هل ستتوسط طهران بين بغداد وأنقرة لتلطيف الأجواء بين الجانبين؟
خاص تسنيم / هناك تقارب مشهود بين الجمهورية الإسلامية وتركيا لدرجة أن بعض المؤسسات الصهيونية لم تكتم تخوفها من ذلك وصرحت بشكل علني بأنها مستاءة من ذلك ولا ترغب مطلقاً بحدوث أي تقارب بين طهران وأنقرة، وهذه الوساطة قد تنتهي إلى تأسيس تحالف مقتدر بين إيران وروسيا وتركيا.
دون الباحث والخبير بشؤون منطقة غرب آسيا السيد رمضان بورسا تقريراً لوكالة تسنيم حول واقع العلاقات العراقية التركية وإمكانية تمثيل الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور الوسيط بين البلدين لتلطيف الأجواء المتوترة بين البلدين ولا سيما بعد زيارة وزير الخارجية التركي العاصمة طهران.
ويمكن تلخيص أهم محاور هذا التقرير فيما يلي:
- الخلفية التأريخية للعلاقات التركية العراقية
هناك علاقات تأريخية بين العراق وتركيا لا يمكن لأحد تجاهلها بتاتاً، ولكنها شهدت توتراً في الآونة الأخيرة فبعد الاحتلال الأمريكي للأراضي العراقية بعد سقوط نظام الدكتاتور صدام حسين شهد هذا البلد مشاكل أمنية محتدمة وكان الموقف الرسمي طوال هذه الفترة يعكس وجهات نظر حكومية تدل في ظاهرها على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، وقد لعبت أنقرة دوراً هاماً في استقرار العراق سواء قبل الاحتلال وبعده، وهذا ما ثبت بشكل جلي في مؤتمر بلدان جوار العراق الذي عقد في عام 2008 م بحيث تطورت العلاقات الثنائية بين البلدين وتم تشكيل لجنة تعاون استراتيجي في العاشر من شهر تموز / جولاي في نفس ذلك العام وقد وقع عليه مسؤولو البلدين في العاصمة العراقية بغداد.
أول اجتماع رسمي لهذه اللجنة المشتركة عقد في الخامس عشر من شهر تشرين الأول / نوفمبر عام 2009 م في بغداد والاجتماع الثاني عقد في الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر أيلول / ديسمبر عام 2014 م في أنقرة وأكد المجتمعون في البيان الختامي على أن العراق يمر بأيام عصيبة والحكومة التركية تقف إلى جانبه في هذه المحنة، كما تم التوقيع في هذا الاجتماع على بروتوكول تعاون دبلوماسي بين وزارتي الخارجية في البلدين.
وأما من الناحية الاقتصادية فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين بغداد وأنقرة خلال العام 2015 م أكثر من ثمانية مليارات دولار ونصف المليار مما يعني أن العراق ثالث شريك اقتصادي لتركيا.
وفي خضم هذه الأوضاع الاقتصادية المنتعشة في تأريخ العلاقات بين البلدين إبان حكومة رئيس الوزراء العراق السيد نوري المالكي اندلعت أزمة سياسية على أعتاب الانتخابات المصيرية التي عارضتها بعض الأحزاب التي تدعي أنها تمثل أهل السنة، لذلك تدخلت تركيا كوسيط وكان له دور بارز في مشاركة أهل السنة بهذه الانتخابات؛ وبعد مجريات الأحداث دعمت حكومة أنقرة ترشيح السيد حيدر العبادي مقابل السيد نوري المالكي ومن ثم شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً.
- الأزمة السياسية الشائكة بين بغداد وأنقرة
أول أزمة سياسية جادة شهدتها العلاقات التركية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي تمثلت في ملف مدينة بعشيقة العراقية حينما أعلنت أنقرة بأنها سترسل قوات إضافية في معسكرها بهذه المدينة، وثاني أزمة معقدة حدثت في باكورة انطلاق عمليات تحرير مدينة الموصل من إرهابيي داعش، حيث أعلنت حكومة رجب طيب أردوغان بأنها ستشارك في هذه العمليات لكن حكومة حيدر العبادي رفضت ذلك معتبرة تواجد القوات التركية في بعشيقة نقضاً لسيادة العراق وطالبت الحكومة التركية بسحب قواتها فوراً، إلا أن الرئيس التركي كانت له ردة فعل شديدة مدعياً أن رئيس الوزراء العراقي قد أهانه لذلك لم يكترث بطلبه بزعم أنه ذو مقام أعلا منه ولا يتلقى أوامره منه لدرجة أنه قال سينفذ ما يريد رغم جميع الاعتراضات التي اجتاحت الشارع السياسي العراقي.
موقف أردوغان هذا أسفر عن حدوث أزمة شائكة بين العراق وتركيا لدرجة صدور تهديدات متبادلة فبغداد اعتبرت تواجد القوات التركية على أراضيها تهديداً لأمنها الداخلي ونقضاً لسيادتها وهذا الأمر ألقى بظلاله على وسائل الإعلام التركية أيضاً بحيث انقسمت إلى فئتين إحداهما مؤيدة والأخرى معارضة.
