خبير إيراني لتسنيم: إيران أكبر بكثير من مجرد جغرافيا.. وترامب غير قادر على حرب مباشرة


بالتهديد والوعيد تارة وبلغة دبلوماسية تدعو للتفاوض يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التأثير على سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي بدورها لم تعد تثق بواشنطن بعد تجربة الانسحاب من الاتفاق النووي.

وكالة تسنيم الدولية للأنباء أجرت لقاء مع الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ "مصدق مصدق بور"، وطرحت مجموعة من التساؤلات حول الأفق الذي يمكن تصل إليه مسارات الضغوط الأمريكية على إيران.

برأيك هل يعيد ترامب سيناريو كوريا في حربه الكلامية مع ايران؟

ثمة أوجه شبه عديدة بين الحالتين الإيرانية والكورية الشمالية في  الخطاب الحواري الذي يتبناه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" والذي دعا فيه البلدان إلي التفاوض بشأن الموضوع النووي: أولا – إطلاق الدعوة للحوار بشكل مفاجئ بعد تصعيد الى أعلى منسوب في لغة التهديد والوعيد. ويسعى ترامب عبر هذا الأسلوب للإيهام بأنه نجح في إرغام غريمه على التفاوض من موقع قوة.  ثانيا- تعاطي طهران وبيونغ يانغ مع دعوة ترامب للحوار بمنظار عدم الثقة، وهذا ما كان جليا سواء في تصريحات القيادات الإيرانية الرافضة للحوار مع أمريكا تحت طائلة التهديد والمطالبة بعودة ترامب إلى الاتفاق النووي كشرط أساسي إضافة إلى جملة من الشروط الأخرى، أو في البيان الكوري الشمالي الصادر عقب القمة الثنائية في سنغافورة؛ حيث يصر الكوريون على  المضي في التفاوض على مراحل والعمل خطوة فخطوة لتفكيك الترسانة النووية في شبه القارة الكورية، وبهذا الأسلوب نجح الجانبان في تفويت الفرصة أمام الرئيس ترامب وعدم منحه أي امتياز أو درجة تفوق هو بحاجة إليها بفعل عقليته التجارية.

قد يغفل الكثير من المحللين السياسيين هذه الحقيقة وهي أن من أسباب توجه ترامب نحو طهران طلبا للحوار معها هو إخفاقه في خطته لتطويع القادة الكوريين الشماليين الذين تزايدت شكوكهم في النوايا الأمريكية إثر مشاهدتهم الولايات المتحدة كيف تنكث بالوعود والمواثيق عندما انسحبت من الاتفاق النووي أو "خطة العمل المشترك "؛ فقد ترك هذا السلوك الخارق للقانون الدولي تأثيره على زعماء بيونغ يانغ . ويحاول ترامب من خلال دعوة طهران للحوار معه تحقيق عدة أغراض، أولها احتواء أزمة الثقة لدى الجانب الكوري لاستكمال مشروعه في تفكيك ترسانتهم النووية ومن ثم استخدام ذلك كورقة ضاغطة داخليا وخارجيا على النظام الإسلامي الإيراني لكي يتفاوض معه، ولا اعتقد أن النجاح سيحالف ترامب في الحالتين الإيرانية والكورية الشمالية رغم ان طهران لا تمتلك ترسانة نووية كما هو الحال بالنسبة لبيونغ يانغ.

هل يسعى ترامب بعد تصريحاته الأخيرة بالرغبة بالحوار مع إيران إلى  صفقه شاملة تبعدها عن روسيا وسوريا ؟

فيما يبدي الكثير من الأمريكيين، حتى أعضاء في الكونغرس، استغرابا من حقيقة الأهداف التي يتوخاها رئيسهم في دعوته للحوار مع طهران، فإن الأخيرة تدرك جيدا أن ترامب لا يريد اللقاء بالمسؤولين الإيرانيين من أجل إذابة الجليد في العلاقات بين الجانبين وتسوية القضايا الخلافية، وإنما يريد اللقاء لمجرد اللقاء بمبتغى عقليته التجارية ولكي يسجل اسمه في التاريخ، وأيضا يحاول بسذاجة من خلال هذه المحاولة من التقرب أن يباعد بين إيران والاتحاد الأوروبي ويخفف من وطأة تدهور العلاقات بين بلاده والاتحاد الأوروبي على خلفية أمور خلافية عديدة لأنه بدأ يواجه ضغوطا في الداخل ناهيك عما أسلفت محاولته طمأنة كوريا الشمالية بحسن نواياه لتفكيك ترسانتها النووية. ترامب قال بأنه مستعد للحوار مع طهران من دون شروط وهذا لا يعني تنازلا من الولايات المتحدة وإنما يريد أن يجتاز العقبة الكبرى أمام التفاوض الشامل مع إيران وإعادة العلاقات بين البلدين إلى سالف عهدها وهي عقبة الشروط التي وضعتها إيران غداة انتصار ثورتها الإسلامية في عام 1979 لعودة العلاقات الدبلوماسية حيث مازالت طهران متمسكة بتلك الشرط ومنها :

