صحيفة السفير: صفع القوي لردع الضعيف
اطلقت الجمهورية الاسلامية الايرانية سراح عشرة بحارة أمريكيين اعتقلتهم بعد اختراقهم مياهها الاقليمية على متن زورقين حربيين، المفارقة أن واشنطن بدلاً من ان تذهب بعيدا في التنديد والتهديد، تبادر إلى شكر السلطات الإيرانية على تعاونها في مسألة إطلاق سراح جنود المارينز، فيما تصدّر وسائل الاعلام مشهدَ احتجاز الجنودُ الأمريكيون وهم راكعون بشكل يمس بهيبة أمريكا وسيادتها.
وإذا صحت المعلومات من أن الزورقين لم يخترقا مياه إيران الإقليمية، ومن أن واشنطن اضطرت الى التظاهر بقبول الرواية الإيرانية حتى لا تكون مضطرة إلى الرد والتصعيد، فذلك يعني أن خيار الأمريكيين بمواجهة ايران عسكريا بات خارج الحسبان، وأن الإدارة الأمريكية حريصة على تجنب كل ما من شأنه تعكير صفو التفاهم النووي وتطبيقاته اللاحقة. ومهما يكن، فإن واقعة الزورقين تنطوي على أكثر من رسالة إيرانية باتجاه من يعنيهم الأمر، وتحديدا على خلفية التصعيد مع السعودية.
أولاً: اختارت إيران العمل على لجم التهور السعودي في المنطقة عبر التعرض للأمريكي وهي تتوقع مسبقا امتناعه عن الرد، لقد جاءت واقعة الزورقين بمثابة صفعة للطرف القوي لكي يرتدع منها الضعيف. فالردع الإيراني للرياض من خلال النيل من الهيبة الأمريكية يتفادى الاحتدام المذهبي، وفي الوقت نفسه، يحمل دلالة واضحة بأن واشنطن التي لم تغضب لهيبتها، ليست مستعدة لفعل شيء من أجل المملكة في ما لو قررت طهران رفع مستوى التصعيد معها.
ثانيا: ليس مقبولاً، وفق المنطق الإيراني، أن تتأرجح علاقات الرياض وطهران بين الحافة والهاوية، فيما تنأى واشنطن بنفسها وهي الوصي الأول على المملكة، وإن لم تكن واشنطن هي المسؤولة عن سياسات الرياض التهورية، فهي على الأقل تستطيع لجمها ومنع المنطقة من الذهاب نحو الكارثة. وعليه - وفق المنطق نفسه - إما أن تبادر واشنطن إلى منع الرياض من التصعيد بما يؤدي إلى تعميم التهدئة لتطال الجميع، وإما إقحام الأمريكي في خضم المعمعة التي يفتعلها الحليف السعودي.
ثالثا: الواقعة، في جانب منها، عبارة عن رد إيراني على الادعاء بأن طهران - بعد التفاهم النووي - آخذة بالانضواء تحت المظلة الأمريكية، وعلى محاولات الترويج لتحالف إيراني - أمريكي قيد التشكل لتبرير أي تحالف سعودي «إسرائيلي» مرتقب.
رابعا: مشهد الواقعة برمته لا يخلو من إيحاء إيراني بأن طهران في موقع قوة يتيح لها الانتقال من الدفاع الى الهجوم. وبالتالي فإن المعطى العسكري، لدى الإيرانيين وحلفائهم، بديل جاهز عن التسويات التي يريدونها لأزمات المنطقة، ويجري العمل على عرقلتها من قبل حلفاء أمريكا.
برغم ما أنتجه التفاهم النووي من بيئة مرنة في العلاقات بين أمريكا وايران، فإن ذلك لم يمنع الأخيرة من إحراج الإدارة الأمريكية إلى حدٍ كان من الممكن أن يلامس الخطورة، ويعيد الأمور بينهما إلى سيرتها الأولى، حيث يبدو أن طهران قد بدأت تتبع سياسة لجم التهور السعودي، من دون التفريق والفصل بين ما تقوم به الرياض وتحالف واشنطن معها.
لقد كشف وزير الخارجية الدكتور محمد جواد ظريف عن رؤية طهران لواقع المنطقة ومآلاتها في مقالته الأخيرة لصحيفة «نيويورك تايمز». في مقام التشخيص، قال ظريف إن "البعض في الرياض لا يستمر فقط بعرقلة التسويات بل يبدو مصراً على جر المنطقة كلها إلى المواجهة". وفي مقام إعلان الموقف، لم يتردد رئيس الديبلوماسية الإيرانية من القول: "حتى الآن كان ردنا بضبط النفس، لكن الحكمة لا يمكنها أن تستمر من جانب واحد".