كيف كانت الاجواء في كربلاء خلال الانتفاضة الشعبانية؟
في شعبان من كل عام يستذكر العراقيون الانتفاضة الشعبانية المجيدة بوجه البعث البائد، الانتفاضة التي لم تاخذ حقها اعلاميا بسبب تعتيم النظام عليها، ومنعه الحديث حيالها، وهذا ما دفعنا لاعادة فتح ملفها.
في عام 1991 بعد انكسار الجيش العراقي في الكويت، واضطراره للانسحاب أمام ضربات التحالف الدولي، انفجر غضب الشعب العراقي، بعد ان أدخله المقبور صدام في حربين خاسرتين، الاولى من خلال اعتدائه على إيران ومحاولة احتلالها إبان قيام الثورة الإسلامية في إيران، حيث صدام ظن أن الارتباك الحاصل في إيران سيضمن له تحقيق انتصار سريع على هذا البلد.
وبعد ان حصل صدام على ضوء اخضر أمريكي، هاجم الكويت ليحتلها، ثم انقلب عليه الأمريكان، وشكلوا تحالفا دوليا لتحرير الكويت، وهو ما عرض الجيش العراقي لخسارة أخرى أثارت سخط الشعب، الذي انتفض بوجه صدام وأعلن الثورة.
الانتفاضة الشعبانية امتدت من جنوب العراق الى شماله، ولم يتمكن النظام من قمعها إلا بعد ان استعان بالطيران الحربي، السلاح المحرم دوليا والقمع المفرط، ولم تأخذ الانتفاضة الشعبانية حقها في الاعلام، بعد أن قمعها النظام الصدامي عام 1991، ومنع الحديث عنها حتى سقوطه في عام 2003، ومن ثم خاضت البلاد في دوامة العنف مما دفع الانتفاضة الشعبانية الى الهامش، فلم تكن الجهود التي بذلت لاحياء تاريخها موفقة، وفي هذا الصدد انبرت تسنيم لاعادة فتح ملف الانتفاضة الشعبانية بحوار مع مدير قسم المتحف في العتبة الحسينية المقدسة، السيد علاء ضياء الدين.
تسنيم: كيف ومتى انطلقت الانتفاضة الشعبانية؟
السيد علاء ضياء الدين: الانتفاضة الشعبانية حدثت في عام 1991 بعد انسحاب وتدمير القوات المسلحة العراقية في منطقة الكويت، وبالتالي بعد هذا الانسحاب كان الشعب يحمل مرارة كبيرة، ومعاناة كبيرة من النظام الصدامي اللعين ولذلك انفجر الشعب حين فسحت له بعض المجال أو بعض الحرية في انهيار النظام الصدامي، فانتفض الشعب من شمال العراق الى جنوبه أو من جنوب العراق الى شماله، وكان هذا في شعبان في عام 1991 بعد انهيار والقصف المستمر لمدة تقريبا 40 يوما على العراق من شماله الى جنوبه للقضاء على اللعين صدام، وكانت من أفضل وأشرف انتفاضات العراق التي مرت في تاريخ العراق القديم والحديث، كون هذه الانتفاضة شعبية صرفة بحتة غير مسيسة غير مدعومة، نابعة عن رغبة الشعب في التخلص من هذا المجرم اللعين الذي مكث على صدور العراقيين لفترة طويلة جدا من الزمن وقد عانى الشعب ما عانى من هذا الملعون، فلذلك كان هذا الانفجار، والانفجار الشعبي الكبير في عام 1991.
