الحكومة اللبنانية العتيدة.. سيادية نظيفة تحقق آمال الشعب

ثلاثة أيّام مضت على استقالة الحريري وضعت لبنان امام تحدٍ خطير لتأليف حكومة تنقذ البلد من الانهيار الاقتصادي كما تُحافظ على سيادته من الوصاية الدولية لمصرف النقد الدّولي كما من الأطماع الاسرائيلية والأمريكية في برّه وبحره.

وكالة تسنيم الدّولية للأنباء: دخلت الحكومة المستقيلة في لبنان مرحلة تصريف الأعمال، ولمّا يخرج الدخان الأبيض من مدخنة قصر بعبدا للبدء في استشارات نيابية لاختيار رئيس للحكومة تليها مرحلة التّأليف. إلّا أن هذا الصّمت الرئاسي ليس تكاسلًا كما تحاول العديد من القنوات الإعلامية تظهيره، إنّما هو إنضاجٌ لشكل الحكومة كي يسهُل أمر التّكليف والتّأليف.

خيارات الحكومة اللبنانية العتيدة

أما خيارات الحكومة العتيدة المنتظرة فهي ثلاث: حكومة سياسية أكثرية، حكومة تكنو قراط، وحكومة تكنو سياسية. وقد اختصرت المجالات أمام الحكومة المقبلة بهذه الخيارات نتيجة فشل حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها الحريري لأكثر من سنة وعانى في تأليفها حوالي 9 أشهر وكأنه مخاض ولادة. وبكل الأحوال فإن الايجابية الوحيدة مما أنجزته حكومة الحريري السّابقة كانت الورقة الاصلاحية التي أعلن عنا مؤخّرًا الشّعب الذي لم يرفضها إنّما نزع الثقة عن المكونات الحكومية العاجزة عن مكافحة الفساد والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.

حكومة الأكثرية

خيار الحكومة السياسية الأكثرية يبدو الأقل حظًّا بين باقي الخيارات وذلك لعدّة أسباب: أوّلًا إن المرحلة التي سيُقدم عليها لبنان تبدو حساسة من النّاحية الاقتصادية وهي لا تحتمل حتّى انتقادات ومناكفات من المُعارضة للأداء بل تحتاج فقط الى ثقة المجتمع اللبناني قبل البرلمان والمجتمع الدّولي؛ ثانيًا، لا يبدو أن كل أطياف الأكثرية موافقة على إقصاء الحريري - الذي يُعدّ من الأقليّة البرلمانية - من رئاسة الوزراء وهذا ما أشار إليه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بالأمس؛ ثالثًا، رفض الحراك الشّعبي لأي خيار في هذا الاتجاه وبالتّالي سنكون أمام مشهد الشارع المؤيد للحراك الشّعبي في مواجهة الشارع المؤيّد للأكثريّة النيابية والوزاية وهو ما لا يحتمله وضع البلاد الاقتصادي.

حكومة تكنوقراط

الخيار الثاني وهو حكومة التكنوقراط وهنا لا بدّ من الاشارة الى عدّة نقاط: أولًا العهود التي اعتادت تأليفَ حكوماتِ تكنوقراط هي عهودُ ما قبلَ دستور الطائف حين كان رئيس الجمهورية يملِك صلاحيات دستوريةً حاسمة وتَتبَعه أكثريةٌ برلمانية عابرةُ الطوائف. فكانت قوة الرئيس الدستورية والبرلمانية (والشعبية غير المباشَرة) تُعوِّض الضعفَ السياسيَّ للوزراء غير السياسيين من جهة، وتستميحُ موقتاً التمثيل المباشر للأحزاب المسيحية من جهة أخرى. أما بعد دستور الطائف الذي حَشَر السلطةَ التنفيذية في مجلس الوزراء مجتمِعاً، وليس لدى رئيسي الجمهورية والحكومة، فأصبح من المحتَّم دستورياً وميثاقياً أن تكون كلّ الحكومات سياسيةً؛ إذ لا يكفي من الناحية الميثاقية أن يحترم التأليفُ التوزيعَ الطائفي العدديّ فقط، بل الصفةَ التمثيليةَ السياسية لكل وزير أيضاً.

ثانيًا،غالباً ما كانت تُؤلف حكومات التكنوقراط في بداية العهود الرئاسية، لا في نهاياتها، في إطار نهضة إدارية وإصلاحية، فيمنحها المجلسُ النيابي صلاحياتٍ استثنائيةً لمدة معينة لكي تُصدر مراسيمَ تشريعيةَ تسرّع تحديثَ الدولة. أما بعد تعديلات الطائف، فلم يَعد المجلسُ النيابي، الضنينُ بصلاحياته، يمنحُ أيَّ حكومةٍ صلاحياتٍ استثنائية. وعلاوة على ذلك، لم يعرف لبنان حكوماتِ تكنوقراط إبّان الأزماتِ الوطنية، بل حكوماتِ إنقاذٍ مصغّـرة (أقطاب) أو وِحدةٍ وطنية موسَّعة (ممثلو القوى السياسية).

