تركيا تتخلى عن "النصرة": صراع المسلحين يحتدم
كانت أنقرة على مدى السنوات السابقة من أبرز داعمي "فتح الشام"، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن التقارير تحدثت عن علاقات تجمعها مع "داعش"، أبرزها تلك الصادرة عن السلطات الروسية.
لم يأت ما نُقل عن مصدر في وزارة الخارجية التركية، يوم أمس، عن إعتبار بلاده تنظيم "داعش" وجبهة "فتح الشام" إلى أن قرار وضعهما على لائحة أنقرة للمنظمات الإرهابية يعود إلى جماعتين إرهابيتين بجديد من حيث المضمون، نظراً في ظل مواقف تركيا شهر حزيران من العام 2014 ،لكن من ناحية التوقيت يمكن الحديث عن جملة من التحّولات، خصوصاً المستجدة من الأحداث السورية.
على هذا الصعيد، كانت أنقرة على مدى السنوات السابقة من أبرز داعمي "فتح الشام"، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن التقارير تحدثت عن علاقات تجمعها مع "داعش"، أبرزها تلك الصادرة عن السلطات الروسية، خلال الأزمة المفتوحة بين البلدين، في حين كانت تسعى للإستفادة من قوة الجبهة العسكرية في الحرب ضد الحكومة السورية، إلا أنها منذ إبرامها المصالحة مع روسيا إضطرت إلى تبديل مواقفها، لا سيما أنها باتت ضمن دائرة الإستهداف من جانب الجماعات المتطرفة، حيث أصبح الحديث عن تفجير إرهابي داخل الأراضي التركية من الأخبار اليومية العادية.
حتى الساعة، لا تزال تركيا ُمصرة على موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد، لناحية رفضها أن يكون جزءاً من المرحلة أنها أطلقت عملية عسكرية في الإنتقالية، لكنها في المقابل لم تعد قادرة على التغاضي عن دور المنظمات الإرهابية، خصوصاً الشمال السوري، تحمل إسم "درع الفرات"، تحت عنوان محاربة الإرهاب، وهي تدرك أنها لا تستطيع أن تؤمن الغطاء أو الحماية لـ"فتح الشام" في ظل تعاونها مع الجانب الروسي في إطلاق مفاوضات سياسية، الأمر الذي تُرجم بشكل واضح في مؤتمر الآستانة الذي جمع ممثلين عن فصائل المعارضة والحكومة في العاصمة الكازاخستانية.
في هذا السياق، ينبغي قراءة إعادة التأكيد التركي على أنها تتعامل مع "داعش" و"فتح الشام" كمنظمتين إرهابيتين، لا سيما أن الأخيرة كانت السباقة إلى إطلاق حملة عسكرية ضد الفصائل التي تدور في فلك أنقرة في الأيام الأخيرة، بحجة السعي أن هذه الفصائل لن تكون قادرة على رفض الأوامر لإجهاض المشروع الخارجي القاضي بالقضاء عليها، وبالتالي جاء كلام المصدر في وزارة الخارجية بمثابة تأكيد على أن الطريق قطع أمام هذه الجماعة، التي تسعى إلى إنشاء كيان ُسني سياسي وعسكري، وإعلان الحرب عليها أصبح مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
وضمن هذا السيناريو، عمدت أغلب الفصائل المعارضة، التي أعلنت "فتح الشام" الحرب عليها، إلى "مبايعة" حركة "أحرار الشام" التي تعتبر من أقوى المجموعات في الشمال السوري، في حين أن الأخيرة لم تتردد بالإعلان عن أن أي إعتداء على الفصائل التي إنضمت إليها سيكون بمثابة إعلان حرب لن تتوانى في وقفها مهما تطلب ذلك من قوة، الأمر الذي قد يساهم في إلى أن ذلك سينقل تعقيد الأزمة على نحو غير مسبوق، في حال رفضت "فتح الشام" وقف العملية التي تقوم بها، المواجهة إلى مرحلة جديدة، تكون بين الجبهة و"أحرار الشام"، بينما عودتها عنها سيكون بمثابة التراجع أمام التحديات التي كانت قد أعلنت عنها بنفسها، وبالتالي إعطاء إشارة بأنها تخشى الدخول في معركة كبيرة مع باقي الفصائل، وكانت تفضل الإستمرار بالطريقة نفسها التي تقوم على أساس "أكل السمك الصغير فقط".
وبعيداً عن المسار الذي ستسلكه الأحداث في الأيام المقبلة، هناك حقيقة لا يمكن لـ"فتح الشام" أن تتجاهلها في المرحلة المقبلة، وهي أن تركيا لم تعد تمانع القضاء عليها بغض النظر عن التوقيت، وربما هي تستفيد من المعارك الأخيرة لكي تقسم الساحة، في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، إلى قسمين: الأول يدور في فلكها والثاني يدور في فلك الجبهة، أي تحقيق الهدف الذي كان يعتبر الوصول إليها من المستحيلات، لناحية فصل "المعتدلين" عن "المتشددين"، تمهيداً وتسليم كافة المناطق إلى الفصائل التي تدور في الفلك التركي، كورقة تستفيد منها أنقرة على طاولة المفاوضات السياسية.
في المحصلة، تركيا ما بعد الآستانة لن تكون كما كانت قبلها، مهما كان توجه الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنت عن رغبتها في إقامة مناطق آمنة، بالرغم من أن الثقة بالرئيس رجب طيب أردوغان مفقودة من قبل غالبيّة اللاعبين الإقليميين والدوليين.
المصدر: المسلة
/انتهي/