تركيا وأهمية معركة مدينة الباب: قراءة وتحليل
منذ أن أعلن درع الفرات بداية شهر كانون الأول عن بدء معركة السيطرة على مدينة الباب السورية، تتوالى الأحداث التي تكشف الى جانب صعوبة المعركة الأهمية الإستراتيجية للمدينة وما يترتب عليها من نتائج. حيث يمكن اعتبارها نقطة وصلٍ جغرافيٍ عسكري، لربطها غرب سوريا بشرقها، وصولاً إلى الحدود العراقية.
وبعيداً عن أهداف الأطراف المتصارعة، يتميَّز الطرف التركي بإعلانه صراحة سعيه لما بعد معركة الباب أي معركة منبج. فكيف يمكن إظهار ذلك؟ وما هي الأهمية الإستراتيجية لمعركة الباب؟ وأي دلالاتٍ يمكن استنتاجها من التحليل؟
تركيا والعين ما بعد مدينة الباب
يبدو واضحاً أن العين التركية تخطت مدينة الباب، بعد أن بات شبه محسوم سيطرة القوات المدعومة من تركيا على مدينة الباب، رغم صعوبة المعركة. حيث حشدت تركيا مزيداً من التعزيزات العسكرية والعتاد بهدف حسم معركة الباب. في حين رأى خبراء أن الهدف من التعزيزات التركية الجديدة هو تحقيق مهمة أخرى، وهي إعطاء الزخم للتهديد التركي بالتوجه إلى مدينة منبج بعد حسم معركة الباب، لطرد الوحدات القتالية الكردية هناك. وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ يومين بعد إعلانه أن بلاده ستكون متواجدة في كل الأماكن التي تتعرض للظلم بحسب تعبيره، بما فيها مدينتي منبج والرقة. مُشيراً الى أن تركيا لن تتراجع عن معركة الباب، وستسيطر في نهاية الأمر على المدينة الإستراتيجية رغم الخسائر التي مُنيت بها قواتها بسبب الطبيعة الصعبة للمعركة.
المعركة ما بعد الباب وأهميتها الإستراتيجية
لا شك أن عدة مسائل تجعل من السيطرة على مدينة الباب أمراً مهماً. وهي على الشكل التالي:
أولاً: الموقع الجغرافي
تقع مدينة الباب شمال شرقي مدينة حلب، وتبعد نحو 30 كم عن الحدود التركية، وتبلغ مساحتها حوالي 30 كم٢. تتمتع بموقع جغرافي مهم، لربطها غرب سوريا بشرقها، حيث تقع على الطريق بين محافظة اللاذقية ومحافظات حلب، الرقة والحسكة، ومنها إلى مدينة الموصل العراقية. من الناحية الديموغرافية، يُشكِّل العرب السنة غالبية سكان المدينة وكان يبلغ عددهم 64 ألف نسمة، قبل إندلاع الحرب السورية.
ثانياً: الأهمية العسكرية
عدة عوامل تتعلق بالمدينة تجعل لها أهمية عسكرية حيث:
- تُعتبر من أهم معاقل تنظيم داعش الإرهابي حيث تربط مناطق سيطرته في شمال حلب بمحافظة الرقة والتي تُعتبر عاصمة التنظيم في سوريا، وتربطه أيضاً بدير الزور شرقًا، مما يجعلها حلقة الوصل العسكرية الإستراتيجية بين جميع مناطق التماس الحالية في سوريا.
- تؤثر السيطرة عليها في حسابات القيادة العسكرية التركية، مما سيجعل المسافة بين الحدود التركية وتنظيم داعش بين 30 – 35 كم.
- تحاول تركيا منع سيطرة تنظيم "بي كا كا" الكردي على مدينة الباب، والذي يسعى لوصل الجغرافيا العسكرية بين شرق الحدود السورية مع تركيا إلى مدينة عفرين المقابلة لولاية هطاي جنوبي تركيا، والتي تمتد لمئات الكيلومترات. مما يدفع الأتراك لإبعاد المنظمة الكردية عن مدينة الباب، من أجل بناء رادعٍ عسكري قبل تحوُّل المنظمة لتهديد أكبر.
ثالثاً: الهدف التركي
عدة أهداف يمكن ملاحظتها من خلال العملية وأهميتها، يسعى لها الطرف التركي نُشير لها فيما يلي:
- ذكرت تركيا والتي تدعم الجيش السوري الحر في عملية الباب، أن الهدف من المعركة هو طرد تنظيم داعش من المدينة، في حين لم تُخف نيتها القادمة بتحرير مدينة منبج غرب الفرات والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بهدف منع الأكراد من ربط المناطق الخاضعة لسيطرتها.
- تسعى تركيا لإيجاد جغرافيا آمنة داخل الحدود السورية، تُساهم في الحفاظ على أمن حدودها وإبعاد تنظيم داعش الإرهابي إلى مسافة تمنع سقوط صواريخه على أراض تركية حدودية مع سوريا. خصوصاً جراء التهديدات التي تتعرض لها تركيا، على الرغم من استمرارها في سياستها المزدوجة في التعاطي مع الإرهاب.
- تحاول تركيا استغلال المرحلة الإنتقالية الحالية في أمريكا، من أجل طرد الوحدات الكردية من منبج بهدف فرض نفسها كشريك وحيد على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في الحرب ضد تنظيم داعش في سوريا. وهو الأمر الذي تسعى لتحقيقه عوضاً عن القوات الكردية التي فرضت نفسها في المعركة وأصبحت على مقربة من سد الفرات والطبقة.
دلالات ما بعد التحليل
عدة دلالات يمكن استنتاجها:
أولاً: يبدو واضحاً أن مدينة الباب هي قاب قوسين أو أدنى من السقوط بيد الأتراك. في حين يمكن قول التالي:
- إن الآثار المترتبة على سيطرة الأتراك هي التي ستُصبح موضع النقاش. حيث أن سيطرة الأتراك على المدينة تعني استمرارهم بالزحف نحو هدفهم الأساسي وهو السيطرة على مدينة منبج.
- سيكون أمام الأتراك تحديات جديدة تتمثَّل في كيفية التعاطي مع الأطراف التي تعتبرها مرتزقة لها، تحديداً الجيش السوري الحر.
- يجري التساؤل عن تعاطيها المستقبلي مع أمريكا، خصوصاً بعد أن خرجت لتطلب الغطاء الجوي من التحالف أمس، وهو ما يجعل الأمور تتعلق بالتطورات المرتقبة مستقبلاً في حال حصول هذا الدعم أو عدمه.
ثانياً: برز واضحاً التناقض الأمريكي في التعاطي مع مسألة دعمها للأكراد. وهو ما جعلهم ضحية الأهداف التركية والبراغماتية الأمريكية. حيث من جهتها وعدت امريكا تركيا بدفع وحدات حماية الشعب الكردية للإنسحاب من منبج، في حين قامت من جهة أخرى، بإعطاء الأتراك الضوء الأخضر في عملية درع الفرات. وهو ما جعلهم ضحية السياسة الأمريكية.
إذن يبدو واضحاً أن الطرف التركي يحشد لمعركة ما بعد مدينة الباب. فهدفه الأساسي محاصرة الحلم الكردي في منبج. فيما يُعتبر قتال تنظيم داعش، أمراً فرضه الواقع الجيوسياسي والجيوعسكري على تركيا. لنقول إن معركة الباب، ستُلقي بنتائجها على الأطراف المعنية بالمعركة والتي تتعدى الجغرافيا السورية.
المصدر: الوقت