خلاصة ستة أعوام من الحرب على سوريا.. ماذا ربحت دمشق وماذا خسر أعداؤها؟ +صور
دمشق - تسنيم : دخلت الحرب الإرهابية على سوريا عامها السابع، بعد أن طوت ستة أعوام رافقها العديد من المتغيرات على كافة الأصعدة الميدانية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما هي أبرز المحطات والمتغيرات التي رافقت العام السادس للأزمة السورية وما هي الأوراق التي ربحتها سوريا وحلفاؤها وخسرتها الفصائل المسلحة وداعموها؟
أبرز ما حققته الدولة السورية في الميدان:
أبرز الإنجازات الميدانية للجيش السوري في العام 2016 تجلّت في تحرير النصف الشرقي من مدينة حلب، بعد أن رزح تحت ظلم المجموعات الإرهابية مدة تزيد عن أربع سنوات، لم يبقوا خلالها حجراً مستنداً على آخر، فبتاريخ 12-12-2016 أعلنت قيادة الجيش السوري تحرير كامل المدينة بعد القضاء على آلاف المسلحين المنتمين إلى جبهة النصرة وفصائل أخرى وطرد من تبقى منهم إلى مدينة إدلب مقابل تحرير أكثر من 2000 شخص من بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين بريف إدلب الشمالي.
تركيا التي تلقّت صفعة قوية بعد تحرير الجيش السوري لمدينة حلب، حاولت أن تحفظ ماء وجهها عبر تصريحات نارية حول عملية عسكرية هدفها إنشاء منطقة عازلة شمال سوريا، والتقدم لاحتلال مدينة الباب الاستراتيجية شرق حلب ومن ثمّ الانطلاق نحو مدينة "منبج" شرق الباب، وصولاً إلى مدينة الرقة، إلا أن التصريحات التركية لم تكن أقوى من الواقع الميداني الذي رسمه الجيش السوري في المنطقة الشمالية، والذي قطع الطريق على التقدم التركي بعد أن التف عليه من الجهة الشرقية وعقد مع الوحدات الكردية شبه اتفاق يقضي بتسليم النقاط الحدودية مع القوات المدعومة من تركيا إلى الجيش السوري، ليصطدم المشروع التركي عندها بالحائط ويبوء بالفشل.
ختام العام السادس من الأزمة تتوّج بتحرير مدينة تدمر الأثرية من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، هذه المدينة التي استعادها الجيش السوري بتاريخ 2-3-2016 تقع بريف حمص الشرقي، وتحوز على أهمية كبيرة، باعتبارها أعرق مدينة تاريخية في سوريا تضمّ العديد من الآثار والمتاحف التي كانت تستقطب الآلاف من السائحين قبل الأزمة، والتي دمّر التنظيم الإرهابي أجزاءً منها، كما أن موقعها الجغرافي، يجعلها تشكّل البوابة الرئيسية للانطلاق نحو المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية لسوريا وصولاً إلى الحدود العراقية حيث دير الزور والرقة المعقل الأول لداعش في البلاد.
إنجاز ميداني هامّ أيضاً يُحسب للدولة السورية وهو تحرير نبع الفيجة غرب دمشق، هذا النبع الذي أعاد الحياة لأكثر من 7 ملايين مواطن في العاصمة، احتلته المجموعات الإرهابية لأكثر من ثلاثة أعوام، عمدت فيها للضغط على الجيش والدولة السورية، عبر التهديد بقطع المياه أو تلويثها كما فعلت عدة مرات.
نبع الفيجة حررته وحدات الاقتحام في الجيش السوري بتاريخ 28-1-2016 بعد أن قضت على العديد من عناصر جبهة النصرة، وفرضت في النهاية تسوية قضت بإرسال أكثر من 1000 مسلّح إلى إدلب وبسط سيطرة الجيش على المنطقة بالكامل ورفع العلم السوري على منشأة نبع الفيجة؛ شريان الحياة لجميع سكان العاصمة.
ملف التسويات والمصالحات:
ملف هام جداً برز في العام 2016 هو ملف المصالحات والتسويات، وهو ما عملت عليه وزارة المصالحة السورية التي أنشئت خلال الأزمة السورية، وأحد أهم مهامها العمل على إتمام مصالحات في المناطق التي تحوي نزاعات ليقوم المسلحون بتسليم أنفسهم وأسلحتهم والمناطق التي يحتلونها للدولة السورية من دون قتال ومن لا يرغب بتسليم نفسه فيمكنه التوجه إلى مدينة إدلب التي أصبحت المعقل الأول للمجموعات المسلحة في سوريا.
أهم التسويات التي أنجزت خلال العام السادس من الأزمة السورية، تسوية "داريا" غرب دمشق، حيث خرج فيها ما لا يقل عن 4000 مسلح مع عائلاتهم إلى مدينة إدلب، بعد أن سلمّوا المدينة للدولة السورية لتتبعها بلدتا "خان الشيح" و"المعضمية" المجاورتين من الناحية الجنوبية وبالتالي انتهى مسلسل القذائف الصاروخية التي كانت تطلق على العاصمة بين الحين والآخر من المنطقة الغربية والجنوبية لدمشق بعد أن أصبحت آمنة بشكل كامل.