تسنيم: كيف كانت الأجواء في كربلاء قبل دخول القوات البعثية الى المدينة؟
السيد علاء ضياء الدين: الشرارة كانت قد اشتعلت في كل أنحاء العراق، البعض يقول في البصرة، البعض يقول في النجف الأشرف، البعض يقول في كربلاء، ولكن الشرارة الأولى كانت في قلوب العراقيين جميعا وخصوصا في المحافظات الجنوبية، ولكن في كربلاء استمرت الانتفاضة والمقاومة 15 يوما أو 16 يوما، وهذا الموضوع يختلف عن بقية المحافظات، سقطت بقية المحافظات في يوم أو يومين، ولكن كانت كربلاء تقاوم لمدة 15 أو 16 يوما مقاومة باسلة شرسة، عنيدة متمكنة ومن دون أي دعم، من دون أي دعم استمرت هذه المقاومة واستمر هذا الدفاع عن المقدسات، واستمر الدفاع عن العتبات المقدسة، العتبة الحسينية والعتبة العباسية، وحقيقة الكثير من شباب كربلاء ذهبوا شهداء في هذه الانتفاضة المباركة، وهناك قصص في الانتفاضة الشعبانية لم تأخذ حقها في التوثيق والتاريخ، هناك قصص بطولية رائعة وجميلة جدا سطرها شباب كربلاء وبدون أي دعم خارجي، بدون أي دعم خارجي، أنا أؤكد أن في كربلاء كانت المقاومة ومن دون أي دعم خارجي بل بالعكس، كان هناك من يرغب في المشاركة والدعم ولكن الظروف السياسية منعت وحدت هذا التدخل ولذلك كان في كربلاء انتفاضة خالصة، انتفاضة كبيرة، مقاومة كبيرة، حقيقة أنا أتذكر في اليوم الأخير دخلت القوات الأمنية والجيش وقوات الأمن الملعون الى كربلاء وكان الطريق من باب العباس (س) الى طريق كربلاء بغداد مليء بالدبابات والمدرعات المحروقة والمتناثرة، حيث خرجنا في هذا اليوم، اليوم الاخير بشكل متعرج، لأنهم سطروا أروع البطولات في منطقة باب بغداد، سطروا أروع البطولات في حي الحسين (ع) أروع البطولات في منافذ كربلاء في طريق النجف، أحياء كربلاء قاومت بشكل كبير، وتحملت القصف المدفعي الكبير، حقيقة حين وصلنا الى منطقة عون، مفرق عون-الحر، وجدنا تلول من كبيرة من عبوات فارغة للمدفعية التي اطلقت على مدينة كربلاء، والبعض يقول كنا نتوقع اننا لن نجد شيئا في كربلاء، سنجد انها ارض خالية نتيجة لكثافة القصف المدفعي وكثافة الاطلاقات التي طلقت على كربلاء، وكان تحدٍ ولكن كان هناك راعٍ لهذه المدينة ومحافظ لهذه المدينة ألا وهو سيدي ومولاي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (س) ولذلك كانت اعجوبة لدى القوات التي دخلت الى كربلاء وجدت أن نسبة الخراب كبيرة، ولكنها غير المتوقع، كانوا يتوقعون أن يجدوها أرض خالية نتيجة القصف المدفعي المبالغ به.
كم عدد الشهداء الذين سقطوا خلال الانتفاضة؟
السيد علاء ضياء الدين: هذه احدى مظلوميات الانتفاضة الشعبانية، يعني لم يجرى جرد أو إحصائية لهؤلاء الضحايا، لكن فقط أقول لك أن الشوارع كانت مليئة بهذه الجثث، جثث الشهداء، أطفال ونساء وحالات صعبة جدا، في كربلاء في وقتها، كان التجئ إليها من كل محافظات العراق قبل الثورة او الانتفاضة الشعبانية بسبب كون هذه المدينة آمنة ولم تتعرض الى القصف فالكثير من عوائل بغداد، الكثير من عوائل المحافظات الأخرى لجئت الى كربلاء، ولذلك كان في كربلاء كم كبير من اللاجئين ومن أهالي المدينة ومن المحافظات الأخرى، ولذلك كانت الضحايا بشكل كبير، من النساء، الأطفال، نتيجة استخدام حتى الأسلحة الكيماوية، استخدمت في الانتفاضة الشعبانية، بعد أن انتهى الجيش العراقي، انتهت القوات المسلحة، أعادت أمريكا ضمانات كبيرة لصدام حسين بالطيران وإعادة ضرب العراقيين وإلا انتهت القوات العراقية، انتهت القوات العراقية ولم يكن هناك ردة فعل، ولكن هي مأساة العراق، ونحن ندفع ثمن