غالب قنديل لـ "تسنيم":هناك تخبط في أداء الدبلوماسية السعودية.. مصر وتركيا وباكستان تبحث عن دور بعيد عن الموقف السعودي

رأى المحلل السياسي اللبناني غالب قنديل أن هناك تخبط في أداء الدبلوماسية السعودية، منوهاً إلى أن مصر وتركيا وباكستان تبحث عن مساحة للدور والحضور فهي لا تستوفيها عملية الالتحاق بالموقف السعودي.

وأشار المحلل السّياسي اللبناني غالب قنديل في تصريح لمراسل وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء إلى أن المملكة السعودية منذ تأسيسها هي جزء عضوي من منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في الشرق الاوسط قائلاً، ان جناح الأمير سلمان بن عبد العزيز قبل ان يتولى منصب الملك كان متميزا بتطرفه وكان مختصاً بالوظائف الأبشع في خدمة الخطط الأمريكية، أي هو الذي احتضن جماعات القاعدة منذ تأسيسها وهو الذي تميز بشراسة عالية في التعبئة المذهبية.

ونوه إلى أن الولايات المتحدة تقحم الوكلاء لخوض المعارك بالنيابة ليتكبدوا الخسائر منفردين، واذا اضطرت للانتفاء تنتفئ منفردة وتتركهم في المعمعة يحصدون النتائج.

واكد قنديل ان الأولوية التي تتحكم بالعقل السعودي في هذا الزمن هي الرضى الأمريكي وضمان الحماية الأمنية الأمريكية التقليدية للمملكة.

وأوضح أن النفوذ السعودي جرجر منظمة التحرير الى طريق التنازل والمساومة على القضية وعلى الحقوق وعلى مصير الشعب الفلسطيني.

وفي ما يلي نص الحوار مع المحلل السياسي اللبناني غالب قنديل:

تسنيم: بماذا تختلف سياسة السعودية اليوم عما كانت عليه قبل مجيء الفريق الجديد، حيث باتت هذه الدولة لا تتورع عن شن الحروب على جيرانها ومقاطعتهم اقتصاديا، ويأتي هذا من قبل الرياض دون منح الحوار فرصة لحل الخلافات مع دول الجوار، فكيف تفسر هذه السياسة؟

غالب قنديل:  لا يمكن النظر لأداء الادارة السعودية بمعزل عن الاستراتيجيات الاستعمارية الغربية في المنطقة، فالمملكة السعودية منذ تأسيسها هي جزء عضوي من منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في الشرق، وكانت السياسات الأمريكية دائماً عنصر القيادة والتوجيه الحاسم للنهج السياسي السعودي ولسلوك المملكة في علاقاتها بالجوار وبقضايا المنطقة، هذا أمر يجب وضعه في الحسبان، الأمر الثاني وبما أننا نتحدث عن دولة تابعة مهيمن عليها، مسلوبة القرار والارادة، وليست مستقلة بأي قدر كان بقراراتها السياسية الكبرى، والأمر الأخر لاشك ان جناح الأمير سلمان بن عبد العزيز قبل ان يتولى منصب الملك كان متميزا بتطرفه وكان مختصاً بالوظائف الأبشع في خدمة الخطط الأمريكية، أي هو الذي احتضن جماعات القاعدة منذ تأسيسها وهو الذي تميز بشراسة عالية في التعبئة المذهبية، وفي دعم كل عمليات التخريب التي استهدفت الحكومات والدول المستقلة المتمردة على الاستعمار في المنطقة، وهذا كان جزء من وظائفه في اطار التكوين الداخلي للنظام، ومن المؤكد ان الذي اختلف بين الازمان السالفة والزمن الحالي هو ان النهج الأمريكي بات أكثر شراسة وعدوانية في العالم وليس فقط في منطقتنا، انطلاقاً من قلق تراجع الهيمنة والسطوة الأمريكية في العالم وصعود قوى منافسة واشتداد نزعة الاستقلال والتحرر في العالم، المراحل التي كانت فيها الولايات المتحدة مركنة الى هيمنة وتحكم بالعالم وبعلاقاته وبمصائره منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تداعت وتفككت عناصرها وبدأ يتشكل واقع جديد، لهذا المعنى هناك نوع من الهيستريا الأمريكية والاستنفار العدواني الاستعماري ضد كل الحكومات العاصية والمتمردة التي تدافع عن استقلال بلدانها، ولذلك نلاحظ ان العقوبات التي هي أداة ضغط أمريكية، تستثمر غلبة الولايات المتحدة في أنظمة التحويل المصرفية في العالم، تستهدف دولاً عظمى، فروسيا معاقبة والصين معاقبة والهند معاقبة وايران معاقبة وحتى شركاء الولايات المتحدة في الغرب الأوروبي استهدفوا بعقوبات، وفي هذا المناخ تعمل الحكومات التابعة ومنها المملكة السعودية بممارسة سلوكيات أشد عدائية وأشد تطرفاً في خدمة المخطط الأمريكي، فالولايات المتحدة تقحم الوكلاء لخوض المعارك بالنيابة ليتكبدوا الخسائر منفردين، واذا اضطرت للانتفاء تنتفئ منفردة وتتركهم في المعمعة يحصدون النتائج، هذا ما قامت به الولايات المتحدة في شرق آسيا على سبيل المثال عندما خسرت حروب السيطرة والاحتلال أمام حركات التحرر وهو ما سيكون في منطقتنا لاحقاً بدون شك عاجلاً ام آجلاً.

