رئيس برلمان كردستان العراق يؤكد عدم قانونية رئاسة البارزاني للإقليم
تصدي مسعود البارزاني لرئاسة إقليم كردستان في الوقت الراهن يفتقر إلى الخلفية القانونية، ومن المؤسف أن المصالح الشخصية والحزبية سيدة الموقف في الإقليم ومصالح الشعب الكردي أمست أمراً هامشياً
خاص / تسنيم - أجرى مراسل وكالة تسنيم الدولية للأنباء في إقليم كردستان العراق إدريس سليماني حوارا خاصا مع رئيس برلمان الإقليم يوسف محمد تمحورت حول أوضاع المنطقة والإقليم في الوقت الراهن، ولا سيما أزمة رئاسة المحافظات الكردية وتعليق أعمال البرلمان، حيث أكد على أن الحل السياسي وحده ليس كافياً في تفعيل نشاطات البرلمان لأن المشاكل المتعلقة برئاسة الإقليم يجب وأن توضع لها حلول أصولية تتقوم على مبادئ ديمقراطية وقانونية.
واعتبر أن انعدام التخطيط المناسب إضافة إلى المشاكل الناجمة عن الفساد المالي والإداري، كلها أثرت سلباً على حياة إقليم كردستان وأفشلت مشاريع رئاسته في المجال الاقتصادي، ناهيك عن أن المصالح الشخصية والفئوية والحزبية لبعض الأكراد مقدمة على مصالح الشعب الكردي.
وفيما يلي نذكر تفاصيل هذا اللقاء:
مراسل تسنيم: إقليم كردستان العراق واجه في العام المنصرم 2016 م أزمات محتدمة ألقت بظلالها بشكل سلبي على العلاقات بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية، فهل تعتقدون أن الأوضاع ستبقى على حالها إبان العام الحالي أو أنها ستشهد نوعاً من الاستقرار السياسي؟
يوسف محمد: لقد واجهت المنطقة تغييرات كثيرة متسارعة وجذرية، وإثر ذلك شهدنا تغييرات عديدة في المواقف الدولية ولا سيما في روسيا وتركيا وبعض بلدان الجوار، وهذه الأحداث بكل تأكيد لها تأثير ملحوظ على أوضاع إقليم كردستان.
إذا لم يمتلك المعنيون بشأن الإقليم إرادة صادقة وجادة في حلحلة المشاكل العالقة وإجراء تغييرات جذرية في شتى المجالات ولا سيما السياسية والاقتصادية، فلا يمكن التنبؤ بمسقبل زاهر للمحافظات الكردية، وفي هذه الحالة ستبقى المشاكل والأزمات على حالها وسيعاني الشعب الكردي من مشاكل اقتصادية جمة، لذا بحاجة إلى حل جذري بعيد عن المحاصصات الحزبية والتوجهات الفئوية الضيقة.
مراسل تسنيم: تم تعليق نشاطات برلمان إقليم كردستان بسبب الخلافات السياسية المحتدمة بين القوى السياسية الكردية، فهل هناك جهود لتفعيله مجدداً؟ وما هي تلك الجهود التي تبذل حالياً إن وجودت طبعاً؟
يوسف محمد: لقد بذلت جهود حثيثة لإعادة تفعيل برلمان الإقليم، ولكن نظراً لوجود بعض العقبات والعراقيل بقيت المشاكل العالقة على حالها ولم تنجح جميع المبادرات التي اقترحت، وأؤكد لكم بأن الحل السياسي وحده لا يعد كافياً لاستئصال أزمات الإقليم.
ولا شك في أن الحل السياسي بحد ذاته يتطلب إجراء إصلاحات سياسية أساسية في مختلف مؤسسات الإقليم وأروقة الإدارية، فرئاسة الإقليم على سبيل المثال تتطلب منا شحذ الهمم واتخاذ إجراءات عملية جادة ومن ثم سوف تتوفر الأرضية اللازمة لإعادة تفعيل البرلمان من جديد.
مراسل تسنيم: بعد تعليق نشاطات البرلمان الكردستاني في الوقت الراهن وفقدان المؤسسات التي تشرف على نشاطات الحكومة، ففي هذه الحالة هل تزاول الرئاسة نشاطاتها بحرية تامة ودون أية رقابة؟ وهل تعتقدون بأن حكومة الإقليم قادرة على تلبية جميع متطلبات الشعب الكردي؟
يوسف محمد: للأسف ليست هناك أية رقابة على نشاطات حكومة الإقليم، وحتى تلك الدوائر الخاصة بالإشراف والرقابة في بعض الموارد المحدودة تواجه عراقيل جمة من قبل مسؤولي بعض الوزارات، فالحكومة التي تبادر إلى سحب وزارئها على أساس دوافع سياسية هي في الواقع تفتقر إلى المقوامات القانونية في مواصلة حياتها.
