السلام الإبراهيمي بين الواقع والمعتقد

شهدت الحديقة الجنوبية من البيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020، حفل مصاهرة صهيوعربية باستضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث زوّج الأخير، الإمارات والبحرين للكيان الصهيوني تحت عنوان اتفاقيات السلام الإبراهيمي.

 ابراهيم آل ابراهيم

ولم يمض وقت كثير على ذلك حتى تهرع السودان في 23 أكتبر 2020 كي لايفوتها قطار السلام المزعوم، كما أن المغرب التحقت بركبهم في 10 ديسمبر 2020، استكمالا لمشوار تعدد زوجات اسرائيل والذي بدأ منذ عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في 17 سبتمبر 1978 بكامب ديفيد، وذلك بتزويج مصر عدوتها التاريخية اسرائيل! ثم الأردن في 26 أكتوبر 1994 بوادي عربة.. لتكتمل تشكيلة الزوجات العربية لدى اسرائيل بنكهات متنوعة من المغرب العربي إلى مشرقه وليتربع مَن اغتصب فلسطين الفتاة، بين العرب يسرح ويمرح دون رادع.

نُسِبَت اتفاقيات إبراهيم للسلام (Abraham Accords) أو ما تسمى بالسلام الإبراهيمي، إلى النبي ابراهيم عليه السلام حيث تُنسب اليه العرب مِن وَلَدِه إسماعيل واليهود مِن وَلَدِه إسحاق، لتُمَثّل هذه النسبة الأخوة بين العرب واليهود ولتكن تأكيدا على القواسم المشتركة التاريخية والدينية على زعم الفئات المتفقة.

لانريد أن نتناول موضوع السلام بين اليهود والمسلمين من المنظور السياسي وقد كُتب في هذا الشأن الكثير، بل إنّما نريد أن نتطرق له من منظور ديني وعقائدي وسنستدل بنصوص قرآنية لا إجتهاد أمامها، كما نذكر مواقف من السيرة النبوية الشريفة، لنكشف الملابسات السياسية التي تحصل اليوم بالمنطقة باسم الدين والمعتقدات.

شهد التاريخ بين اليهود والمسلمين محطات بارزة منذ عصر الرسالة وما تلته من عصور اسلامية حتى يومنا هذا، ولعل أبرزها، جحود اليهود وعداوتهم للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، حيث كانوا يمارسون العداوة له بطرق شتّى وذلك من خلال المناقشات إلى مَن عملَ له سحرا ومَن حاول قتله منهم وكل ذلك على الرغم مِن أنهم كانوا يعرفون أنه رسول الله ونبيه، ولكن كانوا يكتمون الحق، كما قال الله تبارك وتعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (البقرة:146).

ويذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسير الآية :« وَخَصَّ الْأَبْنَاءَ فِي الْمَعْرِفَةِ بِالذِّكْرِ دُونَ الْأَنْفُسِ وَإِنْ كَانَتْ أَلْصَقَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِ بُرْهَةٌ لَا يَعْرِفُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِ وَقْتٌ لَا يَعْرِفُ فِيهِ ابْنَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: أَتَعْرِفُ مُحَمَّدًا ﷺ كَمَا تَعْرِفُ ابْنَكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَأَكْثَرَ، بَعَثَ اللَّهُ أَمِينَهُ فِي سَمَائِهِ إِلَى أَمِينِهِ فِي أَرْضِهِ بِنَعْتِهِ فَعَرَفْتُهُ، وَابْنِي لَا أَدْرِي مَا كَانَ مِنْ أُمِّهِ» لكن مع ذلك لم يخفوا الجحد والعداوة والبغضاء ومنها ما ذهب مالك بن الصيف وهو من أحبار اليهود وأكابرهم إلى كفران رسالات الله كلها وذلك لشدة جحوده وكراهيته وبغضه لرسول الله صلى الله عليه و آله، حيث قال: { مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام:91).

ولم يتوقف حقدهم للنبي صلى الله عليه وآله عند ذلك الحد، فمنهم من أغرّ لُبيد بن الأعصم الساحر ليعمل للنبي صلى الله عليه وآله سحرا في جف طلعة ذكر حيث وضعها تحت راعوفة ببئر ذروان إلى أن أخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بمكان السحر فأرسل من استخرجه وأبطله كما يرويه البخاري وغيره.

وتعددت محاولاتهم لقتل النبي صلى الله عليه وآله، ومنها غدرهم به في بني النضير حيث حاول عمرو بن جحاش أن يلقي حجر الرحى على النبي صلى الله عليه وآله عندما كان جالسا تحت حائط لهم، فأوحى الله إلى نبيه ما أضمره اليهود وقام ورجع إلى المدينة ثم أجلاهم بعد ذلك. كما أنهم حاولوا أن يدسّون السُّمّ في طعام النبي صلى الله عليه وآله، على يد زينب بنت سلام بن مشكم التي وضعته في شاةً بعد غزوة خيبر.

وقد جاء ذكر اليهود في القرآن في أكثر من آية وسورة ولعل أبرزها الآيات التي نستنير بها حيث ينهى الله تبارك وتعالى المؤمنين من أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء كما جاء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (مائده 51) وربما جاء النهي بسبب اشتهار اليهود بشدّة عداوتهم للمؤمنين والمسلمين حيث يؤكد عليه كتاب الله عندما يقول: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ } (مائده 82).

ووصف الله تبارك وتعالى اليهود في القرآن بأنهم يوقدون النيران للحروب ويسعون في الأرض فسادا كما يقول: { لَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } (مائده 64).

فهؤلاء القوم الذين يغردون اليوم بسلام مزعوم قد رفضه الله تعالى في محكم كتابه حيث يخاطب رسوله صلى الله عليه وآله: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } (بقره 120).

كما أنه، لو شاء الله ذلك وكان مقدرا مكتوبا لفعله النبي ابراهيم عليه السلام بنفسه ولم يفصل بين زوجتيه وبنيهن حيث ترك سارة واسحاق في كنعان وجاء بهاجر وابنه الأكبر اسماعيل الى مكة ودعا الله: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } (إبراهيم 37).

وأجاب الله دعا النبي ابراهيم عليه السلام حيث بعث من وُلد اسماعيل أشرف الأنبياء والمرسلين وجعل أفئدة الناس تهوى إليه وأخرج معه أمّة مسلمة يصفها جل وعلى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }(آل عمران 110) بينما يقول الله تعالى عن أهل الكتاب ومنهم اليهود في نفس الآية الشريفة { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }، لكنّما ضلّ بني اسرائيل سواء السبيل، حيث كانوا { يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (آل عمران 21).

وأخيرا وليس آخرا، هل يمكن أن نترجم اتفاقيات ابراهيم للسلام اتباع العرب لليهود؟ وقد نهى الله عنه رسوله والمؤمنون! وأين كانت أخوتكم يا عرب مع اليهود الصهاينة عندما عملوا المجازر بحق أهلكم في فلسطين ولبنان؟ وكيف يمكن التآخي مع أشدّ الناس عداوة لكم؟! وكيف ترضى لكم شعوبكم؟!.

أفيقوا يا عرب!.

ما هكذا يا سَعد تُوردُ الإبل!.

/انتهى/