خاص تسنيم / الحاجة إلى استراتيجية وطنية للشباب في سورية
في خطابه على مدرج جامعة دمشق في تشرين الثاني 2008 خاطب الرئيس السوري بشار الأسد الشباب والجماهير قائلاً: "علينا ايلاء الأهمية لقطاعات محورية بعينها، والشباب فى مقدمة هذه القطاعات، الذي يحتاج إلى اعداد استراتيجية شاملة تتضمن الاهداف التى نتوخى تحقيقها من أجل وضع برامج تنفيذية واضحة نحو هذا القطاع الحيوي".
د. شاهر إسماعيل الشاهر|| مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات الشبابية - خاص تسنيم: وبذلك وضع السيد الرئيس بناء استراتيجية شاملة للعمل الشبابي وازاء الشباب ضمن الأولويات الوطنية الملحة، معبراً بذلك عن الحاجة الوطنية الماسة انطلاقاً من أن بناء الوطن في أحد أبرز مداخله إنما يبدأ من عملية اعدد الانسان المؤهل بشخصيته المتكاملة والمتطورة بانسجام من مختلف الجوانب، المواكب لتطورات العصر والقادر على التفاعل الايجابي والبناء مع تحديات العصر وتحديات التنمية، المساهم بصورة بناءة في قضايا وطنه ومجتمعه..
وتعد صياغة الأهداف العامة والتفصيلية للاستراتيجية الوطنية للشباب من أكثر الخطوات أهمية لما يترتب عليها من نتائج تمس العمل الاستراتيجي الخاص بالشباب، وعلى قدر ما تأتي الأهداف ملبية لطموحات الشباب وحاجاتهم المتنوعة في سياق التغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة على قدر ما يأتي تفاعل الشباب مع الإجراءات المعتمدة من قبل الهيئات الرسمية إيجاباً، وغالباً ما تشكل الفجوة بين طموحات الشباب والسياسات الشبابية المتبعة في هذه الدولة أو تلك عائقاً كبيراً يحول دون تحقيق مشاركتهم الفعالة في النشاطات التي تقتضيها تلك السياسات، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من ابتعادهم عن آليات اتخاذ القرار في بلدانهم بما في ذلك القرارات التي تخص حياتهم وقضاياهم ومشاكلهم.
وعلى طرف آخر تسهم عمليات التواصل الثقافية والاجتماعية التي باتت متطورة للغاية في العالم المعاصر في تزويد الشباب بطموحات وآراء واتجاهات فكرية واجتماعية وسياسية لا تتوافق بالضرورة مع مصلحة البلدان التي يعيشون فيها، والمجتمعات التي ينتمون إليها، الأمر الذي يجعل الاستجابة لمتطلباتهم بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية والسياسية، وبمعزل عن الخصوصيات الثقافية والحضارية التي تميز المجتمعات الإنسانية عن بعضها بعضاً، واحدة من العوامل التي تحول دون تطوير المجتمع بالشكل الذي يجعله قادراً على مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها في سياق عمليات تفاعله مع المجتمعات الأخرى، وفي سياق عمليات العولمة واسعة النطاق التي باتت منتشرة في نواحي الحياة المختلفة، وتمس حياة الشباب على نحو مثير للجدل.
فالأهداف الوطنية لاستراتيجيات الشباب عامة، وفي المجتمع العربي بشكل خاص لابد أن تأخذ بالاعتبار مجموعتين أساسيتين من القضايا التي لا يمكن التوفيق بينها على نحو كلي أو مطلق، وهما:
- حاجات الشباب واهتماماتهم وميولهم ورغباتهم وطموحاتهم، وهي غالباً ما تأتي نتاجاً لمجموعة كبيرة من العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتسهم في تكوينها عمليات التواصل التي تزداد انتشاراً في الوقت الراهن، والتي أصبحت مع العولمة منتجات عالمية، فلم تعد حاجات الشباب وتطلعاتهم في أي بلد من بلدان العالم منتجات وطنية بالدرجة الأولى، إنما تستمد قدراً كبيراً من خصائصها من وسائل الاتصال المنتشرة، ومن التيارات الفكرية والأيديولوجية المتنوعة، حتى بات الإحساس بخطورة عمليات التواصل على الهوية الثقافية للمجتمع منتشراً حتى في الدول المتقدمة صناعياً وتجارياً واقتصادياً، وباتت المطالبة بضرورة الحفاظ على الهوية من الاختراق الثقافي واضحة في الكثير من الأدبيات المنتشرة حالياً. ولا يستثنى المجتمع العربي من هذه المخاطر، بل يزداد الإحساس هنا بأن المشكلة أكثر خطورة.