في الفترة التي كانت حقيبة وزارة الخارجية بيد أحمد داوود أوغلو الذي أصبح رئيس وزراء فيما بعد، تبنت الحكومة التركية سياسة عدائية تجاه العراق لدرجة أن الحكومة طلبت من وسائل الإعلام بالحذو حذوها والتهجم على بغداد قدر المستطاع فانصاع بعضها لذلك فيما بادر بعض المعنيين بالشأن الإعلامي إلى التذكير بالعلاقات التأريخية بين البلدين وطالبوا بوضع حلول دبلوماسية لحلحلة المشاكل العالقة بين البلدين.
رئيس حزب السعادة آنذاك السيد مصطفى كامالاك صرح في هذا الصدد قائلاً: الأمن التركي مرهون بوحدة الأراضي السورية، وأما الأزمة التي حدثت بين تركيا والعراق بسبب معسكر بعشيقة ينبغي أن لا تكون ذريعة لإيجاد تفرقة واختلاف في العالم الإسلامي، لذا لا بد من توحيد الكلمة بين البلدين وهذا الأمر يعد ضرورة ماسة للعالم الإسلامي بأسره.
- مقترح رجب طيب أردوغان في مشاركة القوات التركية بعمليات تحرير الموصل
الحكومة التركية كانت تصر بشدة على المشاركة في عمليات تحرير الموصل بحيث كانت تطرح الموضوع في كل فرصة تتاح لها داخلياً ودولياً، حيث كانت تخطط للتواجد عسكرياً في أرض المعركة بالتنسيق مع رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، وقد أكد اردوغان في كلمة له على أن تركيا ملتزمة بالتواجد العسكري في الحرب ضد داعش في محافظة نينوى وقال: تركيا سوف تشارك في عملية تحرير الموصل ضمن قوات التحالف الدولي، وإذا ما رفضت هذه القوات مشاركتنا فسوف نطبق الخطة " ب " ولو أن هذه الخطة لم تحقق أهدافنا فسوف نلجأ إلى الخطة " ج ".
تجدر الإشارة هنا إلى أن الخطة " ب " التي لمح لها الرئيس التركي في كلمته تعني دعوة مسعود البارزاني للقوات التركية في التواجد على الأراضي العراقية، حيث صرح في بادئ عمليات تحرير الموصل بأنه يروم التوسط بين بغداد وأنقرة لحلحلة القضايا العالقة بين البلدين، وقال إن الحكومة التركية تريد المشاركة في هذه العمليات وعليها أن تستشير بغداد في ذلك. هذا الكلام في واقع الحال دل بوضوح على فشل الخطتين الأولى والثانية من الخطط الثلاثة التي أشار إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولم تبق إلا الخطة الثالثة " ج ".
بعد تصريحات مسعود البارزاني بادرت وزارة الخارجية التركية إلى إصدار بيان أكدت فيه على أن أنقرة أرسلت وفداً دبلوماسيا إلى بغداد للتداول مع الحكومة العراقية حول مشاركة القوات التركية في عمليات تحرير الموصل برئاسة أميد يالتشين مساعد وزير الخارجية.
وبعد عودة هذا الوفد إلى أنقرة أعلن وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بأن وفداً عراقياً سيزور تركيا قريباً، ولكن مر شهر كامل على هذا التصريح ولم يتم إرسال أي وفد إلى أنقرة!
- الوساطة الإيرانية المحتملة بين بغداد وأنقرة
الأزمة التركية العراقية ما زالت على حالها إلى يومنا هذا والعلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، وبما أن الجمهورية الإسلامية تربطها علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع البلدين فهي قادرة على لعب دور الوسيط لحلحلة الخلافات، والسيد علي أكبر ولايتي مستشار قائد الثورة الإسلامية في الشؤون الدولية صرح قبل فترة بأن طهران مستعدة للتوسط بين العراق وتركيا لإعادة المياه إلى مجاريها، وهذا التصريح كان له تأثير فاعل في مبادرات الجمهورية الإسلامية على هذا الصعيد.
طهران وأنقرة تربطهما علاقات اقتصادية ودبلوماسية حسنة، وهناك تعاون جيد على صعيد العديد من الملفات الدولية، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 15 مليار دولار في حين أن الجانبين يرومان الرقي بواقع هذا التبادل إلى مستوى 30 مليار دولار، لذا فالجمهورية الإسلامية تمتلك المؤهلات اللازمة للعب دور الوسيط بين بغداد وأنقرة لتلطيف الأجواء، ناهيك عن أن هذا التعاون من شأنه وضع حلول للعديد من الأزمات الأخرى التي تعصف بالمنطقة.
ورغم أن العلاقات بين طهران وأنقرة شهدت فتوراً نسبياً إثر الأزمة السورية، ولكن بعد الانقلاب العسكري الفاشل في الخامس عشر من شهر تموز / جولاي من العام الجاري أعلنت طهران دعمها للحكومة والشعب في تركيا خلافاً لبعض الحكومات الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي التزمت جانب الصمت إزاء ما حدث، كما أن وزير الخارجية الدكتور محمد جواد ظريف زار تركيا بعد ذلك وبادله الزيارة نظيره مولود تشاووش أوغلو لتشهد العلاقات تحسناً ملحوظاً.