تسنيم: هل الخلل الذي أصاب السياسة الخارجية السعودية اليوم، يعود سببه الى عدم نضوج سياسات محمد بن سلمان، ام ان هناك قضايا أخرى أدت الى مزيدا من التشتت في السياسة السعودية؟

غالب قنديل:  لاشك ان الفريق السابق في آلة الحكم السعودي كان مخضرماً وأوسع خبرة وأوسع علاقات وأكثر مرونة بالتعامل مع الدول رغم الخلافات وهذا أمر متعارف عليه وكانت الدبلوماسية السعودية تتميز بشئ من الهدوء وعدم التعجل بأخذ المواقف المتطرفة والخطوات السلبية والتي تذهب الى القطيعة والاشتباك، اليوم هناك تخبط وهناك ارتجال وهناك مراهقة في أداء الدبلوماسية السعودية خلافاً لما درجت عليه العادة، وتهور أيضاً كما يقول بعض المعلقين الغربيين تعقيباً على مجموعة من المطبات السياسية التي أدت اليها رعونة محمد بن سلمان، لكن ما أقوله ان الأولوية التي تتحكم بالعقل السعودي في هذا الزمن هي الرضى الأمريكي وضمان الحماية الأمنية الأمريكية التقليدية للمملكة، كان الآخرون قبل هذا الطاقم الحاكم يراعون كثيراً من الاعتبارات التي لا تظهر فيها بشكل فاقع أصابع الولايات المتحدة في صنع القرار السعودي، اليوم الصورة معكوسة تماماً.

تسنيم: هناك من يقول ان وزير الخارجية السعودي الحالي إبراهيم العساف وحتى قبله عادل الجبير ليس لهم أي دور في رسم السياسة الخارجية السعودية، حيث ان هذه السياسة تدار وفق رغبات وطموحات محمد بن سلمان وذلك حتى لو كان الأمر خلافا لمصالح البلد، فما هو اعتقادك؟

غالب قنديل: من الواضح في ترتيب آلة الحكم ان محمد بن سلمان بات الآمر الناهي في النظام السعودي، والأدوار الأخرى هي أدوار جزئية يقرر هو حجمها ومداها، لكن السؤال هو ماذا لدى الدبلوماسية السعودية في ظل الخيار الحالي للنظام من أوراق قوة يمكن ان تستعملها؟!! إذا كانت العلاقة بالمحيط متأزمة، وإذا كانت السعودية تجاري الطلبات الأمريكية بخطاب عدواني استفزازي تجاه إيران وتجاه محور المقاومة وهي لم تبرأ من تبعات تورطها في العدوان على سوريا ولا من تبعات تورطها في دعم قوى الارهاب التكفيري التي شنت عدواناً شاملاً على المنطقة. حيث ان بسبب هذا الفشل السعودي، بات الأمريكي يعمل اليوم من أجل ان تقع في قبضته الأموال والثروات السعودية التي يسيل لها لعاب "دونالد ترامب".

