د. طلال عتريسي لـ "تسنيم": أمريكا تعتمد استراتيجية الخنق الاقتصادي تجاه لبنان.. حزب الله لا يقف مكتوف اليدين
أكد الأستاذ في الجامعة اللبنانية د. طلال عتريسي أن أمريكا تريد ان يستمر الوضع الحالي في لبنان على ما هو عليه حتى يصبح المجتمع اللبناني أكثر ضعفاً اقتصادياً واجتماعياً.
وقال الأستاذ في الجامعة اللبنانية والباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية د. طلال عتريسي في حوار خاص مع وكالة تسنيم الدولية للأنباء ان الولايات المتحدة الامريكية تعتمد في هذه المرحلة استراتيجية الخنق الاقتصادي تجاه لبنان، ومن الواضح ان هذه الاستراتيجية تأتي بعد فشل استراتيجية الحرب المباشرة واستراتيجية اسقاط محور المقاومة.
ونوه أن أمريكا تريد ان يستمر الوضع الحالي في لبنان على ما هو عليه وان يصبح المجتمع اللبناني أكثر ضعفاً اقتصادياً واجتماعياً، وهي تعتقد ان مثل هذا الامر يمكن ان يجعل المقاومة وبيئتها في وضع صعب.
ولفت الباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية اللبنانية الى ان ليس بوسع حزب الله ان يقف مكتوف اليدين وينتظر ما ستقوم به الولايات المتحدة الامريكية او ينتظر ان يصل التدهور الاقتصادي في لبنان الى نهايته.
وفي مايلي نص الحوار مع الأستاذ في الجامعة اللبنانية والباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية د. طلال عتريسي:
تسنيم: بعد فشل المشروع العسكري والإرهابي للنيل من لبنان وبالاخص حزب الله الذي رعته الولايات المتحدة وبعض حلفائها في المنطقة كالسعودية خاصة بعد الأزمة السورية، يبدو ان الحرب صارت هذه الايام على لبنان وحزب الله اقتصادية أكثر من ان تكون عسكرية، فما هي الضغوط التي تمارسها أمريكا وحلفائها في الداخل لتفاقم الأزمة الاقتصادية بلبنان؟
عتريسي: من الواضح ان الولايات المتحدة الامريكية تعتمد في هذه المرحلة على استراتيجية الخنق الاقتصادي، ومن الواضح ان هذه الاستراتيجية تأتي بعد استراتيجية الحرب المباشرة واستراتيجية اسقاط محور المقاومة وأطراف هذا المحور سواءً عبر الحرب المباشرة منذ عام 2006 ضد حزب الله في لبنان أو عبر اسقاط سوريا منذ عام 2011 الى اليوم او عبر التهديدات المباشرة ضد الجمهورية الإسلامية والخروج من الاتفاق النووي.
اليوم تعتمد الولايات المتحدة الامريكية هذه الاستراتيجية أي استراتيجية الخنق الاقتصادي التي لا ترغمها على الدخول في حروب جديدة مباشرة وهي التي دفعت الكثير من الأثمان في حروبها في العراق وأفغانستان وشعرت بأنها تورطت ودفعت تكاليف كبيرة مادية وبشرية ومعنوية أيضاً، لذلك فهذه الاستراتيجية هي استراتيجية غير مكلفة بالنسبة لها، الطرف الاخر هو الذي يدفع الثمن لوحده دون ان تدفع أي خسائر، اذاً هذه هي الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الامريكية على ايران بان تمنع تصدير النفط وان تفرض العقوبات على الشركات التي تتعاون مع ايران وعلى سوريا من خلال قانون قيصر حيث يمنع على أي شركة ان تتعاون مع النظام السوري في مشروع إعادة الاعمار وعلى حزب الله في لبنان من خلال اسقاط لبنان اقتصادياً ومن خلال الترويع اعلاميا بمختلف الوسائل بان حزب الله هو المسؤول عن هذه الحالة الاقتصادية وعن التردي الاقتصادي، اذا هذه هي الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة الامريكية مع العملاء الاتباع خصوصاً على مستوى اعلام بعض الدول العربية وبعض الإعلاميين في دول مختلفة الذين يشاركونها في هذه الحملة على محور المقاومة على ايران وسوريا وحزب الله.
في لبنان تمارس الولايات المتحدة الامريكية ضغوطاً مباشرة من خلال منع أي دولة من تقديم المساعدة للبنان من خلال منع ادخال العملة الأجنبية (الدولار) الى لبنان ومنع التحويلات وفرض الضغوط على هذه التحويلات بحجة الإرهاب ومنع الاستفادة من امكانيه الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي. هذا ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر وكما ذكرنا سابقاً فهي تريد ان تحول المشكلة الى مشكلة حزب الله وان حزب الله هو المسئول عن هذا الوضع ولذلك بدأت بعض الأصوات تطالب بسلاح المقاومة وبتطبيق القرارات الدولية 15 و 59.