ما حصل لنا طوال هذه السنوات من 1991 وإلى يومنا هذا، التخلف السياسي، التخلف الاقتصادي، ندفع الثمن نتيجة الانتفاضة الشعبانية المباركة، لأن في عام 1991 انتهى كل شيء، ولكن كانت رؤية السياسة العالمية أنه بقى أيام معدودة في حياة الملعون صدام حسين، لا بد من أن يعود ويدمر العراق مرة ثانية بشكل أو آخر عن طريق الحصار، عن طريق الاعدامات، عن طريق السجون، عن طريق قتل الروح الوطنية في العراقيين، كانت هذه المهمة في اعتقادي القاصر، كانت هذه من أهم المهمات التي كان يبتغيها المجتمع الدولي، قتل الروح الوطنية في العراق، كان في عام 1991 كان هناك روح وطنية على الرغم من المآسي التي واجهها الشعب العراقي ولكن كان هناك روح وطنية عالية، لو في ذلك الوقت بدأت ببناء العراق، لكان العراق من البلدان المتقدمة والمتطورة جدا، ولكن حرصوا على تدمير العراق بسنوات أخرى، عن طريق نفس العميل، ونفس المجرم، فأعادوا له الحياة بعد ان انتهى، اعادوا له الحياة بالسماح للطيران العراقي بالطيران في الأجواء، وفي وقت الحرب سمحوا له بالطيران مرة أخرى لقصف المدنيين، وقصف المدن العراقيية، وقصف كربلاء، كانت الطائرات العراقية تحلق والحرب غير منتهية، غير منتهية، كان هناك مفاوضات مع أمريكا في حرب الكويت، وسمحوا للطيران العراقي أن يحلق مرة أخرى كي يقضي على الانتفاضة الشعبانية لأنها خارج أجنداتهم، خارج توقيتاتهم، خارج ما أعدوا له، لذلك كانت الرغبة في قتل الانتفاضة الشعبانية، وقتل الوطنية العراقية وقتل الهوية العراقية من خلال منح صدام حسين فرصة أخرى لتدمير العراق من جديد في سبيل الاستمرار، وما نعيشه اليوم هو حقيقة من 1991 لغاية 2003 كانت هذه التجارب والاختبارات على الشعب العراقي لقتل الروحية العراقية، قتل المواطن العراقي، قتل الوطنية، قتل نفسية المواطن العراقي، في هذه الفترة من 1991 الى 2003. هذا ما ولد النتائج التي نعيشها اليوم، ومأساة العراق من التخلف والفساد الإداري وهذه السنوات ولدت هذه الأمراض الموجودة عند الشعب العراق.
وتابع:وإلا لو كان الأمر مستتب في عام 91، ونجحت الانتفاضة الشعبانية التي قد نجحت فعلا، نجحت الانتفاضة الشعبانية بشكل كبير ولكن رغبة السياسات الدولية وأمريكا كانت رغبتها باتجاه آخر في عدم مسك الشعب للسلطة أو مسك الشعب الحقيقي أو مسك الأغلبية للسلطة، أو مسك الشعب الحقيقي أو مسك الأغلبية للسلطة، أو بصراحة نقول مسك الشيعة للسلطة في ذلك الوقت يأتي مخالف لرغبات المنطقة والقوات المعتدية على العراق بشكل أعم، ولذلك كان هناك دعم آخر لقوات الصدامية لقتل الانتفاضة الشعبانية، أما الانتفاضة الشعبانية هي من روائع ما قدمه العراق في تاريخه النضالي، من روائع ما قدمه الشعب العراقي في الغيرة والوطنية والعقيدة والنضال بعد أن كان متوقع أن الشعب العراقي انتهى نتيجة الظلم الصدامي والاضطهاد الصدامي فاجئهم العراق بالانتفاضة الشعبانية وأيضا فاجئهم العراق مرة ثانية بنداء المرجعية حول الحشد الشعبي، فاجئ العالم مرة أخرى، حيث أن كل دراساتهم وبحوثهم تعتقد أن الشعب العراقي قد انتهى وفقد كل المعايير الوطنية والإنسانية ولكن تفاجؤوا بنداء المرجعية والحياة المتجددة للشعب العراقي من خلال تلبية النداء وهذا الحشد المبارك وإعادة تحرير العراق بعد أن راهنوا على انهيار العراق. لذلك الانتفاضة الشعبانية مهمة ومهمة جدا في حياة العراقيين وقد فقد العراقيين الكثير من العوائل والشباب، فقد الكثير، والعتبات خير شاهد على اجرام ووحشية النظام وما ارتكبه من جرائم كبيرة.
وللحديث تتمة..