     -اعتذار أمريكا من إيران عن تدخلاتها الفاضحة في الشؤون الداخلية لإيران عندما تآمرت لإسقاط  حكومة الدكتور مصدق

     - وقف التدخلات الأمريكية في الشأن الإيراني والتعهد رسميا بعدم تكرارها مستقبلا.

     -  فك التجميد عن الأرصدة الإيرانية المودعة في البنوك الأمريكية في عهد نظام الشاه .

 واليوم أضافت طهران شروطا أخرى تتعلق بالتدخلات الأمريكية في المنطقة واحترام الاتفاق النووي والعودة إليه.

 من الخطأ الظن أن إيران ستفرط مقابل التخلص من القيود والحظر الاقتصادي الأمريكي بمقومات قدرتها لاسيما منظومتها الصاروخية الدفاعية أو علاقاتها الإستراتيجية مع كل من روسيا وسوريا لاسيما بعد الانتصارات النهائية التي حققتها القوات السورية والقوات الحليفة لها على المشروع الامبريالي – التكفيري والصهيوني، وهذه الحقيقة يعلمها ترامب بان بلاده تحتاج إلى المزيد من التآمر والمراوغة حتى تفكك جبهة المقاومة وتعزل بين هذه الجبهة وروسيا، من هنا فان فكرة سعي ترامب لإبرام صفقة مع إيران تبعدها عن حليفتيها سوريا وروسيا ليست واردة.

الدور الإيراني جزء أساسي من معادلات المنطقة وهو ما تدركه جيدا إسرائيل وأمريكا، فهل ممكن أن تقبل طهران بالذهاب إلى حوار مع الجانب الأمريكي؟  وما هي أبرز الشروط التي ستضعها ليكون الحوار برأيك ؟

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق الـ"جيو بوليتيكية" في العالم، نظرا لدواعي وأسباب متعددة منها: وجود احتياطي عظيم من النفط والغاز فيها ولكونها  تشكل سوقا استهلاكيا عملاقة ولوجود الغدة السرطانية الإسرائيلية فيها وأيضا لأن هذه المنطقة محط اهتمام وأطماع القوى الكبرى الخارجية، فهذه المنطقة تحولت منذ فترة الحرب الباردة والثنائية القطبية وموازنة القوى إلى ساحة لتجوال وتصوال القوى الأجنبية، وبدافع تأمين خطوط الملاحة ونقل الطاقة من هذه المنطقة، تعزز التواجد العسكري الغربي بجوار آبارها النفطية والغازية مقابل مصادر الطاقة الروسية، وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة رابطت الأساطيل الحربية الغربية في مياه هذه المنطقة لكي تتولى مباشرة حفظ نقل الطاقة منها، ومن دون شك كانت إيران طوال تاريخها لاعبا مهما وبارزا في هذه المنطقة إلى جانب دول إقليمية أخرى كالسعودية وتركيا ومصر؛ حيث لا يمكن بأي شكل من الأشكال إنكار دور إيران في المعادلة الإقليمية.

منذ انتهاء الحرب الباردة، واجهت السياسة الأمريكية في منطقة الخليج الفارسي رغم مساعيها الكبيرة وإنفاقها المالي الضخم مشاكل وتحديات كبيرة في تثبيت هيمنتها وتسلطها. ومن أهم هذه التحديات رفض بعض اللاعبين الإقليميين خاصة إيران لهذه الهيمنة وفشل أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان بالإضافة إلى مساعي بقية القوى الإقليمية الكبرى كروسيا لإقرار موازنة أمام النفوذ الأمريكي ودور الشعوب في السياسة الإقليمية، وفي العقود الأخيرة تبلور تحدي أكبر يتمثل بجبهة المقاومة التي أفقدت الوتد الأمريكي في المنطقة أي الكيان الإسرائيلي القدرة على المناورة والغطرسة .

