في ذكرى أربعين شهادة قائد محور المقاومة: من أنت يا نصرالله! حوار خاص لـ "تسنيم" مع الدكتور محمد هاشمي

في ذكرى أربعين قائد المقاومة وسيدها، الشهيد الكبير السيد حسن نصرالله، وكالة تسنيم الدولية للأنباء في حوار خاص عن سماحته، تلتقي بصديق سماحة الشهيد وتفتح معه صفحات من تاريخ السيد حسن نصرالله الشهيد الذي نبض دمه بوطنه وبفلسطين.

 

 

السيد الشهيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، الأمين العام لحزب الله، الذي استشهد دفاعاً عن وطنه وعن الأمة ككل، الفارس والقائد الذي رحل وعينه شاخصة على وطنه لبنان، القائد الألطف والشهيد الأقدس، والرجل الذي عرفه العالم واهل المقاومة قائداً فذّا حمل للبنان بشائر النصر سابقاً، وستحمل شهادته بشائر النصر الحاتم والحاسم قريباً.

وكالة تسنيم إلتقت بصديق السيد الشهيد، الدكتور محمد حسين هاشمي، المستشار الثقافي الإيراني السابق في لبنان وكان حديثاً في المقاومة والشهادة والمعرفة القريبة للسيد.

 

 

معرفتي بالشهيد السيد حسن نصرالله قديمة، ودراسته الحوزوية توّجت بإجازة من الإمام الخميني(قده)

من بداية المعرفة والعلاقة التي جمعتهما بدأنا اللقاء، حيث يقول الدكتور هاشمي أن علاقته بسماحة الشهيد السيد حسن نصرالله (رضوان الله عليه) تعود إلى أواخر الثمانينيات عندما جاء سماحته إلى إيران لمواصلة دراسته العلمية في مدينة قم بعد قدومه من النجف، وفي تلك الأيام حصلت المعرفة بسماحة السيد حسن نصرالله وكان حينها في مقتبل العمر، ومن المفارفات في حياته العلمية أن دراسته الحوزوية  تُوِّجت وهو لم يبلغ الـ 22 من عمره، توّجت بإجازة من الإمام الراحل الإمام الخميني(قده)، وكانت هذه الإجازة لهذا الشاب اللبناني الذكي جداً صدى واسعاً في الحوزة آنذاك، وهذا يعود الى أن السيد حسن نصرالله ومنذ شبابه كان ذكاءه وفطنته كبيران جدا، وكان هذا أيضاً واضحاً لكل من يعرف ويلتقي السيد الشهيد، بعدها عاد الى لبنان ليتولى المجلس التنفيذي في حزب الله، وفي تلك الأيام، بعد عودته الى لبنان، كان عندي مهمة في لبنان وهي تأسيس المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت، وفي لبنان كان للسيد حسن نصرالله الشهيد العظيم دوراً في تأسيس المستشارية من خلال مساعدته لي نظراً لمعرفتي به وكنت استفيد بتوجيهاته لي.

الشهيد السيد حسن نصرالله كان محط إعجاب قادة دول عربية وعالمية

وفي حديثنا عن مزايا وصفات القائد الكبير الشهيد السيد حسن نصرالله، وأمام ما تميّزت به سيرة حياته، قال هاشمي بأن الكلمات عاجزة عن وصف هذه الإسطورة في كل مجالاتها، اسطورة في العزة والشجاعة والإقدام والمحبة، فالشهيد القائد كان رجلاً متواضعاً جداً ومحبوباً جداً وهو صاحب الأخلاق العالية، ونحن اليوم في حالة فقدان له وليس نحن فقط بل أن كل العالم يفقتده، ومن الجدير الذكر أن سماحة الشهيد استطاع وخلال سنوات قليلة أن يصل الى مستوى عال من الدراسة الحوزوية في المجالات العلمية، وأذكر هنا، أنه في لقاءاتي الدولية، وأثناء لقاءاتي بالشخصيات والقادة العرب والعالم، كانت هذه الشخصيات وقادة بعض الدول الكبيرة، كانت معجبة بشخصية السيد حسن نصر الله، ولا يمكن أن أذكر بعض الأسماء نظراً لحساسية موقع هذه الشخصيات، لكنها كانت معجبة به وبشخصه وصدقه وأداءه، وكانوا فعلاً يسألون عن مكان دراسته وتحصيله العلمي نظراً لعلمه الوافر وبلاغاته الواضحة من خلال إطلالاته، وكانت طبعاً هذه الشخصيات تسأل في الغرف المغلقة وليس في العلن، المهم أنهم كانوا معجبون بشخصية السيد حسن وذكاءه في مختلف المجالات.

