دور خلفية ترامب الإقتصادية في رسم السياسة الخارجية الأمريكية

كتب الباحث صابر كل عنبري مقالا حول السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، استهله بالاشارة الى الحلفيات الاقتصادية للرئيس الأمريكي الجديد ترامب، لافتا الى أنه ينظر الى السياسة من باب الاقتصاد، وفيما يلي نص المقال:

كما يقال إن الإنسان وليد أو نتاج بيئته، والبيئة هنا لا تقتصر على المكان الذي يولد ويتربى فيه الانسان، بل تتعداها إلى بيئات أخرى كبيئة العمل والمهنة أيضا، التي تترك بصمات واضحة على طريقة التفكير والسلوك، لا يمكن تجاوزها بسهولة، فتبقى مع الانسان أينما ذهب وانتقل، ومن هذا المنطلق يبقى البشر أسيراً لتلك الآثار بدرجات متفاوتة بين شخص وآخر، فعندما ينتقل شخص ما من مرحلة إلى مرحلة أهم في حياته، سيحمل معه بصمات تلك المرحلة، التي تشكل الخلفية.

وفي هذا السياق، يتناول هذا المقال مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه خلفية الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" الإقتصادية في سياسته الخارجية، وخاصة هو لم يدخل المعترك السياسي من بوابة السياسة، بل من بوابة المال، كونه رجل أعمال انشغل في الاقتصاد والتجارة، وكان بعيدا عن السياسة، ومناصبها كل البعد، وهذا لا شك، يضعنا أمام تساؤلات حول سايكولوجية التفكير لدى هذا الرجل كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وأنه كيف ستؤثر الخلفية الاقتصادية التي تشكل معظم حياة ترامب، على تفكيره السياسي وأدائه وسلوكه، ولاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي يتبناها في ولايته.

سأحاول بلورة تصور لهذه السياسة، كي نفهم ما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط عندما يبدأ الملياردر ترامب عمله في يناير القادم كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

لعل هنا السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه بقوة، نظرا إلى الخلفية الترامبية التي تحدثنا عنها، وهو هل يمكن للاقتصاد أن يشكل منطلقا، وأساسا، أو عاملا مهما في ترسيم السياسة الخارجية الأمريكية في العصر الترامبي، أم لا؟ أو هل سيقود الاقتصاد العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية خلال هذا العصر، أم لا؟

سأجيب على هذا، لكن دعونا ننظر لمجموعة من تصريحات ترامب التي تبين أن الرجل ينظر إلى السياسة من بوابة الاقتصاد، مما يعني أن العامل الاقتصادي سيكون عنصرا هاما جدا، إن لم يكن رئيسيا في ترسيم سياسة ترامب الخارجية، وأساسا مهما في علاقاته الخارجية وطريقة تعاطيه مع ملفات ساخنة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة العربية عموما، وبناء تحالفات سياسية على أساس مالي واقتصادي.
أولاً: "مبدأ الجزية مقابل الخدمات"، في حديث يفتقر إلى الدبلوماسية والسياسة تماما، انتقد ترامب خلال حملته الانتخابية أكثر من مرة، الإدارات الأمريكية السابقة في طريقة إدارة العلاقات مع الحلفاء سواء في الشرق الأوسط أو في جنوب شرق أسيا، معتبرا هذه العلاقات لا يجب أن تستمر دون مردود مالي واقتصادي.

أشار ترامب في تصريحات خلال حملته من أن الخدمات لن تكون مجانية، وعلى الحلفاء "دفع الجزية" لقاء الخدمات والحماية التي يتلقونها من واشنطن، ولعل السعودية نالها النصيب الأكبر من انتقادات ترامب حول طريقة إدارة العلاقات مع الحلفاء، إذ لم يستبعد وقف شراء النفط منها ومن دول خليجية أخرى، إن لم تقم هذه الدول بإرسال القوات لمحاربة "داعش"، أو لم تسدد فواتير حرب الولايات المتحدة ضد هذا التنظيم.