أبرز الإنجازات على الصعيد السياسي:
أما على الصعيد السياسي، فقد انعكس تقدّم الجيش السوري في الميدان على الساحة السياسية وأصبحت الدولة السورية تمتلك من الأوراق السياسية ما يجعلها قوية في جميع المحافل التي تناقش حلاً للأزمة السورية، فرغم حضور مندوبي الفصائل المسلحة إلى جانب المعارضات السياسية في مباحثات "أستانا" الأولى والثانية وفي مؤتمر جنيف4، إلا أن الوفد السوري استطاع أن يجبر أطراف المعارضة كافة على قبول بند "مكافحة الإرهاب" كبند لا يقل أهمية عن البنود الثلاثة الأخرى وهي "الحكم – الدستور – الانتخابات"، وهذا لم يكن ليحصل لولا القوة السياسية التي باتت الدولة السورية تتمتع بها بعد انتصارات الميدان.
الخطاب السياسي السوري زاد قوّة بوجود محور المقاومة المتمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله والمقاومة العراقية والأصدقاء الروس الذين ساندوا الدولة السورية على مدى ست سنوات في مواجهة الحلف المعادي المتمثل بالفصائل الإرهابية ومن ورائهم الداعم الأكبر لهم الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية والغربية وعلى رأسهم السعودية وقطر وتركيا، وخير دليل على انتصار حلف المقاومة ما صرح عنه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير الذي أكد فيه أن "كل القوى الإقليمية والدولية التي تآمرت على سوريا لم تجن بعد ست سنوات من الحرب الإرهابية عليها سوى الخيبة والفشل" وأضاف أن "سوريا انتصرت على مخطط التسلط والهيمنة وأن التنظيمات الإرهابية أصبحت في زوال والمسألة مسألة وقت"
في المقابل لم تعد تملك الدول المعادية لسوريا إلا أوراقاً سياسية ضعيفة، تلوّح بها كلما تعرضت لنكسة أو صفعة من قبل الجيش والحكومة السورية، فباتت ورقة معاناة اللاجئين أوانتهاكات حقوق الإنسان أو اللعب على عواطف الجماهير، هي الورقة الوحيدة في أيدي المعارضة، تستخدمها بعد كل عملية عسكرية للجيش السوري ضد المجموعات الإرهابية التي ينتمي معظمها إما لداعش أو جبهة النصرة أو الفصائل المرتبطة بها، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي نتج عن اجتماع "أستانا" الأول، والذي أتاح للجيش السوري أن يقوم بعمليات عسكرية ضدّ داعش والنصرة كونهما غير مشمولين بالاتفاق.
حدث سياسي لافت تميّز به العام السادس للأزمة السورية، وهو العدد الكبير من الوفود البرلمانية الغربية التي زارت دمشق والتقت بالرئيس السوري بشار الأسد وأعربت عن تضامنها مع دمشق ضد ما تتعرض له من إرهاب، وأكدت على نقل الصورة الحقيقية إلى مجتمعاتها الجاهلة بالحقيقة التي تحدث في سوريا، والجدير بالذكر أن العديد من حكومات تلك الوفود تتخذ موقفاً معادٍ من الحكومة السورية وسياستها، كالوفد الفرنسي والتركي والبلجيكي وغيرها.
الصعيد الاقتصادي:
على الصعيد الاقتصادي، تعرّض الاقتصاد السوري خلال ست سنوات لنكسات كبيرة بفعل الإرهاب، انعكست سلباً على الحياة المعيشية للمواطن السوري، الذي بات يعاني من التضخّم الكبير في الأسعار ليصل إلى عشرة أضعاف ما كان عليه قبل بدء الأزمة، فبعد أن كان سعر صرف الدولار الواحد مقابل الليرة السورية يعادل 45 ليرة سورية، وصل اليوم إلى 540 ليرة، إضافة إلى تراجع الصادرات وزيادة النفقات والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها بعض الدول على سوريا، كل ذلك أسهم في ضعضعة الاقتصاد السوري.
تشير الإحصائيات إلى أن الخسائر التي تعرضت لها سوريا في القطاع الاقتصادي وتدمير البنى التحتية خلال السنوات الست، تُقدّر بنحو 300 مليار دولار، ما يشكّل عبئاً وتحدياً أمام الحكومة السورية لإعادة تفعيل الاقتصاد من خلال الخطط والمشاريع، وهذا ما بدأت به الحكومة بالفعل بعد رصد موازنة ضخمة للعام 2017، ستصرف لإعادة إعمار المناطق التي تضررت بفعل الإرهاب، إضافة إلى افتتاح مشاريع اقتصادية واستثمارات مع عدد من الدول الحليفة والصديقة.