ثالثًا، إن مطالبة البعض بحكومة تكنوقراط مستقلّة عن الأحزاب السياسية يجعلها تفقد ميثاقيّتها وبالتّأكيد هي وإن استطاعت الخروج الى النّور فإنما سوف تولد ميتةً وذلك بحجب الثقة عنها في المجلس النيابي وسقوطها دستوريًّا بسبب عدم رعايتها للميثاق اللبناني. ومن السّخرية بمكان مطالبة بعض الأحزاب السياسية في لبنان كالقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية بحكومة تكنوقراط مستقلّة عن الاحزاب السياسية لا بهدف إقصائها من الحكم بل بهدف إقصاء حزب الله من مراكز السلطة في لبنان وبالتالي كشفه أمام الأطماع الأمريكية والاسرائيلية.

رابعًا، إن تشكيل أي حكومة تكنوقراط وإن نالت ثقة المجلس النيابي، على فرض، لن تستطيع الحفاظ على سيادة البلد من ناحية السياسة الخارجية للبلد التي تحتاج الى موقف واضح داعم لمقاومة الأطماع الاسرائيلية في الأراضي والمياه اللبنانية كما لن تستطيع مواجهة مواجهة قرارات وضع لبنان تحت الوصايا الأممية لمصرف النقد الدولي إذا ما دخل لبنان في مرحلة الانهيار الاقتصادي خصوصا أن هذا المصرف والأطراف الدولية الراعية لمؤتمر "سيدر" – الذي أطلق وعودًا بضخ الاستثمارات في الاقتصاد اللبناني – والذي طالب بفرض ضرائب على عامة الشّعب وهو أمر لن يحتمله الشّعب.

حكومة تكنو - سياسية

الخيار الثالث وهي حكومة تكنو – سياسية، وهو الخيار الأكثر ترجيحًا لعدة أسباب: أولًا: ميل أغلبية الاطراف السياسية لإعادة تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة وهو بطبيعة الحال ليس أخصائيًّا بل سياسيًّا وذلك للحفاظ على الميثاق اللبناني كون الحريري يمثل أغلبية السّنة في لبنان؛ ثانيًا: تنعدم الفرص في إيجاد أخصائي خارج الأحزاب السياسية الموجودة، فعلى الرّغم من وجود هؤلاء الأخصائيين بين صفوف الحراك إلّا أن أحدًا منهم لم يقبل بتمثيل الحراك وبالتالي فإن توزيره في الحكومة العتيدة سيتطلب آلية فعّالة وسريعة للتواصل بين السّلطة والحراك الشّعبي وهو أمر معدوم حاليًّا، وبالتّالي سيكون على الحكومة توزير أخصاء توافق السّلطة السياسية عليهم. ثالثًا: سيتعيّن على الحكومة العتيدة المحافظة على سيادة لبنان وحقة بمقاومة الاحتلال ومعالجة أمور النازحين السوريين وهذا أمرٌ لن تفعله الا الحكومة التكنو – سياسية. رابعًا: إن مطالب الشعب الآنية هي مطالب اقتصادية داهمة وبالتالي فإن الأخصائيين سيشغلون الوزارات الاقتصادية والخدماتية كالمالية والصّحة والطاقة والاقتصاد والتجارة والاتصالات... ومن المفترض أن يتولّى السياسيون الحقائب الوزارية السياسية كالخارجية والدّفاع والدّاخلية؛ أمّا المطالب الاخرى وصولًا الى الدولة المدنية تحتاج الى فترة أطول من التشريع قد تمتد الى سنوات قبل أن تبصر النور وبالتالي هي ليست أمور داهمة في الوقت الحالي.

الاستنتاج

إذًّا يُمكن القول إن لبنان قادم على حكومة تكنو – سياسية أو سياسية تضم عدد من الاخصائيين الحزبيين البعيدين عن تُهم الفساد ونظيفي الكف تستطيع استعادة ثقة الشعب اللبناني والحفاظ على سيادته قبل استعادة ثقة المجتمع الدولي ومواجهة الأخطار الإقليمية والدولية المتربصة بهذا البلد. وحتّى تنجلي الصّورة لتكوين الحكومة سيكون الاستدعاء لاستشارات نيابية تختار رئيس الحكومة على أمل ألّا تطول فترة التّأليف فاقتصاد لبنان لا يحتمل مخاض 9 أشهر جديدة.

/انتهى/