوك العهد الصفوي

تم تشييد مبنى هشت بهشت بتأريخ 1080 هـ وقد أطلق عليه أيضاً اسم "هشت به هشت" و "هشت در بهشت" و "باغ بلبل"، وهو مكون من ثمان زوايا بأربعة واجهات أساسية وكل واجهة تختلف عن الأخرى، وهو مكون من طابقين.

* المسجد الجامع في أصفهان أهم وأقدم بناء تأريخي في إيران

المسجد الجامع (مسجد الجمعة) هو أكبر مساجد أصفهان ويقال إنه مشيد على أطلال معبد نار يعود تأريخه إلى العهد الساساني، وقد تم بناؤه في القرن الرابع الهجري وفي عهد الديالمة بالتحديد وعندما تصدى السلاجقة لزمام الأمور قاموا بترميمه وتوسيع مساحته.

* بقعة بابا ركن الدين

مسعود بن عبد الله البيضاوي المعروف باسم بابا ركن الدين هو أحد العرفاء الذين ذاع صيتهم في القرن الثامن الهجري والتحق بالرفيق الأعلا في عام 769 هـ حيث أمر شاه عباس الأول ببناء ضريح له في عام 1039 هـ وبالفعل فقد تم تشييده بقبة هرمية الشكل.

* جسر "سي وسه بل" روعة العمارة الصفوية

كل من يذكر اسم أصفهان يتبادر في ذهنه اسم أهم جسر تراثي فيها ألا وهو جسر "سي وسه بل" المشيد بفن عمارة فريد من نوعه ولا يمكن لسائح أن يزور هذه المدينة دون أن يقصده ويمتع ناظريه برؤيته فهو رمز لروعة فن العمارة الإيراني الإسلامي ومياه زايندة رود العذبة تنهال من تحته بأروع صورة طبيعية ويرجع تأريخ بنائه إلى عهد شاه عباس الأول، وكان اسمه سابقاً جسر "جلفا" و "الله وردي خان".
هذا الجسر التراثي الذي هو مخصص للمشاة اليوم فيه 40 طوقاً يمكن للسائحين إلقاء نظرة على المناظر الجميلة المحاذية لضفاف نهر زايندة رود.

* جسر "بل خواجو" معلم تأريخي حافل بالذكريات

الجسر الآخر الشهير في مدين أصفهان ويأتي في المرتبة الثانية بعد جسر "سي وسه بل" هو جسر "بل خواجو" الذي تم تشييده أيضاً في العهد الصفوي وفي عام 1060 هـ بالتحديد وقد بني لعدة أهداف فسطحه كان مخصصا لعبور العربات التي تجرها الخيول وسائر الدواب وطابقه المسقف قد خصص للتنزه والتجوال وتمتيع النظر بمياه نهر زايندة رود الجارية، وعمارته في غاية الروعة حيث شيدت بعض الغرف على أطرافه لاستضافة الشخصيات الهامة وهي مزخرفة بأجمل أنواع الزينة.

* بقعة "منار جنبان" معجزة الفن الأصفهاني

بقعة "منار جنبان" هي بناء مشيد على مرقد الزاهد الشهير عمو عبد الله على هيئة منارتين والطريف أن الإنسان لو حرك إحدى المنارتين بيديه فالمبنى برمته يتحرك وهذه الحالة تعتبر ظاهرة فريدة من نوعها في فن العمارة.

وننوه هنا على أننا لم نذكر هنا سوى جانب يسير من تلك المعالم الأثرية العظيمة في مدينة أصفهان التي هي قلب إيران النابض قديماً وحديثاً، والحديث يطول أيضاً عن معالمها الطبيعية التي لا نظير لها في العالم.