ثانياً: "مبدأ النفط مقابل الدعم"، ترامب يرى أنه كان من المفترض أن يتم الاشتراط على ثوار ليبيا أن تأخذ أمريكيا نصف النفط الليبي مقابل مساعدتهم في حربهم ضد نظام القذافي وإسقاطه، هذا يعني أن الرئيس الأمريكي الجديد يرجح المصلحة الاقتصادية على المصلحة السياسية في الملف الليبي مثلا، هذا التصور الترامبي تجاه الملف الليبي قد يوحي بطريقة تعاطي السياسة الأمريكية مع هذا الملف خلال المرحلة المقبلة، ومن هذا المنطلق فإن من يدفع له النفط الليبي أكثر من الأطراف الليبية المتنازعة، يمكنه كسب ود ترامب وسياسته لصالحه.

ثالثاً: "التعاطي الاقتصادي مع الاتفاق النووي"، من المعروف معارضة ترامب الشديدة للاتفاق النووي، وجعله مادة دسمة في حملته الانتخابية، حيث أعلن ترامب أكثر من مرة أن أولويته الأولى ستكون "تفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران" حسب وصفه.

في حين عارض نفسه، وانتقد في اجتماع "إيباك" في مارس الماضي، بقاء العقوبات الأمريكية التي تمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع إيران، فكلام ترامب عن منع الشركات الأمريكية من التعامل مع طهران، يظهر تعاطيه الاقتصادي مع هذا الاتفاق أيضا، ولعله إن وجد أنه من المستحيل تفكيك الاتفاق النووي كما وعد بذلك خلال حملته الانتخابية، سيعمل على تخفيف القيود على الشركات الأمريكية لتمكينها من الدخول في السوق الإيراني، وهذا يظهر جانبا آخر في تعاطيه الاقتصادي مع اتفاق دولي حساس كهذا الاتفاق.

وفيما سبق بيانه، قد يترتب على ارتدادات الخلفية الاقتصادية لرجل الأعمال الرئيس ترامب على السياسة الخارجية الأمريكية في عهده، أمران:

الأمر الأول: تبني نهج "المساومات الاقتصادية" التي يمكن أن تطرح كاتجاه أساسي في طريقة تعاطي السياسة الخارجية الترامبية مع الملفات الساخنة والعلاقات الخارجية، ولعل ما يعزز وجود توجه كهذا في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، تأكيده على اعتماد مبدأ "المساومات الاقتصادية" في أسلوب إدارته حال نجاحه بالانتخابات قبل أشهر من فوزه، كما قال لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في 26 مارس 2016.

كما يرى ترامب في المقابلة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تحظى بقوتها السابقة، لذلك يجب أن تتبنى المساومة الاقتصادية للحفاظ على ما اعتبره حقوقها المادية خارج الحدود الأمريكية، خاصة في ظل تصاعد متسارع للصين كقطب اقتصادي عالمي، كما يرى أيضا أن السياسة الأمريكية المتبعة في التحالفات القديمة ليست مجدية، وأنه ينوي إعادة النظر بها، وأن أي التزامات عسكرية أمريكية حول العالم ستكون بمقابل مردود مالي ونقدي او التزام عسكري مالي من الدول الأخرى.

الأمر الثاني: "تنحية الخيار العسكري في السياسة الخارجية"، وهذا يعني الابتعاد عن المغامرات العسكرية المكلفة اقتصاديا، إذ أن ترامب كرجل أعمال يعرف أكثر من غيره الأضرار الاقتصادية التي ستنجم عن أي تحرك عسكري أمريكي، وخاصة في ظل الديون المتراكمة التي تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي ووعوده بتحسين الوضع الاقتصادي للمواطن الأمريكي، في حين أن هذا لا يعني أنه واشنطن لن تقم بأي تحرك عسكري حال استعداد دولة أو جهة لتمويل ذلك. 

خلاصة القول إن إعلان ترامب مرارا أنه يتبع سياسة "أمريكا أولا" في السياسة الخارجية، يظهر جليا، أنه يتحرك في السياسة الخارجية من منطلق اعتبارات داخلية أمريكية، وكما يتضح من تصريحاته المكررة، فإن الاعتبار الاقتصادي يأتي على سلم هذه الاعتبارات، فلذلك ليس جزافا، إن قلنا أن العنصر الاقتصادي سيشكل عاملا قياديا أو على الأقل عاملا مؤثرا في توجيه وترسيم السياسة الخارجية الأمريكية في العصر الترامبي.
وحتى لا نبالغ فيما سبق ذكره، فإن العامل الاقتصادي لن يكون العامل الوحيد المؤثر في سياسة ترامب الخارجية بل يفترض أن يشكّل أحد العناصر الرئيسة التي توجه هذه السياسة.

كاتب إيراني

/انتهي/