مصر وإيران.. وتقارب الضرورة
الوقت يغيِّر ولا يتغيَّر. والحال لا تبقى ثابتة ساكنة. والصراع مهما يكن ضارياً، تأتي عليه لحظة ليتحول من مواجهة إلى وفاق، وتعاون.
إلهامي المليجي
والدول والأمم الذكية تغيِّر أقدارها حين تجد نفسها في نفق طويل مظلم، حتى لو بدا الأمر حتمياً ومقدساً؛ خاصة حين ينطلق من عقائد وأفكار موروثة من صراع قديم، تغذيه أحداث معاصرة، وفي غالب الأحيان تتحكم الجغرافيا في مسار الأحداث، فهي ثابتة ولن تنتقل حتى تباعد التاريخ.
في هذا السياق استقبلتُ مثل كثيرٍ من أبناء أمتنا العربية خبر توصل إيران والسعودية إلى اتفاق، برعاية صينية، سيفضي إلى استئناف العلاقات السياسية بارتياحٍ كبير.
إنها لحظة بمثابة زلزال سياسي، سيسهم بلا شك في تفكيك أزمات المنطقة المتشابكة.
إنه حدث مهم، سيعيد طرح الأسئلة الحائرة: متى نشهد استعادة للعلاقات المصرية - الإيرانية؟ ولماذا تظل، على مدى ما يقرب أربعة عقود ونيف، في خط متذبذب، ما بين تقارب وتباعد؟ ولِمَ لا تتجاوز مستوى رعاية المصالح إلى المستوى السياسي؟ ولِمَ لا يتراوح التبادل التجاري بين البلدين إلا بين بضع مئات من ملايين الدولارات؟.
إنه رقم متواضع للغاية، لا يتناسب مع التقدم الاقتصادي والتكنولوجي في البلدين!.
وإلى متى تظل هناك معوقات تحد من وجود قنوات اتصال بين البلدين، وتمنع تبادل الوفود الاقتصادية وزيارات رجال الأعمال؟.
فهناك غياب شبه تام لتبادل الوفود السياحية بين البلدين.
ومادامت إجابة هذه الأسئلة حائرة، فإنني أرى أن الحالة الراهنة لا تتناسب مع بلدين عريقين، تمتد جذور علاقتهما إلى أعماق التاريخ، وتجمعهما روابط ثقافية ودينية وحتى اجتماعية.
ولذا أعتقد أنه أصبح من الضروري أن تستعيد مصر وإيران علاقتهما الدبلوماسية، فذلك سيعود بالنفع على البلدين، ويسهم بشكل كبير في ترسيخ وتعظيم مكانتهما في الإقليم، كذلك يمكن لهما أن يسهما بدور مهم وفعال في حل كثير من قضايا المنطقة، خاصة القضايا المتلازمة: السورية والفلسطينية واليمنية واللبنانية.
ويمكن للبلدين، إذا ما تعاونا، أن يشكلا رقماً مهماً، في لحظة التحول التاريخية التي يمرّ بها العالم؛ فمن المتوقع إنشاء عالم جديد، متعدد القطبية، تبدو ملامحه تتشكل على أنقاض العالم أحادي القطبية الذي يجثم على صدورنا منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.
إن إيران تحتل مكانة جيوسياسية، وموقعاً إستراتيجياً مهماً في الإقليم، بحكم موقعها الجغرافي المهم في منطقة الخليج (الفارسي)، وقربها من آسيا الوسطى، وجمهوريات القوقاز، وكذا تحتل موقعاً إستراتيجياً في "طريق الحرير".
وإيران قوة اقتصادية هائلة، تمتلك موارد ضخمة من النفط والغاز، ويمكن أن تمثل سوقاً كبيرة للبضائع والمنتجات المصرية، ويمكن أن تمثل مورداً سياحياً مهماً لمصر، خاصة في مجال السياحة الدينية؛ حيث مزارات أهل البيت (ع) في القاهرة الفاطمية.
أما مصر فتحتل مكانة عظمى في محيطها العربي والإسلامي، وكذلك في المدار الإفريقي والمتوسطي، وهذا ما يعزِّز من مكانتها الجيوسياسية، فضلاً عن إرثها الحضاري والثقافي العريق، وهي ركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة، ومفتاح للقارة الإفريقية، والقارة الأوروبية.
الخيار للآن للمصالح الإستراتيجية بين الشعبين المصري والإيراني، فمن يستطيع تجاوز العقبات الموروثة، ويتعامل ضمن سياق واقعي، سوف يحوِّل الوضع الراهن إلى فرصة، فالثبات جمود، والجمود دائماً عكس التيار، والتيار الآن هو التغيير في قواعد اللعبة على مستوى العالم الراهن.
/انتهى/