مقترح وساطة طهران بين بغداد وأنقرة واجه اعتراضات من قبل بعض التيارات والحركات التركية المناهضة للجمهورية الإسلامية، ولكن رغم ذلك فالسيد علي أكبر ولايتي بعد أن صرح بهذا المقترح لوسائل الإعلام أعلنت أنقرة عن ترحيبها وأعرب وزير خارجيتها عن شكره لذلك.
وأما بعض الشخصيات والأطراف المناهضة لسياسة الجمهورية الإسلامية من أمثال أثيل النجيفي وحلف شمال الأطلسي " الناتو " والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبعض التيارات الداخلية التركية، فهم يحاولون السير على خلاف التيار المعتدل ويعملون على وضع عقبات لحلحلة الأزمة العراقية التركية، لذلك يحرضون الجانب التركي على عدم الانصياع وراء مقترحات طهران وبالتالي فإنهم يتسببون بأزمات لا مسوغ لها ومشاكل محتدمة تعصف بالشارع التركي.
السيد حسين أمير عبد اللهيان مساعد رئيس مجلس الشورى الإسلامي الدكتور علي لاريجاني ومستشاره في الشؤون الدولية، صرح في الثلاثين من شهر تشرين الأول / أكتوبر الماضي بأن الحكومة التركية قد غيرت سياستها في سوريا وبعض ملفات المنطقة مؤكداً على دعم طهران لهذه التوجهات.
والحقيقة أننا لو تتبعنا المواقف التركية لوجدنا أنقرة بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي حدث في الخامس عشر من شهر تموز / جولاي من العام الجاري قد غيرت من مواقفها السياسية الخارجية ولا سيما قرارها في التعاون مع الجمهورية الإسلامية وروسيا على صعيد الأزمة التي تعاني منها سوريا والعراق، وبالفعل فقد أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان مع السيد حسن روحاني اتصالاً هاتفياً أكد فيه على هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية التركية، حيث قال: لقد توصلنا إلى قرار هام فحواه أن أزمات المنطقة لا يمكن حلها إلا عن طريق التعاون مع روسيا والجمهورية الإسلامية، وهذه الحاجة الماسة تتجلى اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وقد حدث تقارب مشهود بين البلدين لدرجة أن بعض المؤسسات الصهيونية لم تكتم تخوفها من ذلك وصرحت بشكل علني بأنها مستاءة من ذلك ولا ترغب مطلقاً بحدوث أي تقارب بين طهران وأنقرة، ومن جملة أن موقع " Debka File " التحليلي نشر تقريراً حول الموضوع جاء في جانب منه: يبدو أن تركيا قد رجحت العمل تحت مظلة التحالف الشيعي الروسي على التحالف السني المناهض لإيران، فالتوجهات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان توحي بأنه في صدد إيجاد تحالف جديد في الشرق الأوسط تنضوي فيه كل من تركيا وروسيا وإيران والعراق، وليس من المستبعد أن سيضم مستقبلاً سوريا وحزب الله، إذ إن هذا التحالف المتوقع قد يغير واقع العلاقات بين دمشق وأنقرة بشكل جذري رغم أن تحسن العلاقات الإسرائيلية التركية في الآونة الأخيرة أسفر عن إيجاد تعاون عسكري واستخباري بين واشنطن وأنقرة، كما أدى إلى إيجاد ثقة متبادلة بين تل أبيب وأنقرة الأمر الذي كان متوقعاً بأن يحفز تركيا على الانضمام إلى التحالف السني المناهض لإيران والذي يتألف من السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، ولكن ما يدعو للأسف هو اللقاء الذي حصل بين أردوغان وبوتين حيث يعتبر تهديداً للمخططات الأمريكية الإسرائيلية التي يتم تنفيذها بالتعاون مع بعض الحكومات العربية الصديقة لإسرائيل.
هذا التحليل الصهيوني لواقع الأحداث ينم عن عمق القلق الذي ينتاب التيار المناهض للاستقرار في المنطقة وخشيته من فشل الرياض في تنفيذ المخططات الإسرائيلية الأمريكية في سوريا والعراق فيما لو تخلت تركيا عن هذه القافلة المعادية للشعبين العراقي والسوري.
ولا شك في أن وساطة الجمهورية الإسلامية بين العراق وتركيا له جانب تأريخي كما أنه منبثق من علاقات طهران الحميمة مع كل من بغداد وأنقرة، كما أن هذه الوساطة لها القابلية على وضع حل أساسي للأزمة السورية أيضاً، بل وكما أكد الموقع الصهيوني " Debka File " فهي قد تسفر عن نتائج كبيرة أبرزها تأسيس تحالف إقليمي بين تركيا وإيران وروسيا.
بقلم: رمضان بورسا Ramadhan Bursa محلل تركي
/ انتهي/