مراسل تسنيم: جميع الأحزاب والتيارات السياسية في إقليم كردستان أعلنت مقترحات سياسية لتجاوز الأزمات الحالية، والسؤال الذي يطرح هنا: المثير للاستغراب هو عدم وجود أية مقترحات متشابهة وهذا الأمر يعني صعوبة وضع حل مناسب للمشاكل التي تعترض طريق الإقليم، فيا ترى ما هي أهم العقبات التي تحول دون وضع حل شامل؟
يوسف محمد: أعتقد أنه هناك بعض المقترحات المشتركة ولكنها للأسف لا تتمحور حول مصالح مشتركة، فكل مبادرة يتم التأكيد فيها على مصلحة الحزب أو الجهة اللتين صدرت منهما، بل وهناك مبادرات تضمن مصالح بعض الأشخاص، وهذا الأمر بطبيعة الحال يحول دون وضع حل سياسي شامل ويعرقل مسيرة الإصلاحات المرتقبة التي يجب وأن تكون منزهة عن أية مصلحة شخصية أو حزبية أو فئوية.
لا بد لنا من حلحلة مشاكل وأزمات الإقليم بشكل جذري، والأمر الذي له الأولوية هنا يكمن في وضع مقرارات قانونية معتبرة وحلول أساسية وصادقة لمسألة رئاسة الحكومة في الإقليم كي لا نواجهة هذه الأزمة الخانقة مستقبلاً.
في عام 2013 م تسببت أزمة رئاسة الإقليم بمشاكل سياسية واقتصادية جمة للشعب الكردي، ومن المؤسف منذ تلك الآونة لم يوضع لها حل قانوني أصولي وتم تجاهل جميع القواعد الديمقراطية التي تدعيها أروقة الحكومة، فالرئاسة أمست معضلة عويصة تلقي بظلالها على نشاطات البرلمان في كل حين وبالتالي تسببت بتعطيله بالكامل، وهناك طبعا مستفيدون من هذا الخلل الضار للغاية.
المشكلة الأخرى التي نعاني منها تكمن في عدم وضوح كيفية إنفاق الموارد المالية للإقليم، ولا سيما عائدات النفط، فنحن لا نعرف الآلية التي يتم على أساسها إنفاق هذه الأموال ولا ندري إلى أين تذهب، ولا أبالغ لو قلت بأن النفط هو العامل الأساسي في مشاكل الإقليم، فإحدى نقاط ضعفنا تكمن في اعتمادنا على عائدات النفط والغاز وهذه المشكلة برأيي ستبقى على حالها مستقبلاً أيضاً لكوننا نعتمد في اقتصادنا على تصدير هذا المحصول إلى بلدان الجوار والأسواق العالمية، وكما ذكرت فالأمر المثير للأسف والاستغراب في آن واحد هو عدم وضوح موارد إنفاق هذه العائدات لذلك بادرت الحكومة إلى طلب سلف مالية من جهات أجنبية وشهدنا في الآونة الأخيرة أنها اضطرت لتخصيص جانب من الموارد الاقتصادية للإقليم في دفع المستحقات المالية والقروض التي أثقلت كاهل شعبنا الكردي، وهذا الأمر بكل تأكيد ناجم عن سوء تخطيط ولا بد مستقبلاً من وضع خطط مدروسة ونابعة من وفاء وإخلاص للشعب الكردي قبل تنفيذها كي لا نواجه هذه الأزمات التي سببها سوء الإدارة وتجاهل الشعب.
مراسل تسنيم: أعضاء برلمان إقليم كردستان نالوا عضويتهم نيابة عن قوائم انتخابية ولم ينتخبوا مباشرة من قبل الشعب الكردي، ولكن حسب اليمين الدستوري الذي قطعوه على أنفسهم فإنهم مكلفون بالدفاع عن حقوق الذين انتخبوهم وجميع شرائح المجتمع، ومع ذلك نلاحظ عجزهم عن اتخاذ أي موقف مستقل عن توجهات الأحزاب التي جاءت بهم إلى البرلمان، فما هو السبب في هذا الخلل الديمقراطي برأيكم؟
يوسف محمد: أؤكد لكم بأن هذه الولاية البرلمانية تختلف بالكامل عن الدورات السابقة، حيث انضم إلى عضوية البرلمان أشخاص لديهم مناصب حزبية عالية، لذلك لم يكن لأحزابهم وتياراتهم السياسية تأثير كبير على القرارات التي يصادقون عليها، فهذا التأثير بلغ أدنى درجاته مقارنة مع الدورات السابقة، ولكن هذا الكلام لا يعني أن جميع التكتلات الحزبية في البرلمان تعمل بشكل مستقل عن الأحزاب التابعة لها.
