قصة حلب الكاملة منذ الاحتلال حتى التحرير


دمشق - تسنيم: لم تكن مدينة حلب كغيرها من المدن السورية التي شهدت بعض مناطقها حراكاً مسلحاً منذ بداية الأزمة في سوريا، فالمدينة التي تعرف بالعاصمة الصناعية للبلاد، لم تعرف أحياؤها السلاح إلا بعد مرور عام كامل من عمر الأزمة، فكيف وجد الإرهاب طريقه إلى حلب؟

استفادت الجماعات المسلحة منذ بداية الأزمة السورية، من حالة الأمن والأمان التي كانت تشهدها مدينة حلب، حيث لم يكن هناك تواجد لأي جندي سوري في المدينة، ما دفع المسلحين لتشكيل خلايا نائمة في بعض الأحياء، كانت مقدمة لنشوء مجموعات مسلحة، بدأت في منتصف العام 2012  بشن هجمات على المراكز الأمنية للدولة، ليظهر بعدها الدعم الخارجي جلياً، ويبدأ الجيش السوري واللجان الشعبية خوض حرب من جهة الأحياء الغربية للمدينة  لاستعادة ما احتلته المجموعات الإرهابية من الأحياء الشرقية.

أبرز التنظيمات الإرهابية التي ظهرات في حلب كان "لواء التوحيد" المشكّل من حوالي 7000 مقاتل معظمهم من البئية الحاضنة للمسلحين في قرى وبلدات ريف حلب الشمالي القريب من الحدود التركية، تحديداً من بلدات "مارع – عندان – تل رفعت – أعزاز"، وسرعان ما انتشرت بين تلك التنظيمات حالات السرقة والصراع على الزعامات وتقاسم الغنائم، ما أفقدها الدعم الشعبي بعد أن توهّم أتباعها أنّ قادة تلك التنظيمات خرجت في "ثورة حقيقية".

من معارك حلب

بدأت تتوافد إلى حلب عناصر أجنبية تحمل الفكر التكفيري معظمهم جاء من العراق، وآخرين من دول شتى دخلوا إلى سوريا عبر الحدود التركية، للمشاركة في القتال إلى جانب الفصائل المحلية، أبرز جنسياتهم من "ليبيا، الشيشان، تونس، والسعودية".

كانت مدينة حلب، المنطقة الأولى منذ بداية الحرب على سوريا التي تشهد "حرب المدن"، وذلك بعد أن هاجم المسلحون الأحياء الشرقية للمدينة، ما دفع الأهالي في الأحياء التي تقف مع الدولة السورية إلى مساندة الجيش السوري في قتاله للمجموعات التكفيرية، عبر تشكيل قوات شعبية عرفت باسم "الدفاع المحلّي" لمواجهة العصابات الإرهابية المدعومة من تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة الأمريكية.

في شهر حزيران من العام 2012 شهدت مدينة حلب أولى الاشتباكات بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة، وكان حي "صلاح الدين" الواقع جنوب غرب حلب أولى الأحياء التي تشهد حراكاً مسلحاً عنيفاً وذلك بعد أن تلقت المجموعات أوامر من داعميها بالهجوم على نقاط الجيش والأمن السوري، تزامن ذلك مع توجه آلاف الإرهابيين نحو المدينة من الجهتين الشرقية والشمالية للمدينة.

الارهابيون في حلب

بعد معارك عنيفة استمرت أياماً وبدعم من دول عدّة، أعلن "لواء التوحيد"  سيطرته على حي "صلاح الدين" الرئيسي  وسط المدينة، ليبدأ بعدها التوغل في العديد من المناطق في شمال وشرق أحياء "الحيدرية والصاخور وسيف الدولة ومساكن هنانو والسكري"، حيث اشتبكت المجموعات المسلحة مع الجيش السوري، ما دفع السكان في هذه المناطق للنزوح إلى مناطق أكثر أمنا.ً

سريعا انتشر القتال من حي "صلاح الدين" وحي "سيف الدولة" المجاور له، باتجاه مركز المدينة، ومع نهاية شهر حزيران من العام 2012 سيطرت المجموعات الإرهابية على منطقة "الحلوانية" والمدينة الصناعية التي تعرف باسم "الشيخ نجار"

بدأت تعزيزات الجيش السوري بالقدوم إلى مدينة حلب، بعد أن توغلت المجموعات الإرهابية إلى معظم أحياء المدينة القديمة أو ما يعرف بالمدينة الأثرية، وبقيت في تلك الأحياء كخلايا نائمة تنتظر أوامر مشغليها إلى أن اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري والإرهابيين، تركزت على أطراف المدينة القديمة في كل من أحياء "صلاح الدين والسكري والصاخور ومساكن هنانو وباب النيرب والمرجة، ومع استمرار تلك الاشتباكات بدأت الأحياء تفقد حيويتها وأغلقت المحال التجارية وبدأت حركة نزوح كبيرة باتجاه المناطق الآمنة البعيدة عن الاشتباكات.

