الفوعة وكفريا.. عندما تُقبّل الأمّ أٌقدام أبنائها وتقلّب أخرى جثث الأطفال بحثاً عن طفلها +فيديو


حمص - تسنيم: "أرقامٌ على الجدران"، أصبحتْ عناوينَ المنازلِ التي ضمتْ أهالي الفوعة وكفريا، الواصلين إلى منطقة "حَسياء" شرق حمص، أطفالٌ ونساءٌ وعجائز ما كانوا ليتركوا منازلهم لولا جحيمُ الموت والصواريخ الذي رافقهم طيلةَ فترةِ الحصار.

عناق بعد طول فراق، ودموع غزيرة ذرفها الأهالي هنا لحظة لقائهم بالأهل والأحبة، وهذه الأمّ الموجوعة التي نذرت لربها أن تُقبّل الأرض من تحت أقدام أبنائها، إنْ هي تمكنت من رؤيتهم سالمين بعد عامين من الحصار.

تحمد الأم الله أنها استطاعت رؤية أبنائها سالمين بعد عامين ونصف، متحسرة على أشلاء الشهداء الذين قضوا في التفجير الإرهابي"

تدعوا الأم المفجوعة ربها بهذه الكلمات: "الحمد لله أني استطعت رؤيتكم سالمين يا أحبائي، لا يمكن أن أصف ما حدث بي عندما رأيت الأشلاء على الأرض، وأسألك يا الله أن تصبر قلوب المفجوعين وأن ترحم الشهداء، وأن تأخذ حقنا من الظالمين، فلا نتنجس بهم، بل نسألك يا رب أن تأخذ لنا حقنا منهم."

تضيف الأم: "لك الحمد والشكر يا رب في كل لحظة وكل دقيقة، ويا رب صبّر قلوب الأمهات التي فقدت أبناءها في التفجير، وصبّر قلب ابنتي ميساء أم الشهيدين، يا أسفاه على تلك الشباب الورود التي استشهدت في هذا التفجير".

 

بعض الأهالي في هذا المركز لم يجدوا مكاناً مناسباً لهم، فباتوا ليلتَهم في الخيام ينتظرون من قبل المعنيين تأمين السكن اللائق بهم، لتكون إرادة الحياة التي يملكها أهالي الفوعة وكفريا، أقوى من كل الآلام التي واجهتهم، فالشهداءُ أصبحوا مصدر عز وفخر والحصار بات في نظرهم امتحاناً اختص اللهُ به أولياءه.

تقول إحدى الأمهات التي استشهد ابنها أثناء دفاعه عن البلدتين: "أنا أم لشهيد وأخت لشهيدين، وأفتخر بشهادتهم وأرفع رأسي بها، وقد خرجت من قريتي مرفوعة الرأس بشهادتهم، لأنهم دافعوا عن أعراضهم وعن شرفهم، ونحن بقينا في بلداتنا صابرين صامدين حتى آخر لحظة، لأننا نحن أصحاب القضية وأصحاب الأرض، ونعلم أننا منصورون بإذن رب العالمين".

تتابع الأم: "في طريقنا إلى هنا شعرت بالأسف الكبير لوجود هؤلاء الغرباء (المسلحين) الحشرات على أرض سوريا الحبيبة والغالية على قلوبنا".

تسأل المراسلة: "كيف عاملكم المسلحون؟" تجيب الأم: "عاملونا بقسوة وتمنينا لو لم نرى وجوههم، وبإذن الله ستكون سوريا مقبرة لهم، وستتطهر منهم، لأن سوريا غاليا علينا وعشنا في أحضانها أجمل أيام حياتنا وربينا أطفالنا فيها وعاش أجدادنا على أرضها، فلن يكون دم أبنائنا غالياً عليها".

تقول أم الشهيد: "أثناء وجودي في قريتي، كنت أحمد الله في كل لحظة وكل دقيقة على هذا الحصار، لأنني أعتبره نعمة كي يمتحن الله فيه صبرنا، وأنا أوجه من هنا تحية كبيرة للسيد حسن نصر الله وأقول له أني أحترمه وأقدره وقد سميت ابني نصر الله على اسمك، والله قد نصره واختاره شهيداً وأنا أرفع رأسي بشهادته وأعتبرها تاجاً على رأسي ولم أحزن عليه في حياتي وأتمنى أن أختم حياتي أيضاً بالشهادة".

الأمهات المفجوعاتُ بفقدِ أبنائهن نتيجة التفجير الإرهابي الذي ضرب الحافلات، لم يستطعن حبس الدموع وهنّ يروين لنا ما حدث معهم.

تقول الأم التي فقدت ابنها لمراسلة تسنيم: "لقد وقفنا بالباصات وحولنا المسلحون، وكانوا يتجولون بيننا كيفما تحركنا، هل يُعقل أن نبقى بينهم يومين وفوق هذا نمنا في الباصات بينهم، وكانوا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء بنا".

تضيف الأم: "أنا حتى الآن لا أعلم أي خبر عن ولدي، وعندما وصلنا إلى منطقة "جبرين" بدأت كل الناس بالاحتفال وأنا كنت أركض أبحث عن خبر عن ابني، البكاء الذي بكيته لم يذرفه إنسان، وحتى إذا رأيت والده فقد بكى أكثر مني، عندما حصل التفجير كان والده إلى جانب الباصات، رأى أمامه جثثاً ممزقة، وعندما استفاق من الصدمة، وجد على الأرض قرآناً صغيراً فظل طوال الوقت يحمل القرآن بيده ويصرخ منادياً يا "ليث" (ابنه)".

تقول الأم بحسرة: "أقسم لك أننا قلبنا الجثث واحدة تلو الأخرى، تخيلي أنك ترين جثة طفل أمامك وتقولين عن كل جثة: "يا رب أرجو ألا يكون هذا ولدي" أطلب من الله أن يرده لي سالماً وأطلب من كل الناس أن يدعوا لي".

دافعوا عن أعراضهم وصبروا وضحوا حتى روت دماء شهدائهم كل ذرة تراب في أرضهم، ليخرجوا اليوم لا شيء معهم إلا حقيبة ذكرياتهم وآلامهم، التي لن يتسع لها هذا المكان.

/انتهى/