دعم "أمن وسيادة الأمم"

تصريحات سماحة قائد الثورة الإسلامية يوم الأربعاء 8 نوفمبر، حول التطورات في لبنان والعراق، في مراسم تخرج جامعات ضباط الجيش، وفي حين أنها كانت موجزةً وجاءت في سياق موضوع آخر، لقيت أصداءً كثيرةً في هذين البلدين، وبالطبع كان البعض "سعيداً للغاية" بها، والبعض الآخر "غاضباً"!

ولكن ما ورد في كلام سماحته، وعلى عكس ما قاله معارضو الجمهورية الإسلامية، لم يكن الدخول في الاصطفافات الحالية في لبنان والعراق، ولم يرجِّح كفة الميزان لصالح أو على حساب جهة محددة. ما قيل في هذه الكلمة، كان مصدر قلقٍ من الضروري والمفيد إيلاء الاهتمام به من قبل جميع الأطياف اللبنانية والعراقية.

الإهتمام بالأمن يصب في صالح الجميع
إن لفت الانتباه إلي مقولة "الأمن"، وأن الجميع يجب أن يأخذ الآليات القانونية بعين الاعتبار، لن يضر المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل المطالبات المعيشية.
ومن المفارقة أن إضفاء الطابع الأمني علي الأجواء أو تجاهل التهديدات الأمنية، سيهددان في المقام الأول حياة أولئك الذين شكلوا هذه المظاهرات الحالية، كما رأينا في الأيام الأخيرة ونتيجةً للاشتباكات بين فئات من المتظاهرين مع فئات أخرى من الشعبين العراقي واللبناني، وخصوصاً العراقي، قُتل عدد من الجانبين.
ثم "الأمن" ليس مقولةً يحبها جمع من الناس ويكرهها آخرون، كما أن تعليق نظام سياسي قبل أن تكون هناك خطة بديلة صالحة، ليس في مصلحة أحد.
قائد الثورة الإسلامية المعظم في هذا الخطاب، وقف في الحقيقة عند نقطةٍ يمكن أن يقف عندها جميع الأطياف المختلفة في لبنان والعراق، سواء من يقود المظاهرات في الساحات أو من هم خارج هذه الدائرة.
القائد في كلمته، كما في مواقف مماثلة، دعم أمن الشعب وسيادته على بلده، كما دافع عن استقلال وسلامة أراضي وحياة الشعوب في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانستان، في أعقاب الهجمات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية والجماعات التكفيرية ضد دول وشعوب المنطقة، دون أن يكون بالإمكان التعبير عن هذا النوع من الدعم بالكلمات الشائعة التي يشار بها إلي المستبدين.
طوال هذه الفترة، تمكنت إرشادات سماحة القائد وتحذيراته من خفض الكلفة البشرية والمالية التي تدفعها الشعوب والحكومات في أوقات الأزمات أو مؤامرات الدول المعادية، وزادت في المقابل تكاليف أعدائهم بشكل كبير، وأجبرتهم على قبول الفشل.
ما جاء في خطاب آية الله العظمي السيد علي الخامنئي فيما يتصل بمقولة الأمن، كان في الواقع لفت الانتباه إلي الخطر الذي يواجه لبنان والعراق. فمن ناحية، لا يعني ذلك أن خطر انعدام الأمن على نطاق واسع بات فعلياً في هذين البلدين، ومن ناحية أخرى، يعبر عن خطرٍ أصبح يهدد هذين الشعبين، ويجب القيام بفعل شيء للحيلولة دون حدوثه.
لم يمض طويلاً علي تحذير قائد الثورة الإسلامية لبعض الحكومات الصديقة في المنطقة بطريقة ما، من خطر حدوث انعدام الأمن على نطاق واسع، وهو التحذير الذي انعكس علي أرض الواقع لأن المخاطب لم ينتبه لأبعاده، وبالتالي أشغل شعباً وحكومته لسنوات، وأعاق مسيرة التقدم وكلفهم الكثير من النفقات الباهظة.

خطر الاشتباكات الطائفية جادّ
لكن القليل من الاهتمام بتطورات الأيام الأخيرة في العراق ولبنان، يظهر أن بروز التهديدات الأمنية ذات النطاق الواسع بحيث يصبح من الصعب احتوائها، خطير جداً. ومن الأمثلة على ذلك الأحداث التي وقعت في كربلاء، والتي خلفت عشرات الجرحى وتسببت بها أيدٍ خفية وبعض الجماعات المنحرفة التي تتظاهر بالدين.
والمثال الآخر هو الأحداث التي شهدتها البصرة والعمارة، حيث امتدت الأيدي الإجرامية إلى عدد من القوات العائدة من الجهاد المنتصر علي داعش، ولم يرض الفتنويون والأيدي الأجنبية حتي بقتلهم، بل أحرقوهم أحياءً! وهذا يدل على أن الغرض ليس قتل الناس فحسب، بل خلق اشتباكات بين الطوائف والأطياف وعائلاتهم أيضًاً، الأمر الذي، لا سمح الله، إذا انتشر وتوسَّع، سيعرض سيادة الشعب ووجوده لعاصفة الفتنة.

الحيلولة دون استنساخ السياسات الاستعمارية
ومن هذا المنطلق يأتي تأكيد سماحة القائد على الحفاظ على الحكومات والهياكل القانونية في لبنان وسوريا.
من لا يعرف أنه بقدر ما ان رئيس وزراء لبنان بعيد عن إيران بنفس القدر رئيس وزراء العراق قريب من إيران؟ ولهذا فإن تأكيد سماحة القائد على متابعة المطالب الاقتصادية مع الحفاظ على الحكومات، لا يعني فرض حزب أو جماعة أو حتى فرض تيار ديني محدد.
إن تجربة سنوات السبع والثمان الأخيرة في الدول العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وضياع الإنجاز في انهيار الحكومات، والانحراف في مطالبات الناس، وتوفُّر الأرضية لاستنساخ السياسات الاستعمارية الأجنبية، واستمرار انعدام الأمن وقتل الناس،كما نرى في ليبيا ومصر، تظهر أن هاجس الحفاظ على الهياكل، ليس هاجس الانحياز لشخص أو طرف محدد، بل هو نفس الانحياز لصالح المطالب الشعبية، لأنه إذا لم تكن هناك حكومة فلا توجد طريقة لتلبية هذه المطالبات.
 
بقلم الباحث والمحلل الإيراني الدكتور سعدالله زارعي

/انتهى/