قراءة حول أبعاد الضربة الاميركية لمطار الشعيرات السوري

لم تنتظر الادارة الاميركية ما قد ينتج عن مجلس الامن أو عن مؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة ما طالبت فيه أساسا بتشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق حول تعرض بلدة خان شيخون لغازات كيماوية سامة من النوع المحرم دولياً، فسارعت الى استهداف مطار الشعيرات شرق حمص بعشرات من صواريخ توماهوك الاستراتيجية، بعد أن اطلقتها من بوارجها الحربية في المتوسط.

أسباب التسارع بتنفيذ الضربة الصاروخية:
اولاً: هذا التسارع الاميركي في تنفيذ الضربة الصاروخية بدا وكأنه سباق مع جملة معطيات بدأت تفرض نفسها في هذا الموضوع وأهمها: ما تداوله الاعلام الاميركي وعبر أكثر من صحيفة ووسيلة معروفة عن شهود عيان سوريين من المنطقة المنكوبة في خان شيخون، والتي أجمعت على حصول انفجار في المبنى المستهدف نتيجة تعرضه لصاروخ من الجو، ولتظهر بعد ذلك بقليل غمامة الدخان التي تنتج عن انفجار مستوعبات الغازات السامة، الامر الذي يستبعد بالكامل خصوصية وطريقة الاستهداف بسلاح كيميائي، والتي تستدعي تقنياً وعسكرياً ان يتم الانفجار عبر شهاب مؤقت ينفجر فوق مستوى سطح الأرض بمسافة لا تقل عن المئة متر، وذلك لتلافي الاطلاق غير الفعال لهذا النوع من السلاح والذي سوف يحصل حتماً في حال انفجر الصاروخ المحمل بالغازات السامة مباشرة على الهدف .

ثانيا: ان أي تحقيق علمي من قبل لجنة تقصي حقائق دولية محايدة، والتي سوف تعمل من منطلق واسع، سيشمل حتما إجراء معاينة حسية للمكان المستهدف، حيث سيظهر لها بالتأكيد من طبيعة الانفجار وانتشار المواد السامة، حصول ذلك نتيجة صاروخ محمل بهذه المواد أو نتيجة انفجار مستوعبات لهذه المواد موجودة في المكان المستهدف، وسيشمل أيضا هذا التحقيق اجراء معاينة شاملة ودقيقة للمطار الذي أجمع الجميع عن انطلاق الطائرة منه، والتي تزامن قصفها العادي ضمن التغطية الجوية اليومية والروتينية للبقعة التي حدث فيها الانفجار الكيميائي، وسيشمل معاينة كافة مخازن القاعدة الجوية والتي سيظهر لها بالتأكيد صحة او عدم صحة وجود صواريخ او قنابل محملة بالاسلحة الكيميائية، الأمر الذي لا يمكن طمس آثاره او اخفائها نظرا لتعذر ذلك من الناحية العلمية، فجاءت الضربة الصاروخية للمطار وللمخازن ولحظائر القاذفات فيه لتعدم اية امكانية للتوصل لهذه المعطيات العلمية التي تحتاجها اية لجنة تحقيق وتقصٍّ للحقائق.

 الاهداف الحقيقية للضربة  
جاءت هذه الضربة الصاروخية وبهذه السرعة لتحقيق الاهداف التالية :
- أولا: لحسابات داخلية اميركية لها علاقة بموقف الرئيس الاميركي والانتقادات الواسعة له والتي طالت تأرجحه في قراراته التي طبعت حملته الانتخابية مع ما ظهر فيها من تناقض في سياسته حول الارهاب وما إستطاع تنفيذه حتى الان بالرغم من ادعاءاته بعكس ذلك.

- ثانياً: لحسابات عسكرية وميدانية، فاختيار مطار الشعيرات والانشط في عملياته الجوية بمواجهة داعش في الشرق السوري، جاء لانتزاع النقطة الحيوية الاستراتيجية من الجيش العربي السوري الذي يضغط منها  شرقا، والذي اصبح يشكل بتقدمه من جنوب شرق حلب ومن شرق تدمر خطرا مهما على داعش، وحيث عجزت كافة الوحدات المدعومة من الاميركيين عن تحقيق اي تقدم فعلي او اي تأثير استراتيجي على داعش في محيط الرقة، بالرغم من مساندة هؤلاء بأكثر من انزال مباشر، رأت الادارة الاميركية ضرورة تنفيذ ضربة صاروخية على هذا المطار لتأخير تقدم الجيش العربي السوري ريثما تجد حلا لعجز ولاخفاق من تدعمه للحلول مكان داعش ومسابقة الجيش العربي السوري في ذلك .

- ثالثا: لا يمكن ابعاد التأثير الاسرائيلي ومصالحه في استهداف مطار الشعيرات ومحيطه، والذي يحضن المنظومة الصاروخية التي لاحقت القاذفات الاسرائيلية مؤخراً، والتي منها انطلقت صواريخ استراتيجية هددت العمق الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، الامر الذي يخدم طبعا المناورة الاسرائيلية في استغلال موضوع الغازات السامة في خان شيخون لاستهداف نقطة عسكرية استراتيجية سورية، صعب عليها مواجهتها في ظل موقف روسي كان صلبا في منعها من استهدافها بطريقة واسعة.

من هنا يمكن تحديد الابعاد الحقيقية لهذه الضربة الصاروخية الاميركية للقاعدة الجوية السورية في الشعيرات، ولما عملت على طمسه وإخفائه من أدلة ممكن ان تبرر الدولة السورية، أو لما استهدفته حقيقة وما  رمت اليه من اهداف من وراء هذه الضربة الصاروخية .

شارل أبي نادر - عميد متقاعد

المصدر: العهد

/انتهي/