 واليوم تحيط إيران هالة من الدول التي تعاني من أزمات أمنية وتحديات مهمة كالعراق وأفغانستان، وترتبط إيران اليوم بالعراق بعلاقات وثيقة ومستحكمة وهناك تقارب كبير بين الجانبين في مختلف المجالات، كما تسعى إيران لإحياء علاقاتها مع مصر التي انقطعت بسبب توقيع الأخيرة على اتفاقية "كمب ديفيد" وتقف طهران اليوم الى جانب الشعوب المنتفضة ضد أنظمتها الدكتاتورية والعملية للقوى الأجنبية ومن هنا تواجه إيران استعداء من قبل بعض انظمة المنطقة كالسعودية التي تضررت مصالحها بسبب سقوط أمثال زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر ومازالت غير راضية عن التحولات العراقية بعد سقوط صدام.

مع كل هذه التطورات الايجابية في السياسة الإيرانية وتوسع النفوذ المعنوي الإيراني في أرجاء المنطقة، فمن السذاجة الظن أن إيران ستذهب الى طاولة المفاوضات مع أمريكا على حساب كل هذا الحصاد الباهر من الانجازات. ومن هنا ترفض إيران التساوم على دورها الإقليمي وهي تضع شروطا لأية مفاوضات حول دور الإقليمي أبرزها رفض التخلي عن دورها هذا والأكثر من ذلك تشترط طهران على واشنطن ان توقف تدخلاتها في المنطقة واحترام إرادة شعوبها كشرط رئيس للدخول الى قاعة التفاوض مع إدارة ترامب.

هل ممكن ربط هذا التحرك الأمريكي لإجراء الحوار مع طهران بالفشل الذريع لإسرائيل في تحقيق أطماعها في الجنوب السوري وإبعاد إيران من هناك؟

يعتقد بعض الإسرائيليين وبينهم الجنرال "عاموس يادلين"، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي والرئيس الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي، الذي قال في مقابلة مع إذاعة " N.P.R" الأمريكية في معرض تبيانه لموقف الكيان الصهيوني حيال خروج ترامب من الاتفاق النووي بأن هذا الانسحاب نوع من معادلة  رابح – رابح موضحا أن الحظر الاقتصادي إذا دفع بالإيرانيين إلى طاولة التفاوض من موقع أضعف وأدى إلى تحسين الاتفاق فإن ذلك يعد ربحا آخر لكننا يجب أن نعرف قبل كل شيء هل أن أمريكا وبعد أشهر من الخروج من الاتفاق النووي قادرة على تطبيق حظر مؤجع للغاية على إيران؟ أو أن أوروبا وروسيا والصين سوف لن تتعاون في تطبيق العقوبات الصارمة والموجعة ضد إيران وستشعر الأخيرة بان ليس انسحاب واشنطن من الاتفاق ليس مهما بالنسبة لهم؟ أردت من خلال الاستدلال بهذا التصريح أن اثبت بان هناك قناعة مشتركة لدى الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بعدم وجود إمكانية لتطبيق العقوبات الصارمة ضد إيران لحملها على التراجع والانقياد للمفاوضات، وبالتأكيد أن الكيان الإسرائيلي ممثلا برئيس وزرائه نتنياهو مارس الضغط الأكبر في توريط ترامب في غلطة الانسحاب من الاتفاق النووي، من الطبيعي أن هذا الكيان يلعب الدور الأول بفعل اللوبيات التابعة له في تحديد مسار ونوع السلوك الأمريكي تجاه إيران وليس مستبعدا أن يكون فشل إسرائيل في تحقيق أطماعها في الجنوب السوري وإبعاد إيران من هناك وراء الجنوح الأمريكي لإجراء الحوار مع طهران.