كل هذا يأتي في اطار الضغوط الامريكية على لبنان وأيضا من الضغوط غير المباشرة هي تريد ان تمنع قبول لبنان باستيراد النفط الإيراني حتى مقابل العملة المحلية لتزيد من تفاقم الازمة الاجتماعية والاقتصادية.
الولايات المتحدة الامريكية لا تشجع محاربة الفساد وأيضا لا تشجع عودة الأموال التي اخرجتها المصارف من لبنان الى الخارج وهي تعلم بكل الأموال التي تخرج من لبنان وتوضع في المصارف الامريكية او الأوروبية، فهي لو أرادت المساعدة حقاً فهي تعرف كل هذه الأرقام وكل الأسماء التي وضعت هذه الأموال لهذا السبب فهي لا تريد ان تقدم المساعدة في هذا المجال ولا تريد محاربة الفساد، هي تريد ان يستمر الوضع على ما هو عليه وان يصبح المجتمع اللبناني أكثر ضعفاً اقتصادياً واجتماعياً، وهي تعتقد ان مثل هذا الامر يمكن ان يجعل المقاومة في وضع صعب وان يجعل بيئة المقاومة ايضاً في وضع صعب.
تسنيم: هناك العديد من قادة الكيان الصهيوني ايضا يعتقدون انه ينبغي على أمريكا ان تزيد من ضغوطاتها السياسية والاقتصادية على لبنان لاضاف حزب الله اقتصاديا فهل تعتقد ان الأزمة الاقتصادية ستضعف حزب الله ام انه قادر على ان يبدلها لفرصة وما هي الخطط المتاحة امام حزب الله لخلق مثل هذه الفرصة وافشال الضغوط الاقتصادية؟
عتريسي: لا شك ان كل الأطراف المعادية للمقاومة خصوصا الكيان الصهيوني طبعا هي سعيدة بمثل هذه الضغوط الاقتصادية التي تمارس على لبنان وعلى الشعب اللبناني وعلى حزب الله وعلى المقاومة، وهي تتمنى ان تؤدي هذه الضغوط الى اضعاف قدرات المقاومة والى تراجع بيئة المقاومة. هذه هي الرغبات الصهيونية والأمريكية ورغبات الحلفاء، لكن في حقيقة الامر فان حزب الله لا يقف مكتوف اليدين وينتظر ما ستقوم به الولايات المتحدة الامريكية او ينتظر ان يصل التدهور الى نهايته. حزب الله قام بمبادرات سياسية بالدرجة الأولى واقتصادية، ودعا الى ما اطلق عليه التوجه شرقاً يعني اذا كان الغرب لا يريد تقديم المساعدات ولا يريد التعاون في المشاريع الإنمائية في الكهرباء وغير ذلك، فعلينا ان نبحث عن حلول أخرى وبأن نتوجه شرقاً نحو الصين وايران ونحو دول أخرى موجودة ومستعدة للمساعدة. هذا نوع من الرد من جانب حزب الله على هذا الحصار الأمريكي، وأيضا ضمن استراتيجية حزب الله للرد تم دراسة الواقع وتشكيل لجان ووضع خطط للتعامل مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي في معظم المناطق اللبنانية وخصوصاً في المناطق التي تتواجد فيها بيئة حزب الله وهذا يعني انه سيتم تامين دعم مباشر للعائلات من دون مقابل وأيضا سيتم تامين استيراد مواد غذائية وغير ذلك على ان تباع بأسعار مخفضة وهذا يخفف الكثير من واقع الازمة ويمنع انهيار المجتمع، ويفشل الخطط الامريكية. اذا فحزب الله لا يقف مكتوف الايدي بل يعمل باتجاه مضاد ويقوم بمبادرات سياسية واجتماعية في وقت واحد.
