لا مناص لأردوغان من التعاون مع ايران وروسيا حول أزمات المنطقة


المراقبون السياسيون يؤكدون على أن تركيا تعاني اليوم من أزمة حادة إثر تدخلها السافر في الشأن السوري، ولا مخرج لها من هذه المشكلة سوى التنازل عن أهدافها اللامشروعة والتعاون مع إيران وسوريا والعراق وروسيا.

وأفاد مراسل وكالة تسنيم الدولة للأنباء من أسطنبول أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ تأزم الأوضاع في جارتها سوريا وقفت إلى جانب المعارضة المسلحة وقدمت لها دعماً كبيراً في جميع المجالات بهدف إسقاط حكومة الدكتور بشار الأسد الشرعية، وتدخلت بشكل سافر في المناطق الحدودية ولا سيما حلب وإدلب.

القاصي والداني يعرف حق المعرفة أن المعارضة المسلحة في سوريا مكونة من مجاميع إرهابية وهدفها الأساسي بعد السيطرة على حلب وإدلب الزحف نحو دمشق لإسقاط الحكومة الشرعية، ولكن هذه المساعي تبددت وذهبت أدراج الرياح بفضل دعم الجمهورية الإسلامية والمقاومة اللبنانية للشعب والحكومة في سوريا ناهيك عن تدخل روسيا المباشر، وهذا الأمر أسفر عن حقن دماء الشعب السوري من براثن الإرهابيين المتعطشين لسفك الدماء والداعين إلى الطائفية المقيتة عبر التصريح بشكل علني بأنهم يرومون تأسيس إقليم سني بمركزية حلب وبالاعتماد على المعونات المادية والمعنوية التركية.

رغم المساعدات الجمة التي قدمتها حكومة أردوغان لإرهابيي داعش ولا سيما في المناطق الشمالية لسوريا، إلا أن تركيا أمست اليوم تشعر بخطر جاد من قبل هؤلاء الهمج الرعاع الذين لا صديق لهم ولا عهد، وهذا الخطر يتزايد يوماً بعد يوم، وإضافة إلى هذه المعضلة العويصة فقد تمكن المسلحون الأكراد الموالون لحزب العمال والـ ب ك ك من اجتياز الخط الأحمر الذي حدته لهم حكومة أنقرة وتقدموا نحو الضفة الغربية لنهر الفرات وذلك بدعم مباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

حسب المخططات الأمريكية فمن المقرر تأسيس دولة كردية عن طريق التحام الأقاليم الشرقية والغربية لنهر الفرات، وقد عجزت حكومة أردوغان عن ثني واشنطن للتخلي عن هذا المشروع الخطير لذلك أقحمت قواتها المسلحة بشكل مباشر في الأراضي السورية لوقف زحف القوات الكردية نحو الساحل الغربي لنهر الفرات، حيث أطلقت على هذه العمليات اسم " درع الفرات " وزعمت أنها تروم القضاء على عصابات داعش الإرهابية والتنكيل بالمسلحين الأكراد وطردهم بعيداً عن حدودها؛ وكما هو معلوم فهذه العمليات ما زالت متواصلة حتى يومنا هذا وإذا ما نجحت هذه العمليات سوف تتمكن أنقرة من وضع عقبة جادة أمام تشكيل الدولة الكردية المرتقبة شمالي سوريا.

وأما مدينة حلب فهي اليوم تمر في مخاض تأريخي إثر تقدم الجيش السوري بشكل كبير بفضل الدعم الروسي الإيراني، وهذا الأمر بطبيعة الحالة يؤرق أردوغان ويبدد كل أحلامه غير المشروعة حيث أكد مراراً وبنفس طائفي أنه سيؤسس إقليماً سنياً في هذه المدينة لذلك قدم دعماً لا محدوداً لجميع الزمر الإرهابية المسلحة التي لم تجد بداً اليوم من الفرار نحو إدلب وبعضهم شد الرحال إلى داخل الأراضي التركية.

لو تمكن الجيش السوري من تحرير مدينة حلب بالكامل فسوف يتوجه نحو مدينة الباب مما يعني احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين القوات الوطنية السورية والقوات المحتلة التركية، وهذا بكل تأكيد يعني مواجهة حقيقية بين تيار المقاومة المدعوم من قبل الدب الروسي وبين تركيا.

وتشير التقارير إلى أن قوات الجيش السوري وحزب الله لبنان تخطط حالياً للسير قدماً نحو إدلب، وهذا الأمر يعني حدوث مواجهة شرسة مع الإرهابيين المسلحين المدعومين من حكومة أردوغان بشكل مباشر إذ يقول الخبراء العسكريون إن سقوط مدينة حلب وعودتها إلى أحضان الحكومة الشرعية في سوريا يعني سقوط إدلب وعودتها إلى أحضان الوطن من جديد، لذا لا خيار للتنظيمات الإرهابية المسلحة هناك سوى الفرار باتجاه تركيا أو الاستسلام أو الهلاك.

ومن جهة أخرى فإن قوات الجيش السوري والمقاومة الإسلامية لو تمكنت من التوغل نحو مدينة منبج فسوف تواجه المسلحين الأكراد هناك، وهذا يعني مواجهة شبه مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فكل تحرك في شمال سوريا تخضع لمراقبة مباشرة من قبل واشنطن، لذا فإن أي تحرك تركي في هذه المنطقة منوط بالسياسة الخارجية الأمريكية والروسية على حد سواء، فهي أينما أوفدت جنودها ستجد أمامها عملاء أمريكا المسلحين أو القوات الروسية الداعمة للشعب السوري، وهذا الأمر بكل تأكيد يعد تهديداً جاداً لا يمكن التغاضي عنه، ناهيك عن أن تحرير مدينتي حلب وإدلب وطرد الزمر الإرهابية المسلحة منها سيتمخض عنه فرار الإرهابيين نحو الحدود التركية وهذه الحركة هي الأخرى تعتبر تهديداً أكثر جدية لتركيا على الصعيدين السياسي والمحلي.

إذن، حكومة أنقرة تواجه اليوم أزمة حادة وتمر في مرحلة خطيرة للغاية إثر تدخلها السافر في الشأن السوري ولا شك أن الحل الوحيد لها يكمن في التنازل عن دعواتها الطائفية والإذعان للأمر الواقع عبر التعاون بشكل صادق مع الجمهورية الإسلامية وسوريا والعراق وروسيا، ولا بد لها من حث الخطى في هذا المضمار لأن الوقت قد أدركها لذلك يجب على أردوغان المبادرة فوراً إلى تدارك حكومته وشعبه عن طريق احترام بلدان الجوار والتآزر مع البلدان الصادقة في سياساتها الخارجية والداعمة للشعوب المضطهدة، أي الجمهورية الإسلامية وجمهورية روسيا الاتحادية ولكن في غير هذه الحالة سوف تتعرض تركيا إلى بلايا لا تحمد عقباها.

/ انتهى/