هناك من يقول إن ترامب رجل صفقات تجارية فقط وأن أي تصعيد كلامي هو مجرد فقاعات إعلاميه فكيف ترى ذلك؟

 رغم مضي أكثر من عامين على حضور الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين في البيت الأبيض ،لا يعرف احد ماهو الأسلوب الذي سيتخذه هذا الرئيس الغريب عن عالم السياسة والعلاقات الدولية تجاه إيران، ولكن الوجه المضيء في سلوك ترامب انه ينظر إلى القضايا دائما من موقف علوي وابتزازي ويستخدم دائما لغة التحكم والضغط مع الطرف المقابل ومن كان، أتكون إيران أو كوريا الشمالية او الكتلة الأوروبية حيث لايفرق بين هذا وذاك. ويتبع ترامب إستراتيجية خاصة مقابل كل دولة مثلا يستخدم التهديد والقوة والحظر ضد كوريا الشمالية ليجر الكوريين إلى طاولة التفاوض ويستخدم ضد الأوروبيين لغة وضع التعريفات الصعبة على البضائع والتجارة في محاولة لإركاعهم ولكنه ليس من الواضح ما هي السياسة التي سيرسو إليها تجاه إيران! حيث تعامل حتى الآن كالحرباء أمام إيران؛ فيهددها يوما بالعقوبات الشديدة والهجوم العسكري بنبرة غاضبة، ويعدها يوما آخر بالحوار والتفاوض الحقيقي وغير المشروط وفي جميع الأحوال لا يعرف ما الذي يجب أن يقوم به ضد إيران وعلى الرغم من أن هذا التاجر والمقامر الأمريكي يشير باستمرار في الكلمات التي يلفظ بها إلى أن إيران تغير سلوكها عما كان عليه قبل خمسة أشهر تجاه أمريكا وأصبحت أكثر وهنا، لكنه لا يخفي قناعته واعتقاده بأن إيران دولة قوية عسكريا ودبلوماسيا.وهنا يكمن سر وقوفه اليوم أمام مفرق طريقين في التعامل مع إيران، ورغم كل ذلك حذره بعض مقربيه مرارا بان يلتزم جانب الاحتياط في التعاطي والتعامل مع إيران ويعمل بذكاء لكن ترامب ولكونه تاجرا يسعى دوما وراء عقد الصفقات لأنه يجهل السياسة ويفضل أن يعالج القضايا السياسية بطرق اقتصادية وتجارية.

ماذا بعد الحرب الكلامية هل ممكن أن تتصاعد الوتيرة بين ايران وأمريكا وتتجه لمواجهة فعلية؟

من دون شك أن أي إجراء تتخذه أمريكا ضد إيران ينم عن شن الحرب عليها يعني إضفاء الشرعية المطلقة لطهران في استخدام منظوماتها الصاروخية الباليستية، من هنا  فان الهدوء الذي يسبق العاصفة بالنسبة لترامب أشبه ما يكون بالاستفتاء الذي أعلن عنه البارزاني في العراق لانفصال كردستان؛ إذ أن كلا الحالتين إجراء من طرف واحد ليس إلا، ويواجهان رفضا كبيرا؛ خاصة لا يوجد أي تأييد في البيت الأبيض وفي المجتمع الدولي لتهديدات ترامب ماعدا الكيان الإسرائيلي، هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها ترامب الحرب ضد إيران وأنه يعلم جيدا أنه سوف لن يصل الى مبتغاه من خلال الحرب. لا اعتقد إن إدارة ترامب قادرة في هذا الظرف على دخول حرب مباشرة وليست بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط. من هنا اسأل: هل أن هذا الضجيج يعني عاصفة حقيقية أو سراب ليس إلا؟ 

وإذا أقدم ترامب على شن الحرب فذلك ليس بأكثر من حماقة، ففي الوقت الذي يلعب ترامب القمار مع حكام السعودية ويعدهم بالحرب لاستحلابهم كان الإيرانيون قد انهوا توافقهم مع روسيا لحماية مدنهم الصاروخية، وإذا ما نشبت الحرب فستكون كل مصالح أمريكا في مرمى النيران الإيرانية، وفي حال نشوب الحرب ستقوم القيامة العربية والإيرانية ضد الصهاينة التي ستطوي هضاب الجليل طي صفحات الكتاب، فإيران اليوم ليست إيران الجغرافية الحالية بل يمتد نفوذها المعنوي بامتداد جغرافيا المقاومة التي تقع بؤر المصالح الأمريكية في عمقها..كما إن الرعيل الرابع الذي يحمي الثورة الإسلامية في عقدها الرابع ليس إيرانيين فحسب.. ولا اعتقد أن غباء ترامب وطاقمه والساسة الأمريكيين بمغفل هذه الحقيقة.

/انتهى/