الشهيد السيد نصرلله قائد عالمي واجه المشروع الصهيوني عسكرياً وسياسياً بجرأة وشجاعة قلّ نظيرها

ويضيف الدكتور محمد حسين هاشمي في حديثنا الخاص عن سماحة السيد الشهيد، بأن المستوى العلمي للسيد كان مستوى راق جداً، وهو من الشخصيات العالمية التي قلّ نظيرها، كما ان جرأته واضحة من خلال قيادته للمقاومة، ولا يمكن لأي رجل أن يكون قائداً بهذه الجرأة وبهذه الصلابة ويتعرّض لهجمة شرسة من أشد الناس قساوة، هؤلاء الصهاينة المتوحشون الذين يحملون الفاشية التوراتية التي نراها اليوم، وليس فقط اليوم بل منذ عقود ومنذ تأسيس الصهيونية، فسماحة السيد بقدرته وشجاعته وبسالته وصلابته إستطاع أن يقف أمام هؤلاء إن كان في المواجهة العسكرية على أرض الواقع في جنوب لبنان أو من خلال المواجهة السياسية. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن العدو كان يعترف بصدق السيد ووعده ووفاءه لوعده، ومن خلال هذه المواجهة في حياته الجهادية والسياسية بانت وظهرت الكثير من سمات شخصيته وخرجت إلى العالم بصدقها كما هي من خلال خطاباته وتعرّف العالم على قائد شجاع لا يهاب الأعداء ، وبذل ما بوسعه ودفع نفسه من اجل المقاومة وإستمرارها ونصرها ، وظهر هذا البذل في الكثير من المواقف.

 

بين الإمام السيد موسى الصدر والشهيد السيد حسن نصرالله وحدة طريق ومسير وفلسطين

إذاً، علاقة عمرها عشرات السنوات جمعت بين سماحة الشهيد السيد حسن نصرالله والدبلوماسي الإيراني الدكتور محمد حسين هاشمي، ولم تنحصر هذه المعرفة والعلاقة بين هؤلاء الرجلين فقط، بل إن المعرفة والعلاقة جمعتهما مع الإمام السيد موسى الصدر، وهنا نعود بالزمن مع الدكتور هاشمي، ليذكر لنا كيف كان سماحة السيد نصرالله رضوان الله عليه يعشق السيد موسى الصدر، قائلاً: " لمست هذه المحبة والمكانة الخاصة للإمام الصدر في حياة السيد الشهيد من خلال كلامه الذي سمعته شخصياً منه، وكان في عدة جلسات يتطرق إلى العلاقة التي جمعته بين السيد موسى الصدر، وكان السيد حسن يتحدث، ونحن نعلم جميعاً، عن دور السيد موسى الصدر في الدفاع عن الطائفة الشيعية في لبنان وتعزيز مكانتها الثقافية والإجتماعية والحياتية وترسيخ العلاقات بين الطوائف وتعزيزها، ثم أكمل سماحة الشهيد السيد حسن نصرالله هذا الطريق الذي بدأه السيد موسى الصدر"، إذاً تشارك السيدان في وحدة المسيرة والطريق المشترك في مقاومة الكيان الصهيوني وترسيخ الوحدة الوطنية ودورهما في الدفاع عن القضية الفلسطينية وقضية المقاومة، وبفضلهما أصبح لبنان رقماً صعباً في جدول أعمال الكبار.

سماحة الشهيد أسّس لمشروع مقاومة تحتضنها الشعوب العربية والإسلامية والعالمية

لم يُخلق السيد حسن نصرالله ليكون إنساناً عادياً، بل هو رجل من رجال الله الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام، ولد وولدت المقاومة معه، وفي هذا يقول هاشمي بأن سماحة الشهيد السيد حسن وهذه الذرية الطيبة من آل البيت، هؤلاء دأبهم الدفاع عن المظلومين والوقوف في وجه الظالمين، وثقافة المقاومة في حياة السيد حسن ثقافة متأصلة جداً، وهي ثقافة عقائدية، وأسّس لمقاومة تؤكد واجبها الوقوف أمام هذا الغاصب للقدس والذي يتعدى على لبنان ويحاول مهاجمته وإحتلاله كما حصل عام 82، فسماحة الشهيد السيد خلال حياته رسم خطاً ونهجاً وأسس مدرسة جمعت كل قوى المقاومة في المنطقة، فاليوم المقاومة أصبحت تشكّل العصب الوحيد في العالم الإسلامي وإهتمامه، فالسيد حسن بدأ ببناء حضارة إسلامية جديدة ، وهنا لا بدّ من الإشارة الى نقطة مهمة جداً بأن لا يمكن حصر السيد حسن نصرالله ووجوده بمواجهة الكيان الصهيوني فقط، بل إن وجوده تخطى هذا المشروع الى مشروع بناء جديد للأمة الإسلامية، لهذا اليوم نحن عندما نتحدث عن البيئة الحاضنة لحزب الله، لا نتحدث فقط عن بيروت أو الضاحية الجنوبية أو لبنان، اليوم مع سماحة السيد حسن نصرالله باتت الشعوب الإسلامية والعربية وحتى العالمية حاضنة للمقاومة.