واصلت تركيا والسعودية وقطر دعمها للمجموعات الإرهابية وإمدادها بالسلاح والمقاتلين عبر الحدود التركية وضخ المزيد من التكفيريين الأجانب بغية التغلغل في عمق أحياء مدينة حلب الشرقية ومنع أي مسلح من أبناء المدينة عن التراجع، ومع نهاية شهر تموز سيطر هولاء  الإرهابيون على أحياء "باب النيرب، الصالحين، الإذاعة" إضافة إلى حي "جمعية الزهراء" شمال غرب حلب.

في شهر آب من عام 2012 احتل الإرهابيون أحياء "المرجة والشعار، وباب جنين والسبع بحرات" على أطراف المدينة القديمة بعد معارك عنيفة مع القوات السورية. بعد ذلك أحكمت الفصائل الإرهابية سيطرتها على كامل الأحياء الشرقية لمدينة حلب والتي تبلغ ثلث مساحة المدينة، أي ما يقارب 45 كيلومتر مربع، وأصحبت معقلاً كبيراً لإرهابيي "جبهة النصرة" والكتائب الشياشيانية والتركستانية داخل هذه الأحياء التي كانت تستهدف يومياً الأبينة السكنية والمدنيين في القسم الغربي والواقع تحت سيطرة الدولة السورية بقذائف الغاز المتفجرة والصواريخ، راح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى منذ بداية الحرب، جلّهم من الأطفال والنساء وطلاب المدارس والجامعات.

عاش المدنيون في الأحياء الشرقية لحلب تحت حصار المجموعات التكفيرية التي تنتمي بمعظمها لجبهة النصرة وحركة "أحرار الشام" وكتائب "نور الدين الزنكي" الإرهابية والتي تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية وتستغلها للضغط على المنظمات الإنسانية بهدف إدخال المساعدات إلى الأحياء الشرقية المحاصرة، لتحتكر تلك المجموعات معظم المساعدات والأغذية الداخلة إليها، ويبدأ الحراك الشعبي ضدها بعد أن عانى الأهالي الجوع والحرمان في الوقت الذي تنعم فيه قادة الفصائل بكل ما تشتهيه أنفسهم من طعام وحاجيات.

الارهابيون

عملت الدولة السورية في فترات عدة على إتمام تسوية لإنهاء معاناة الأهالي في الأحياء الشرقية لمدينة حلب وإخراج المجموعات المسلحة منها باتجاه مدينة إدلب، وذلك عبر فتح عدّة معابر مؤمنة من النواحي الصحية والخدمية وبإشراف من الجانب الروسي، إلا أن "جبهة النصرة" والعناصر الأجنبية كانت تمنع الأهالي في كل مرّة من الخروج وتطلق النار على كل من يحاول العبور من الأحياء الشرقية باتجاه القسم الغربي من حلب حيث تسيطر الدولة السورية.

في 22 أيلول من العام الجاري 2016 ، أي بعد أكثر من 4 أعوام على دخول المسلحين إلى حلب، أعلنت القيادة العسكرية السورية بدء عملياتها في الأحياء الشرقية لحلب، بعد أن طلبت من الأهالي الابتعاد عن مقرات المجموعات الإرهابية، لتبدأ الانهيارات السريعة وتتساقط الأحياء يوماً بعد يوم بالتزامن مع خروج الآلاف من المدنيين الذين عانوا الأمرين على مدى أربع سنوات من تسلّط الإرهابيين عليهم.

والآن يعلن الجيش السوري مدينة حلب آمنة بشكل كامل بعد أن فرض سيطرته على كامل الأحياء الشرقية للمدينة، ليُمحى من قاموس السوريين مصطلح "أحياء حلب الشرقية" وتعود حلب لا شرقية ولا غربية بل حلب الموحدة يرفرف فوق ترابها العلم السوري ذو النجمتين الخضراوين.

قوات الجيش السوري والمقاومة

 

/انتهى/