نظراً للاستقلال النسبي الذي شهدته نشاطات أعضاء برلمان إقليم كردستان في الدورة الحالية وتواجد مسؤولين رفيعي المستوى تحت قبته، شهدنا نشاطات مختلفة وحثيثة، لذلك واجهوا اعتراضات من عدة جهات سياسية وضغوطاً شديدة.
مراسل تسنيم: حكومة إقليم كردستان تمضي اليوم العقد الثاني من عمرها، ولكن رغم ذلك ما زال المواطن الكردي يعاني من نقص أبسط مقومات الحياة المدنية كالكهرباء والوقود وما شاكل ذلك، فلماذا لم تنجح حكومة الإقليم في تقديم خدمات للشعب رغم أن المشاكل الاقتصادية لم تكن موجودة سابقاً؟
يوسف محمد: انعدام التخطيط الأصولي والصائب هو السبب الأساسي في عرقلة مساعي الحكومة وعدم تحقيق إنجازات اقتصادية، ناهيك عن الفساد الإداري الذي اجتاح جميع مؤسسات الإقليم والذي أسفر عن حرمان أهالي الإقليم من مصادرهم الاقتصادية.
في الفترة الواقعة بين عام 2004 م حتى عام 2013 م قدمت الحكومة المركزية أكثر من 107 مليارات دولار لحكومة الإقليم فضلاً عن الدخل المحلي الذي نكتسبه من شتى الموارد الخاصة، ولكننا لم نلمس نتائج إيجابية مشهودة من كل هذه الأموال الضخمة، فالولايات المتحدة الأمريكية عندما قدمت دعماً مالياً لبلدان أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية تمكنت هذه البلدان من تأهيل نفسها وبناء اقتصاد قوي نظراً لإخلاص مسؤوليها وصدقهم في التعامل مع شعبهم وعدم انحرافهم في إنفاق هذه الأموال رغم أنها لم تكن سوى 13 مليار ونصف المليار دولار فقط، وإثر ذلك شهدت أوروبا طفرة نوعية في جميع المجالات وأصبحت قطباً اقتصادياً أساسياً في العالم، ولكن يا ترى أين ذهب عشرات المليارات من الدولارات التي حصلت عليها حكومة الإقليم؟! فما هو مصيرها يا ترى؟! ومن الذي ابتلعها؟! للأسف هناك معلومات موثقة بأنها نقلت إلى خارج الإقليم وهذا الأمر ينم عن سوء التخطيط ورواج الفساد الإداري في أروقة الحكومة، وهذا هو السبب في فشل مشاريعنا الاقتصادية.
مراسل تسنيم: هل أن المشاكل الاقتصادية للإقليم محتدمة إلى هذا الحد بحيث تعيق جميع الجهود التي تبذل لوضع حلول منطقية وعاجلة للمشاكل والأزمات التي يواجهها الشعب الكردي؟ فهل أن المشاكل السياسية هي السبب في ذلك؟
يوسف محمد: لا أعتقد أن الأزمة في أساسها ناجمة عن المشاكل السياسية فحسب، فمشاكلنا الاقتصادية محتدمة وجادة للغاية، وأساس الأزمة هو المصالح الشخصية والحزبية والفئوية، فهناك من يرجح مصالحه على مصالح الشعب والإقليم، فلو تمكنا من إزالة هذه الظاهرة المقيتة سوف نتمكن من وضع حلول للفساد الاقتصادي الذي يهرئ مؤسسات الإقليم وينخرها من الداخل.
من المؤكد أن الحلول الجذرية تكون صعبة للغاية في بادئ الأمر وقد تتسبب ببعض الأزمات ولكنها على المدى البعيد تحقق نتائج مريحة ومرضية شريطة التخلي عن المصالح الشخصية المقيتة التي نعاني منها اليوم.
الشعب الكردي يدفع اليوم ضرائب كبيرة في مختلف شرائحه، إلا أن الشركات الكبيرة التي يمتلكها بعض المسؤولين النفعيين قد أعفيت من هذه الضرائب، لذا يجب قبل كل شيء تشذيب أخلاق الساسة المتصدين لرئاسة الإقليم وتوجيههم للسير في الطريق الصحيح ومن ثم يتيسر لنا وضع حل ناجع لمشاكلنا السياسية والاقتصادية على حد سواء.