 

شخصية السيد الشهيد شخصية منفتحة وهو القائد المحبب دون شرط

الحديث عن سماحة العشق يحتاج الى أيام، لكن حاولنا في هذه الساعة من اللقاء ان نتعرف على جوانب مختلفة من حياة السيد القائد الشهيد، نكمل حديثنا مع الدكتور هاشمي لنتعرف منه على كيفية تعامل سماحته مع الأصدقاء والمقرّبين، وهنا يقول الدكتور هاشمي، أن السيد حسن نصرالله كان منفتحاً على الجميع دون استثناء، وصاحب شخصية ترحب بالجميع، إذ كان يجمع على مائدته وسفرته وفي منزله اصدقاء من جميع الطوائف، لذلك استطاع أن ينسج ويُوجد شبكة واسعة من العلاقات سواء السياسية أو الثقافية أو الإجتماعية،سنة وشيعة ومسيحية ودرزية، وكان يتواصل مع أصدقاءه ومعارفه وجمهوره بمحبة وعاطفة شخصية، حتى المخالفين لحزب الله في لبنان يقدّرون للسيد شخصيته وثقافته وعلمه وقيادته وإطلاعه وحضوره، وثقة الناس بكلامه وصدقه كبيرة جداً، فهو القائد المحبب دون قيد أو شرط.

 

 

قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي: من حقّ سماحة السيد حسن نصرالله أن يستشهد

وفيما يخص الشهادة في حياته، قدّم الدكتور هاشمي لمفهوم الشهادة عند سماحة السيد الشهيد، أنه كان عاشقاً للشهادة، وكما قال قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي حفظه الله: "حقه أن يستشهده"، فهذا الرجل الذي نذر جلّ حياته في خدمة المشروع، مشروع المقاومة ضد العدو والجهاد المبارك والجهاد المقدس، كان بحد ذاته مشروع شهيد، وقدّم ابنه شهيد وقدّم نفسه في هذا المضمار. وفي هذه النقطة أريد أن أذكر ان فريق أمن سماحة السيد كان حساساً جداً للحفاظ على أمنه، لكن السيد في بعض الأحيان كان يزيح المرافقين من أمامه من أجل التواصل مع الجمهور ومع اصدقاءه.. وأختم هذه النقطة بأن السيد كان مشروع شهيد، واستشهد وهو كان يصبو إلى الشهادة، ونحن على ثقة أنه في عليين ومع الآئمة الطاهرين.

المقاومة هي البوصلة في حياة الشهيد وإيران تتبع سياسة حزب الله في مشروع المقاومة

وحول تجسيد المقاومة في حياة السيد نصرالله، قال هاشمي بأن المقاومة كانت ولا زالت بوصلة السيد في كل عمله وقوله، في تواصله مع العلماء والشخصيات السياسية وغير السياسية والمثقفين والأدباء والشعراء، في كل اتجاهاته كانت المقاومة هي البوصلة، وهذه المقاومة هي جلّ اهتمام السيد، وفي تواصله مع الجمهورية الإسلامية كانت المقاومة هي هدفه، ولا بد من الذكر أن  إيران لم تتدخل بشؤون لبنان يوماً، نعم إيران تدعم المقاومة وكل فصائل المقاومة، وهذا ليس مخفياً، بل تدعمها امام مرآى العالم في كل دول محور المقاومة، وهذا ما قاله السيد حسن مراراً وتكراراً بأن ايران تدعم المقاومة ولا تتدخل في لبنان، وأقول بأن ايران تتبع سياسة حزب الله وكل سياسات المقاومة التي تقاوم هذا العدو الصهيوني.