تسنيم: بالرغم من حالة التنمر التي شهدناها خلال الأعوام القليلة الماضية من قبل السعودية تجاه بعض دول المنطقة ومن بينها قطر واليمن، هناك العديد من الدول الأخرى مثل مصر ورغم حاجتها للدعم المالي السعودي، لم تعد متحمسة لدعم السياسة السعودية، فلماذا باعتقادك هذه الدول التي كانت تاريخيا تابعة للسعودية، باتت اليوم تبتعد شيء فشيئا عن الرياض؟

غالب قنديل: لأن هذه الدول تريد ان تتحاشى حمل التبعات وتكاليف الخيارات السعودية الصدامية في المنطقة، وهي ترى بأم العين كيف ان الغرب يفتح هوامش للحوار المحتمل مع الجمهورية الاسلامية فلماذا تدفع هي كلفة العداوة، الخيار السعودي خيار استفزازي عدائي مع الجميع خلف التعليمات الأمريكية، ولكل من الدول الكبرى في العالم الاسلامي مصر وتركيا وباكستان حيزها الخاص وهي تبحث عن مساحة للدور والحضور، لا تستوفيها عملية الالتحاق بالقرار والموقف السعودي، وهذا انعكس على منظمة المؤتمر الاسلامي وعلى علاقات المملكة الاقليمية وانعكس على انهيار الأوهام السعودية حول حجم الحلف الذي شكلته في اليمن، ولذلك ان المأزق ناتج عن السياسة الاستفزازية والتي تبالغ في استرضاء الأمريكي، بينما الأمريكي نفسه وأعوانه في الغرب، يفتحون مجالات للمناورة والتفاوض في أكثر من مجال.

تسنيم: القيادات السعودية السابقة كانت على الأقل تراعي في الظاهر مكانة القضية الفلسطينية، وتدعي أنها تدعم نضال الشعب الفلسطيني ومثل هذا الكلام، لكن أصبحنا نشهد ان الجيل الجديد من القيادات السعودية باتوا يعملون بشكل علني على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي دون خجل من أي أحد، فما هي الأسباب التي أوصلت السعودية الى هذا التقارب مع تل أبيب؟

غالب قنديل: في الأصل كانت عملية دعم القضية الفلسطينية والمطالب والحقوق الفلسطينية كانت واجهة، ومن خلفها وبفضل النفوذ السعودي تم جرجرة منظمة التحرير الى طريق التنازل والمساومة على القضية وعلى الحقوق وعلى مصير الشعب الفلسطيني، وكل الخطوات التي تمت منذ اتفاقيه "أوسلو" كانت برعاية وتشجيع سعوديين، وبالتالي كان هناك نوع من الازدواج والتناقض بين الخطاب السعودي اللفظي وبين الممارسة السعودية الفعلية، وبذلك كانت تلك الكلمات والخطابات نوعاً من الغطاء لتمرير السياسات الفعلية، اليوم الطلبات الأمريكية تلغي تلك التمثيلية وباتت الأمور نافرة بشكل كامل، لأن ما تريده اسرائيل لتعويض هزائمها في المنطقة أمام محور المقاومة هو اكتساب الشرعية من خلال علاقات التطبيع الشاملة، والمطلوب اعتراف وتعامل سعودي غير مقيد مع الكيان الصهيوني أمنياً واقتصادياً وتجارياً، والسلطة السعودية الحالية تسير في هذا المخطط بناءً على الطلب الأمريكي.

حاوره / سعيد شاوردي

/انتهى/