مراسل تسنيم: المادة 140 من الدستور العراقي لم تنفذ حتى الآن حول المناطق المتنازع عليها، وبعد الهجمات الإرهابية التي شنها إرهابيو داعش على الأراضي العراقية قبل أكثر من سنتين سيطرت قوات البيشمركة على بعضها، فيا ترى ما هو موقف إدارة الإقليم حول مستقبل هذه المناطق؟ فهل ستوكل مستقبلاً إلى القوات العراقية أو ستبقى تحت سلطة البيشمركة؟
يوسف محمد: في هذا المضمار نحن بحاجة إلى حلحلة المشاكل العالقة بين الإقليم والحكومة المركزية وفق الأصول القانونية، وقوات البيشمركة أنقذت سكنة هذه المناطق من إرهابيي داعش بغض النظر عن أصولهم وأعراقهم وتوجهاتهم الدينية، ومن جملتها محافظة كركوك التي دافعنا عنها بكل ما أوتينا من قوة، ولا فرق لدينا بين الكردي والتركماني والكردي، ولولا سيطرة قواتنا الكردية عليها لكان مصيرها غير مختلف عما حدث في مدينة سنجار وما جرى لأهلها.
تعيين مصير هذه المناطق غير ممكن بواسطة التحشيد العسكري، بل إن الدستور العراقي صرح بأن مصيرها موكول إلى سكنتها عبر إجراء استفتاء عام، لذا لا حل في هذا الصدد سوى الاعتماد على الدستور فحسب.
مراسل تسنيم: هل أن الأحزاب والتيارات السياسية في إقليم كردستان متفقة حول استقلال إقليم كردستان عن العراق بالكامل؟
يوسف محمد: ليس لدينا أي اختلاف على هذا الصعيد ولكن الاختلاف يكمن في الرؤى وآلية تحقيق هذا الاستقلال، ومن المؤسف أن هناك من يستغل هذه المسألة لمآرب شخصية وفئوية، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن تحقيق هذا الهدف الأساسي يتطلب قبل كل شيء وجود برنامج اقتصادي معتمد تتقوم على أساسه دعائم الحكومة المستقبلية بحيث لا تزعزعها شتى الأزمات المتوقعة.
نعم، نحن بحاجة إلى برنامج اقتصادي شامل وإقامة علاقات حسنة مع بلدان الجوار إلى جانب التعامل مع الحكومة المركزية بذكاء وحذر عن طريق محادثات مباشرة، فلا بد من تمهيد الأرضية المناسبة للتوصل إلى حل مناسب في المحادثات التي يحتمل عقدها مع حكومة بغداد.
الخلافات الموجودة بين التيارات والأحزاب السياسية في إقليم كردستان قد تسببت في طرح رؤيتين مختلفتين حول قضية استقلال الإقليم عن العراق بالكامل، ولكن الجميع متفقون على ضرورة عدم الإذعان لغيرنا في إدارة شؤون منطقتنا وتحقيق استقلال تام، فهذا أملنا جميعاً دون استثناء.
مراسل تسنيم: معظم النواب الأكراد في البرلمان العراقي وافقوا على ميزانية عام 2017 م، وهذا يعني أنهم يعتقدون بإمكانية حلحلة مشاكل الإقليم عن طريق الدخل المالي الذي تقدمه الحكومة المركزية في بغداد، وبصفتكم رئيساً لبرلمان إقليم كردستان، فما هو رأيكم بالنسبة إلى هذا القرار الذي تم على أساسه تخصيص 17 بالمئة من الميزانية العامة للإقليم؟
يوسف محمد: ذكرت لكم آنفاً أن جميع المداخيل المالية والمشاريع الاقتصادية في الإقليم قد فشلت نظراً لعدم وضوح موارد إنفاقها، لذا لا بد من العمل على إيجاد منفذ آخر يضمن حلحلة مشاكلنا حتى وإن كان من جانب حكومة بغداد.
نحن في الوقت الراهن شئنا أم أبينا جزء من الدولة العراقية وبإمكاننا منح بعض مواردنا النفطية للحكومة المركزية والحصول في مقابل ذلك على حصتنا من الميزانية العامة، ولا شك في أن هذا الأمر ينصب في مصلحة الشعب الكردي ويعد خطوة هامة في توطيد العلاقات بين الإقليم وحكومة بغداد.
/ انتهى /