استشهاد السيد كان له وقع خاص، وهو أيقونة نادرة جداً عند شعوب العالم

وعن خبر استشهاده يقول هاشمي أن كل من يدخل الحياة الجهادية يُتوقع له الشهادة، ذلك أننا أمام معركة شرسة وهذا العدو مجنون، لذا فإن مشروع الشهادة متوقع للجميع لا سيما من يدخل هذا الميدان والمواجهة، وما احلى ان يستشهد الإنسان في لبنان في معركة العزّ والكرامة، هذا مع الأخذ بعين الإعتبار أن القادة لهم وقع خاص عند الجمهور وعند الأحرار، والناس في كل دول العالم تنظر للسيد بأنه ايقونة خاصة، لهذا عندما استهدف الكيان الضاحية الجنوبية لبيروت، الجميع وضعوا أيديهم على قلوبهم، لأننا لم نكن نتوقع ان تكون الشهادة بهذه السرعة، لكن نقول أننا فقدنا السيد ونحن بأمسّ الحاجة إليه، نحن لا نحبه، بل نعشقه ولا ننساه أبداً، وهو فاز بالشهادة فوزاً عظيماً، العذاب لنا نحن محبيه ومنتظريه وكنا ننتظره يخرج ليعلن النصر مجدداً كما خرج عام 2000 وعام 2006.

 

محبة السيد الشهيد للشعب الإيراني خاصة جداً، والسيد دخل قلوب الإيرانيين ولم يخرج منها

الى محبة السيد حسن نصرالله للشعب الإيراني إنتقلنا بالحديث، يقول هاشمي بأن سماحته كان يكنّ محبة كبيرة جداً للإمام الخميني الراحل(قده)، ونحن نعرف وندرك كلامه عن ولاية الفقيه وعن كلامه حول قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) وهو صادق في كل ما يقول، لأن السيد كان على علاقة طيبة مع القيادة في ايران والقيادة التي لم تبخل على السيد بشيء، والشهيد الحاج قاسم سليماني (رضوان الله عليه)  كان يتواصل بشكل مباشر مع سماحة السيد نصرالله، وكان في خدمة السيد، وأنا شخصياً كنت أسمع من الشهيد الحاج قاسم سليماني عندما كان يقول: "أنا شخصياً فداء للسيد حسن وفداء للمقاومة"، هكذا كان يعبر ويقول الشهيد قاسم سليماني، وايران تدعم المقاومة كواجب شرعي وإنساني، وهذا ليس بخفي وهذا ممن تشكر عليه الجمهورية الإسلامية، والإيرانيون لا يتوقعون من العالم العربي شكراً أو ان تشكر الدول العربية إيران، وهي لم تشكر ايران إلاّ القليل ممن وفى بهذا العهد، لكن ننتظر أن لا يكون لهم موقف معادي تجاه ايران لانها تساعد المقاومة وتدعمها. ويضيف هاشمي: "السيد حسن ومن خلال وجوده لسنوات بسيطة في ايران استطاع أن يتحدث باللغة الفارسية، وعندما كان يتحدث باللغة الفارسية كان يتحدث بملاحة شديدة، ومن يستمع الى حديثه يعشقه، وهذا يعود الى فطنته وذكاءه، وقد إستطاع ان يدخل الى قلوب الشعب الإيراني وصميم قلوبهم، وحديثه باللغة الفارسية الذي نسمعه محبب جداً الى الشعب الإيراني، ويتناقلون هذه الفيديوهات ، وأؤكد القول أن السيد حسن نصر الله دخل الى قلوب الإيرانية ولم يخرج منها. وسماحة السيد الشهيد، كان يفرحه ويسرّه حضور الشعب الإيراني الجماهيري الكبير في المفاصل المهمة في إيران، مثل ذكرى إنتصار الثورة الإسلامية ويوم القدس العالمي والحضور المليوني للدفاع عن القيادة الإيرانية، وغيرها من المحطات المهمة في الواقع الإيراني، أما ما كان يحزنه فهو الإختلاف السني الشيعي، وهذا الموضوع كان يمسّ السيد بالصميم.

حفظ المقاومة التي تعب واستشهد لأجلها سماحة السيد حسن نصرالله مسؤوليتنا جميعاً

ونفيض بالحديث عن سماحة السيد الشهيد والقائد الكبير والعظيم، ومهما تحدثنا يبقى الكلام قليلاً جداً جداً، وتبقى الكلمات والمشاعر عاجزة أمام ما تمتلئ به قلوبنا من محبة وعشق وإحترام وفقدان، لكن يبقى وتبقى مسؤوليتنا في الحفاظ على هذا الجميل بحفظ هذه المدرسة وهذا الخط المقاوم والذي يجب أن يتواصل ويستمر وحري بنا جميعاً، لا سيما الشعب اللبناني الشقيق، يضيف الدكتور هاشمي، أن نحفظ خطه ومسير حياته ومقاومته، ولو بذلنا الغالي والنفيس.

إنتهى/