حرب إسرائيل على الطلاب الفلسطينيين؛ في المدارس والبيوت

رصاصةٌ غادرةٌ من مستوطنٍ اسرائيليٍ حاقد أصابتها في صدرِها وهي ترقبُ مشهدَ اعتداءاتِ المستوطنين على قريتهِا قريوت جنوب نابلس شمالَ الضفة الغربية من نافذةِ غرفتِها فقتلتها وقتلت معَها أحلامَها البريئة بعد أنْ استعدَت بكتبِها وزيِها المدرسي لعامِها الدراسي الجديد.. انها الطالبة الشهيدة بانا البوم.

يا لها من مأساة كبيرة، أن تُقتل فتاة في عمر الزهور، لم تعرف من الحياة سوى الأحلام والطموحات والفرح الذي كانت تلمسه في كل تفاصيل يومها. هي لم تكن تحمل سلاحاً، كانت تحمل فرشاة رسم ودفتر أحلام، كانت تشارك في النشاطات الاجتماعية وتحب الحياة كما كل الأطفال في عمرها. كان قلبها مفعماً بالبراءة، ولكن رصاصة غادرة اخترقت نافذة غرفتها الآمنة، لتستقر في قلبها، وتحرمها من كل ما كانت تحلم به.

‎إنه لأمر صعب ومؤلم أن نتصور حجم الخوف والألم الذي عاشته هي وأخواتها في تلك اللحظة، حين كانت في غرفتها بين أخواتها، تشعر بالأمان والسكينة. كل أحلامها البسيطة، كل أمانيها الصغيرة التي تملأ عالمها، قد أُطفئت بفعل عنف لا معنى له.

 

 

‎هذه الطفلة لم تكن فقط ضحية لعدوان غادر، بل كانت أيضاً شاهدة على حجم الظلم الذي يمكن أن يصل إليه البشر. لم يُترك لها ولا لأخواتها مجال للحلم بالغد، بل قُتلت آمالهن قبل أن تبدأ. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وعسى أن يكون موتها نقطة بداية لتحرك الضمائر، والدعوة لتحقيق العدالة ووقف العنف ضد الأبرياء.

أجواءٌ من الوجعِ وظلالٌ من الألم خيمت على مدرسةِ قريوت الثانوية حُزنًا على فراقِ ابنة المدرسة الطفلة بانا البوم التي سبق استشهادُها العامَ الدراسي بيومين فقط.. زميلاتُها في المدرسة اعتدن كلَّ صباحٍ مدرسيٍ على بدءِ يومِهِنَّ بالاستماعِ لترتيلِها لآياتٍ من القرآنِ الكريم.. سيفتقدنَ عذوبةَ صوتِها وطلتِها ورسوماتِـها الجميلة.

من المؤلم أن نرى الحياة تُسلب من شخص كان يحمل في قلبه كل هذا النقاء والطهارة، كان يُفترض أن يكون مستقبلها مليئًا بالفرح والإنجازات، لكنها رحلت وهي تسعى لحفظ القرآن، وقد اختارها الله وهي في هذه الحال المباركة. إنها شهادة على طهارتها وبراءتها، وعلى الروح الطيبة التي حملتها في قلبها.

كم هو مؤلم أن يبقى مكانها فارغًا، مجرد ذكرى صامتة لروح جميلة رحلت قبل أوانها. صورة تملأها البراءة، وردة تجسد الحب الذي حملته في قلبها، وكتاب يرمز لأحلام كانت تسعى لتحقيقها. حالها كحال آلاف الأطفال في غزة الذين حُرموا من أبسط حقوقهم، حقهم في الحياة والأمل والتعليم.

هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا أي ذنب، لم يكونوا سوى أبرياء يحملون أحلامًا بسيطة، وأمنيات لا تتعدى حقهم في العيش بسلام. الاحتلال لم يكتفِ بحرمانهم من الحلم، بل حرمهم من حقهم في الحلم بمستقبل أفضل.

بدا المشهدُ في المدرسةَ سوداويًّا إلا من بعضِ تفاصيلِ الحضورِ للشهيدةِ الغائبةِ الحاضرة رغمًا عن الغياب.. فهي حاضرةٌ في قلوبِ زميلاتِها ومعلماتِها وذويها وكلِ من عرفها بحسنِ معشرِها وطيبةِ حضورِها.

/انتهى/