تسنيم: هل ستتمكن الحكومة برئاسة حسان دياب من تنفيذ الخطة الاقتصادية التي وعدت بها لمعالجة الازمات الاقتصادية مثل حل أزمة الديون المتراكمة ورفع قيمة الليرة اللبنانية وتقليص اعداد البطالة ام انها ستهزم امام حلفاء الغرب داخل لبنان وكذلك بسبب عدم تعاون المنظمات الاقتصادية الدولية كـ صندوق النقد الدولي؟
عتريسي: حكومة الرئيس حسان دياب هي في وضع صعب لان الواقع الاقتصادي الذي ورثته من الحكومات السابقة هو وضع يشبه الكارثة خصوصا مع الانهيار المتسارع للعملة الوطنية وفي الخدمات المختلفة التي تقدم للمواطنين، وبالإضافة الى ذلك ثمة هناك حصار امريكي مفروض على هذه الحكومة وهناك من الداخل أيضا قوى كثيرة تعتبر نفسها في صف الولايات المتحدة الامريكية وتريد افشال هذه الحكومة وتعمل على اسقاطها سواء عبر التلاعب بموضوع الدولار او عبر التمويل الإعلامي والنفسي على الحكومة. او عبر الطلب من الخارج او من دول عربية عدم تقديم مساعدة، ولهذا السبب فان وضع حكومة حسان دياب صعب للغاية ولكن في الوقت نفسه الرئيس حسان دياب قام بمبادرة واستقبل السفير الصيني وبنفس الوقت استقبل وفد عراقي للبحث في إمكانية استيراد النفط وإمكانية الاستثمارات مع الصين، وهذا في حقيقة الامر خطوة إيجابية كبيرة جعلت الحكومة في وضع أفضل وتستطيع ان يكون لديها أوراق قوة في التفاوض حتى مع الغرب وعدم الرضوخ والاستسلام للغرب، ولغاية الان الحكومة تقوم بهذه الدورة وتقف في الوسط الى حد ما، فهي لن تستسلم ولن يسمح لها بالاستسلام للغرب، لكن في ذات الوقت هي تحتاج الى خطوات اكثر جرأة والى ان تتقدم الى الامام وان تعقد اتفاقيات مع العراق وبعد ذلك تستطيع ان تواجه الولايات المتحدة الامريكية وتخفف الضغوط خشية ان يذهب لبنان بعيداً باتجاه ايران او الصين او العراق او دول أخرى.
تسنيم: بالرغم من جميع المشاكل الاقتصادية التي بات يعاني منها لبنان هل تعتقد انه سيكون خاضعا امام مايعرف بقانون قيصر الأمريكي الداعي لعدم التعاون الاقتصادي مع سوريا ام ان لبنان سيفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي مع سوريا باعتبارها البوابة الوحيدة للتعامل مع بقية دول العالم؟
عتريسي: قانون قيصر طبعا هو موجه بالدرجة الأولى الى سوريا لمنع إعادة الاعمار ومشاركة الكثير من الدول بإعادة الاعمار واضعاف الرئيس السوري خصوصاً ان الانتخابات الرئاسية ستجري بعد فترة ليست ببعيدة وبالتالي فالهدف هو اضعاف الرئيس السوري وإبقاء سوريا بعيدة عن الحل السياسي وابقاءها رهينة الموقف الأمريكي الاقتصادي.
لبنان طبعا يتأثر من القانون لان سوريا هي البوابة البرية الوحيدة له لتصدير منتجاته ولاستيراد أيضا ما يحتاجه من الخارج براً، ولهذا السبب لبنان لا يستطيع ان يقبل بالانصياع لقانون قيصر، وطبعا المشكلة انه ثمة هناك انقسام في لبنان وليس هناك موقف وطني موحد تجاه هذه المسالة، فهناك بعض القوى السياسية المؤيدة للولايات المتحدة الامريكية وترحب بهذا القانون وتعتبر انه يضعف سوريا وبانها تستفيد من هذا الامر، ويضعف حزب الله في الوقت نفسه، فبعض القوى في لبنان تفكر في هذه الطريقة لكن بتقديري لا يمكن ان يسمح باقفال المعابر والحدود بين لبنان وسوريا او وقف التعامل او وقف التصدير والترانزيت عبر سوريا، فهناك اتفاقيات مبرمة بين لبنان وسوريا، اتفاقيات تعاون وتنسيق مشتركة على جميع المستويات يستطيع لبنان ان يعود اليها. قانون سيزر لا يلغي مثل هذه المعاهدات وباستطاعة لبنان سواء بطرق مباشرة عبر الحكومة او عبر الوسطاء المباشرين او بطرق غير مباشرة ان يتجاوز قانون قيصر، لان الأهم هو وضع لبنان وقدرات لبنان الاقتصادية والاجتماعية التي لا تستطيع ان تتقدم الا من خلال إبقاء البوابات مفتوحة مع سوريه ولهذا السبب بتقديري انه لن يسمح بقطع مثل هذه العلاقات مع سوريه وسيكون هناك جهود كبيرة سواء مباشرة او غير مباشرة لاستمرار العلاقات والتبادل والترانزيت والعبور من لبنان الى سوريه الى باقي الدول العربية.
/انتهى/