في مقايسة بين العامين 2011 و 2016 ، يتّضح أن سوريا تغيرت بين بداية الحرب عليها وبين ما نحن عليه الآن في العديد من المفاصل والعناوين الأساسية منها:
تأثير الإعلام المعادي:
عاش السوريون في بداية العام 2011 حرباً إعلامية غير مسبوقة كانت أشرس عليهم من الحرب التي تدور في الميدان، فقد أثرت الأخبار التي كانت تبثها بعض القنوات المعادية على معنويات العديد من السوريين، الذين لم يعتادوا على هذا النوع من الحرب، بالتوازي مع ضعفٍ في إمكانيات الإعلام السوري الرسمي رغم الجهد الكبير الذي بذله في بداية الحرب.
قنوات عربية خليجية وعالمية بتجهيزات ضخمة وميزانيات مالية هائلة، عملت منذ بداية العام 2011 ليل نهار لإسقاط العاصمة السورية دمشق وبقية المدن إعلامياً وفبركة الأحداث للنيل من عزيمة ومعنويات الشعب السوري، إلا السوريين فهموا شيئاً فشيئاً لعبة الإعلام القذرة، حتى وصلوا في العام 2016 وقد اكتسبوا المناعة اللازمة تجاه أي خبر مسموم قد تبثه القنوات المعادية، ليصبح مفعول تلك القنوات صفراً وتفقد أي تأثير لها على معنويات الشعب السوري.
الحالة الأمنية في البلاد:
فرق كبير من حيث السيطرة على الحالة الأمنية في سوريا بين العامين 2011 وبداية 2017، فمنذ ست سنوات شهدت المدن السورية بمعظمها خروقات أمنية كبيرة، تمثلت بعمليات الاغتيالات والتصفية لشخصيات سياسية وعسكرية ودينية، إضافة إلى تخريب المؤسسات والمنشآت الحكومية، كما شهدت الأعوام الأولى للحرب على سوريا العديد من التفجيرات الإرهابية التي شكّلت مصدر الرعب الأول للسوريين وخاصة سكان العاصمة دمشق.
أما اليوم عادت الدولة السورية لتمسك بحزم زمام الأمور، وتفرض النظم على جميع السوريين وتعاقب المخالف وفقاً للقانون، كما فرضت الدولة وجودها من خلال نقاط التفتيش المنتشرة في معظم المدن السورية، والتي وإن تسببت ببعض الازدحام في الشوارع، إلا أنها أعطت نتيجة فعالة في بسط السيطرة وإنقاذ المدن السورية من أي تفجير إرهابي يمكن أن يطالها.
اللجوء والسفر خارج سوريا:
شهد العام 2011 تهافت آلاف السوريين من معظم المدن، للحصول على جوازات السفر، للفرار خارج البلاد، حيث كان يظنّ الكثيرون أن سوريا لم تعد قابلة للعيش في ظل الحرب وأن اللجوء إلى أحد البلدان الأوروبية هو السبيل الوحيد للحياة، وبالفعل ترك مئات الآلاف بلدهم.
ظاهرة اللجوء التي شهدها العام الأول للحرب على سوريا، توقفت مع بداية العام 2016، بل بدأ بعض من هجر بلاده بالعودة إليها لأن معاملة اللاجئين السوريين في العديد من دول العالم لم تكن كما في عقول من ذهبوا إليها، بل إن سوء المعاملة هناك دفعهم للعودة إلى أوطانهم وهذا مؤشر على أن الحياة في سوريا تعود شيئاً فشيئاً إلى ما كانت عليه قبل بدء الأزمة.
الاعتراف بمحاربة الجيش السوري للإرهاب:
مفارقة كبيرة بين بداية الحرب على سوريا وبين ما نعيشه اليوم، من حيث اعتراف دول العالم بأن الجيش السوري يواجه الإرهاب، فكل التصريحات والخطابات التي كانت تصدر عن الرؤساء والسياسيين في العالم كانت تصرّ على أن الجيش السوري يقاتل شعباً أعزل خرج للمطالبة بحقوقه، في حين كانت الدولة السورية تصرّ على أنها تقاتل عصابات مسلحة مدعومة من قوى خارجية.
جميع الدول التي اتهمت الجيش السوري في بداية العام 2011 بانه يقاتل شعباً أعزل بما فيها أمريكا، أُجبرت مع بداية العام 2016 على الاعتراف بأن الجيش السوري يحارب مجموعات إرهابية، وهذا يحسب إنجازاً للدولة السورية وخسارة كبيرة للمعارضات التي سعت جاهدة لاستثارة عواطف الجماهير من خلال تشويه سمعة الجيش السوري واتهامه بالقتل والتعذيب ارتكاب الانتهاكات.
بالمجمل، فإن من يجري مقارنة بسيطة بين الأوضاع الميدانية والسياسية والاقتصادية في سوريا في العام 2011 وبين الأوضاع في العام 2017، يدرك تماماً أن سوريا تجاوزت الكثير من المخاطر والمحن ودخلت في طور الشفاء والمعافاة من النكسات التي تعرضت لها في بداية أزمتها، ويبقى الأمل لدى السوريين أن تعود بلادهم قريباً أفضل مما كانت عليه قبل ست سنوات.
/انتهى/