هل فقدت الرياض نفوذها الإقليمي؟

كانت السعودية لمدة طويلة محط آمال الكثير من الدول العربية وكانت جميع تلك الدول تتبع الرياض في السياسات الإقليمية حتى وأنها كانت تسعى لإتباع هذا النظام في القضايا الدينية أيضاً (اعلان عيد الفطر السعيد).

وكالة تسنيم الدولية للأنباء ؛ حسن رستمي - منذ أن بدأت سياسات السعودية تأخذ طابعاً عدائياً عقب تولي سلمان بن عبد العزيز الحكم، وتزايدت تدخلات هذا البلد في باقي الدول خاصة حرب اليمن، بدأت الدول العربية واحدة تلو الاخرى بالإبتعاد عن هذا البلد بحيث يمكن العثور على بلدين او ثلاثة لايزالون يتبعون السياسات الاقليمية السعودية (الامارات والبحرين).

مصر ايضاً تتظاهر بأنها تدعم السياسة السعودية ومرد ذلك إلى المشاكل الداخلية المصرية خاصة القضايا الاقتصادية، فعندما تحقق القاهرة الاستقرار الاقتصادي ستبتعد عن سياسات الرياض الاقليمية اذ يمكن مشاهدة مؤشرات ذلك في الوقت الراهن في عدم مشاركة مصر في تشكيل تحالف عربي.

 

المواجهات الاقليمية السعودية خاصة العدوان على اليمن وفشلها فيه والصراع السياسي مع قطر ضاعف من عزلة الرياض في المنطقة، فنجد باقي الدول العربية سيما الكويت وعمان والأردن تعتزم أيضاً انتهاج سياسة مستقلة فهي تسعى إلى تقريب نفسها من احدى القوى الاقليمية، فيمكن اعتبار تقارب قطر من ايران وتركيا من اجل مواجهة تهديدات الرياض دليلاً على هذا الأمر.

تبحث هذه الدول عن داعم إقليمي لها وهي تعتزم تعزيز العلاقات والتعاون العسكري مع باقي القوى الاقليمية لا سيما ايران وتركيا وتنوي عبر رفع مستوى أمنها في مواجهة السعودية ان تتمكن من البقاء بمأمن من الضغوطات والتهديدات المحتملة من قبل الرياض لأنها تخشى من أن تتصرف السعودية معها مثل التصرف والسياسة التي انتهجتها تجاه قطر.

سلوك السعودية في ظل حكامها الحاليين اختلف ايضاً إزاء حلفائها، ففي تاريخ علاقاتها السياسية كان غير مسبوق رؤية اهانة السعودية لسعد الحريري حليفها في لبنان والذي كان ينفذ سياسات السعودية في هذا البلد، فلولا تدخل السياسيين ودعم التيارات السياسية اللبنانية لربما كان عزل عن السلطة بشكل دائم.

يوشك الاردن الذي كان في زمن ما من الدائرة المقربة للسعودية، على الابتعاد عن سياسات الرياض الاقليمية، حيث أن محاولة السعودية تنفيذ "صفقة القرن" من دون الاكتراث للأردن قد أدى إلى استياء عمان من الرياض وتحييد صفها عن السعودية والابتعاد عن سياساتها الاقليمية.

كما يمكن مشاهدة المشهد ذاته بوضوح في علاقات السعودية وتركيا المنافسان الاقليميان لبعضهما البعض على قيادة السنة خاصة و أن تدخلات السعودية في الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة وفشل الثورات العربية في بعض الدول  مثلما حدث في مصر زاد من مخاوف أنقرة بحيث لم تعترف الحكومة التركية بالسيسي وطالبت بإطلاق سراح قادة الاخوان ومن بينهم مرسي وباقي السجناء السياسيين.

أشارت الكثير من التقارير إلى تدخل بعض الدول العربية خاصة الامارات في الانقلاب ضد اردوغان، ما زاد من قلق تركيا وجعل عزمها أكثر رسوخاً لدعم قطر في مواجهة تهديدات السعودية.

أقلق تدخل السعودية والامارات في شمال أفريقيا خاصة في ليبيا والسودان، باقي الدول لا سيما تركيا، فكل ذلك أضعف بشكل كبير هيبة السعودية في الرأي العام العربي، حتى مسؤولو بعض الدول لم يعودوا يحملون ذلك الاحترام الذي كانوا يخصون به قادة السعودية في السابق، فكيفية تعامل رئيس وزراء قطر مع الملك السعودي في قمة مكة وتعامل رئيس وزراء باكستان عمران خان مع الملك سلمان  يمكن  اعتبارهما نموذجاً يؤكد ان قادة السعودية لم يعودوا يتمتعون بالإحترام والمكانة اللائقة بين قادة باقي الدول.

تشير الإساءات المتكررة التي يوجهها الرئيس الامريكي دونالد ترامب للسعودية والتي يصف فيها الرياض بالبقرة الحلوب، تشير إلى أن المسؤولين الامريكيين الحاليين، وخلافاً للمسؤولين السابقين الذي كانوا يحترمونهم في الظاهر، لا يعيرون أي اهمية واحترام للسعودية، ففي الحقيقة تقوم السعودية بدفع الدولارات النفطية وتتلقى الاهانات من المسؤولين الامريكيين في آن، الأمر الذي اساء لسمعتها لدى الرأي العام العالمي. كما أن مجلس تعاون الخليج الفارسي الذي تأسس لمواجهة ايران لم يبق منه اليوم إلا الشكل ولا يتمتع بأي قدرة تنفيذية وقرارات إقليمية ودولية.

سلوك السعودية تجاه ايران قضية أخرى تتطلب مقالاً مفصلاً، فعقد ثلاث قمم في مكة لم يتمكن من تحقيق أي انجاز للسعودية ولم تتماشى باقي الدول معها ضد ايران خاصة العراق وقطر، الامر الذي أغضب السعودية.

فقدت السعودية اليوم الكثير من أصدقائها نتيجة سياساتها المتطرفة في المنطقة فإذا ما استمرت الرياض بهذه السياسات ولم تحدث تغييراً في سياساتها الاقليمية فإنها ستخسر عدة دول كانت قد تجمعت حولها أيضاً وستتعرض للعزلة في المنطقة أكثر من اي وقت مضى.

*خبير في الشؤون السياسية

/انتهى/