خاص تسنيم // الكتب الورقية رهين إلكتروني لزر "التنزيل"

قلما نجد اليوم أشخاصاً يهتمون باقتناء الكتاب الورقي، ويسعون للحصول على عنوان معين لكتاب لطالما بحثوا عنه ليضيفوه إلى مكتبتهم من باب إغناء محتواها.

خاص-تسنيم|| بقلم:رماح اسماعيل كناشر للكتب الورقية في عصر الفوضى الالكترونية اليوم، بات من الصعب جداً تصريف النسخ المطبوعة في مدى قصير، بل أصبحت عدة نسخ تحتاج إلى أشهر كي تباع في المكتبات والمعارض.

وكناشر أيضاً لطالما يراوده سؤال عن سبب هذا التجاهل للمحتوى الثقافي الورقي الملموس الذي يزداد ولا ينقص رغم محاولات من هم في الوسط الثقافي لإعادة البوصلة نحو اتجاهها الصحيح، الأسباب بحسب من التقيتهم كانت كثيرة لكن السؤال الأبرز الذي كان يباغتني به من يود الاطلاع على محتوى كتابي المطبوع:

ألا يوجد نسخة إلكترونية؟

أجل يوجد، لكن بالمقابل هناك أيضاً نسخة ورقية لعل صوت صفحاتها وهي تقلب ستزيد من أهميتها في نفس القارئ، فحالة الاتصال المباشر مع الكلمة أعمق بكثير من الاتصال المرئي معها من خلف الشاشات الصغيرة، حالها كحال أي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي قد لا يضر ولا ينفع، وهنا تقع الفاجعة الثقافية، حين ترى أن منشوراً لهستيريا تجوب بلدان العالم كرقصة "كيكي" أو التقاط صور "السيلفي" من أماكن شاهقة قد يحصد اهتمام الملايين، وفي جانب آخر عباراتك الأدبية قد يقف عندها كحد أقصى عشرات الأشخاص، تسأل نفسك حينها...

ترى إلى أين يسير هذا العالم إذا استمرت الأدمغة بهذا النهج؟!

اهتمام خلبي

لا يغرنك الأعداد الكثيفة للأشخاص الذين يرتادون معارض الكتب حين تقام بشكل دوري في مدنهم، لن نعمم لكن على الأقل قد تكون رؤيتي صحيحة على مستوى البلدان العربية، فأغلب الذين يتوقون لزيارة معارض الكتب يزورونها بدافع التقاط صورة مع كتاب يثبت من خلاله أنه مواظب على اقتناء كل جديد ومثير للاهتمام في الوسط الثقافي، ولا يتعدى الأمر التقاط الصورة ليعود الكتاب إلى رفوفه المخصصة في المعرض دون أن ينقل به إلى رف منزلي، ومن المؤسف أني عاينت عشرات الحالات تلك، يلتقطون صورة مع الكتاب فيدفعني الفضول لأسئلهم عن المحتوى إذا كانت قراءته ستغني معارف قارئها فيسارعون بإجابتي "لم نشتري الكتاب" متذرعين بغلاء أسعار الكتب في المعارض، ومدعين التأسف لعدم قدرتهم على شراء نسخة منه.

سيطرة السوشال ميديا

إذا قلنا أن الهاتف المحمول أصبح خليلاً للأيادي أكثر من الكتاب، ولجأ الكاتب إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكاره الثقافية مجاراة للواقع المؤسف المفروض، لن ينال مبتغاه أيضاً وسيصدم بعبارة "لا تطل منشورك الثقافي، لا أحد سيقرأ"، وبالفعل ذلك الأمر مثبت، فالعبارات القصيرة على الصفحات الشخصية للكتّاب قد تحصد المئات من الإعجابات والتعليقات، بينما المنشورات الطويلة لمقتطفات من مؤلفاتهم قد لا تحصد إلا عشرات الإعجابات، فيلجأ الكاتب إلى أسلوب الاستعطاف الذي يقلل من شأن محتواه بإرفاق عبارة تسبق المقتطف "منشور طويل، الرجاء القراءة وإبداء الرأي" وكأنه رجاء قلبي من الكاتب ليلتفت العالم الأصم إلى صرخته الصامتة.

ذريعة "ممنوع من النشر"

البعض ممن تستهويهم قراءة الكتب الإلكترونية حين تسألهم عن السبب يتذرعون بعدم وجود الكتاب في المكتبات ويلحقون ذلك بعبارة "إنه مؤلم للعين، لكن الكتاب الممتع يستحق"، ليظهر بذلك بمظهر القارئ النهم الذي لا يفوت فرصة للقراءة دون اغتنامها، في هذا الجانب ينقسم القراء بين الصادق والكاذب، فالكتب الممنوعة من النشر قليلة خاصة في زمن الحرية الثقافية وتخفيف الرقابة من ضوابطها على المطبوعات بغية إفساح المجال للتنوع الفكري بشكل لا يؤثر سلباً على المجتمع، الكتاب قد يكون موجوداً وفي متناول اليد على بعد خطوات من القارئ لكنه يفضل قراءته الإلكترونية رغم أنها تعتبر مزعجة للغاية لبصره، وبالمقابل ترفع القبعة لأولئك الذين يبحثون عن كتاب أثار فضولهم فلا يجدونه بشكل ورقي فليجؤون إلى اقتناء نسخته بصيغة إلكترونية.

دعابة الرسائل الورقية

لنتطرق إلى هذه الزاوية الطريفة طالما تحدثنا سابقاً عن تراجع أهمية الورقيات بشكل ملحوظ ومقلق، الكثير منا اليوم لا تزال الرسائل الورقية تستهويه وتثير إعجابه، كما تترك الأثر الأعظم في عاطفته لكونها محسوسة وملموسة، لكنك قد تصبح في شخصية فكاهية اليوم إذا سولت لك نفسك تقدم رسالة ورقية إلى أحدهم أيّن كانت صفته بالنسبة لك، وماهي إلا بضعة دقائق حتى تجد ورقتك مرمية هنا أو هناك بشكل عشوائي بغض النظر عن أهمية محتواها، وإذا قمت بتدوين ملاحظة لأحد زملاء العمل على ورقة وتركتها له قد تصبح موضع سخرية بدقائق فقط وتسمع جملة "أليس بإمكانك إرسالها كرسالة عبر جوالك؟"

مع الأسف، بات العالم الورقي اليوم مهدداً بالانقراض في بعض الدول، ومنقرضاً تماماً في دول أخرى، وبات الكاتب يسأل عن التسويق الإلكتروني قبل سؤاله عن جدوى التسويق الورقي، ولم تعد حالة الامتزاج مع صوت الورقة حين تقلب بحثاً عن المزيد من الأفكار حالة امتزاج مذهلة، بل باتت ضرباً من ضروب الرتابة يمكن الاستغناء عنها بالضغط على زر "التنزيل" في موقع إلكتروني ثقافي، ولعل التمادي في هذا الجانب سيلغي تماماً فكرة الغلاف الذي يجمع في طياته ورقاً يحمل أفكاراً، وبالتالي سنقول وداعاً للكتب الورقية.

/انتهى/