الخوف والرجاء الإستراتيجي في العراق


يدخل الفريق الأميركي المفاوضات والمحادثات مع الجانب العراقي في حين أن ورقته الوحيدة تنحصر في التخويف والتهديد والحظر، بينما الحكومة العراقية وفي توجه وطني، غير قادرة على تجاهل قرار البرلمان بخروج القوات الأميركية بعد استشهاد قادة المقاومة.

من المقرر ان تنعقد يوم غد الخميس المحادثات الإستراتيجية بين العراق وأميركا، وحسب تصريح هاشم داود مستشار رئيس الوزراء العراقي، فإن هذه المحادثات ستتناول مختلف المجالات بما فيها الأمنية والإقتصادية والعسكرية.

وكتب الخبير البارز في قضايا غرب آسيا، هادي محمدي، في مقال خاص لـ "وكالة تسنيم الدولية للأنباء": إن هذه المحادثات ستكون على الفضاء الإفتراضي ومحورها الأساس هو قرار البرلمان العراقي بخروج القوات الأميركية من البلد. في حين ان الجانب الأميركي مازال غير واثق من تحقيق أهدافه المحددة، ورغم العمليات النفسية والدعايات الموجهة وخاصة على الفضاء الإفتراضي، إلا أن ما تحدث عنه المسؤولون الأميركان في هذا المجال كان في الأغلب مجرد تمنيات ورغبات.

وأضاف محمدي في مقاله: الأمر الملفت هو قيام وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بزيارة رسمية إلى العراق، خلافا لوتيرة السنوات الـ17 الماضية في زيارات المسؤولين الأميركان الى العراق دون استئذان. والسبب في ذلك أن الأميركان لا يريدون الآن ان يقوموا بتحركات إستفزازية فهم يدركون جيدا أنهم متهمون بانتهاك سيادة البلد وعشرات الإتهامات في تمويل الإرهاب ودعمه والتدخل والفساد وإثارة الفتن و.. . لكن النقطة الهامة هي أن الأميركان اختاروا للمحادثات خلال اليومين القادمين، أقوى عناصرهم الدبلوماسيين والعسكريين والأمنيين والإعلاميين وأكثرهم احترافا، وفي المقابل تتحدث الأخبار غير الموثقة أن الفريق العراقي لا يتناسب معه من حيث الوزن والإحتراف.

وتابع: من البديهي أن كل ما يتم التوصل إليه في هذا الاجتماع الإفتراضي، لن يتحقق دون موافقة البرلمان العراقي، فلابد من تلبية قرار البرلمان بشأن خروج القوات الأميركية وخطوتهم الإرهابية في اغتيال كبار قادة المقاومة ضد الإرهاب قرب مطار بغداد، أي القائد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بينما يأمل الجانب الأميركي ومن خلال التطميع بحزمة من التعاون العسكري – الأمني والإقتصادي والتجاري والدعم المالي والتهديد بالحظر والعقوبات الإقتصادية والمالية، بأن يحافظ على الحد الأدنى من تواجد قواعده بذريعة عودة نشاط داعش في بعض المناطق. في حين أن أصابع الإتهام تتجه نحو أميركا في استعادة داعش نشاطه ببعض المحافظات العراقية.

وأكمل: ان النقطة الهامة الأخرى، هي أن الأوضاع في الداخل الأميركي يتجه نحو حافة الأزمة في الأمن القومي وقد تنزلق الأمور إلى أحداث غير متوقعة، لذلك يوظف الجهاز الدبلوماسي والعسكري والمخابراتي الأميركي عددا من التيارات السياسية والشخصيات السياسية المهزوزة والشبكات الإفتراضية لجوقة "الجوكر" المدربين، للبقاء في مأمن من عملية طرد القوات الأميركية من العراق.

وواصل محمدي في مقاله، أن ما يشكك في حظوظ الأميركان في هذه المحادثات، هو عدم توفر فرصة ليستفيدوا من دعم حكومة بارزاني في إقليم كردستان بسبب مواجهتها ظروف متأزمة والخلافات الشديدة مع سائر الأحزاب واستياء المواطنين والموظفين، فأي تدخل للإقليم في إبقاء القوات الأميركية بالعراق، لن ينتج سوى مزيد من الإتهامات السافرة بالتماشي مع قتلة قادة المقاومة وحماة الإرهاب الداعشي، فضلا عن زيادة الأزمات الداخلية والتوتر مع بغداد والمكونات الشيعية وخاصة المقاومة. ونفس الأمر يصدق على الأحزاب السنية بسبب الخلافات الشديدة بينها والتي وصلت إلى حد التلويح بإقالة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان.

وبيّن هذا الخبير البارز، أن ترامب وفي هذه الظروف المتأزمة الراهنة، يسعى للحصول على امتيازات لبقاء عدد من القواعد مع إمكانية مفتوحة للإسناد والحركة، لكي يحجم من وزن العلاقات الإيرانية العراقية والحصول على إمكانية إضعاف الحشد الشعبي والمقاومة.

وفي الحقيقة فإن الفريق الأميركي يدخل المفاوضات والمحادثات مع الجانب العراقي في حين أن ورقته الوحيدة تنحصر في التخويف والتهديد والحظر، بينما الحكومة العراقية وفي توجه وطني، غير قادرة على تجاهل قرار البرلمان بخروج القوات الأميركية بعد استشهاد قادة المقاومة، والاستئناس ببعض الدعم والتعاون المحدود المكرس للتبعية.

وأوضح: أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يدرك جيدا، أنه لا يمكنه تجاهل إرادة العراقيين الغيارى والرأي العام الشيعي العراقي، لأنه لن يتمكن من الإستمرار بحكومته خلال الفترة المتبقية. كما أن المقاومة العراقية تنتظر نتائج المفاوضات، وبمشاهدتها أي حدث غير عادي في مسار الإجتماعات، فستطلق موجة عارمة من الإجراءات ضد القوات الأميركية الإرهابية.

ويبدو أن من المنطقي للكاظمي أن لا يستعجل الأمور، وأن يعرض وجهات نظر الجانب الأميركي على الأطراف السياسية المؤثرة في الساحة العراقية ويتشاور معها في فرصة شهرين أو ثلاثة، وأن لا يخضع لضغوط ترامب الإنتخابية، وأن لا يغامر بمستقبله السياسي في مواجهة المرجعية والرأي العام العراقي.

/ انتهى/