- حاجات المجتمع وطموحاته وطبيعة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحيط به وتهدد مكوناته، فما من دولة في العالم إلا وتنتشر فيها مظاهر القلق من التحديات التي تحيطها، ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً، وتهدد أمنها والاستقرار الاجتماعي فيها، مما يفرض عليها تنظيم مواردها وتعبئة طاقات أبنائها، بالشكل الذي يضمن لها قدراً من القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تستطيع من خلالها مجابهة التحديات المحيطة بها، والمحافظة على أمنها واستقرارها، مع أن طريقة الاستجابة لهذه التحديات والمخاطر تختلف بين الدول والمجتمعات باختلاف طبيعة الأخطار التي تهددها من جهة، وباختلاف حجم هذه الأخطار، وباختلاف مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وباختلاف طبيعة العلاقة بين مكونات تنظيمها الاجتماعي، الأمر الذي ينفي إمكانية القول بتعميم هذه الاستجابة أو تلك، بحسب اختلاف الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والحضارية لكل مجتمع.
وتكمن مشكلة العلاقة بين المطلبين أن الاستجابة للمطلب الأول، وفق المعايير والقيم التي تروجها ثقافة العولمة وعمليات التواصل في الوقت الراهن يمكن أن تكون سبباً للحيلولة دون تحقيق المطلب الثاني، وفي المقدار ذاته، تشكل الاستجابة للمطلب الثاني وفق المعايير والقيم التي يروجها المعنيون باتخاذ القرار في الدول والمجتمعات المختلفة سبباً للحيلولة دون تحقيق المطلب الأول، ولكن بدرجات تختلف باختلاف الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة في كل منها.
إن أهداف الاستراتيجية الوطنية للشباب في أي دولة من دول العالم لابد أن تأخذ بالاعتبار المسألتين المشار إليها، في الوقت الذي يستوجب فيه الأمر أيضاً أن يشارك الشباب في العملية الاستراتيجية مشاركة حقيقية، لكونها تخصهم بالقدر الذي تخص فيه أوطانهم أيضاً، ومن الطبيعي أن طغيان المطلب الوطني دون مسوغات كافية يجعل مشاركة الشباب ضعيفة، لما يترتب على ذلك من التزامات لا يشعرون بجدواها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أن طغيان المطلب الشبابي على المصلحة الوطنية يجعل استجابة أصحاب القرار لمشاركة الشباب ضعيفة أيضاً لما يمكن أن يترتب عليها من تفتيت للموارد وإضعاف للطاقات التي تقتضيها التحديات المجتمعية المحيطة.
وتأسيساً على ذلك فإن العمل باستراتيجيات وطنية للشباب مبنية على معايير عامة، وقيم مطلقة لا تأخذ بالاعتبار الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والسياسية لهذه الدولة أو تلك، أو لهذا المجتمع أو ذاك، ينطوي على قدر كبير من المخاطر التي تأتي في مقدمتها عملية طغيان المطلب الشبابي على المصلحة الوطنية، فتصبح للشباب منظماتهم وطموحاتهم ورغباتهم بمعزل عن المصلحة الوطنية التي تقتضيها المرحلة التي يعيشون فيها، وفي ذلك من أكثر مظاهر الخطورة على حياة الشباب ومستقبلهم، ولن تؤدي هذه الاستراتيجيات إلا إلى المزيد من ضعف الدولة وتراجع مقوماتها، وسيطرة الآخر، وتحقيق مصالحه.
كما أن العمل على تنفيذ استراتيجيات وطنية للشباب مبنية على تفضيل المصلحة الوطنية، ودون النظر إلى الحاجات والرغبات والطموحات التي يتطلع إليها الشباب ينطوي بدوره على مخاطر من نوع آخر، ولكنها لا تقل من حيث النتيجة في طبيعتها عن المخاطر السابقة، فالشباب هم الركيزة الأساسية التي يبنى عليها المجتمع في نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن الطبيعي أن يؤدي تجاهل مشاعرهم وأحاسيسهم وقضاياهم إلى المزيد من مظاهر عدم المشاركة في النشاطات المختلفة، أو مظاهر المشاركات الضعيفة، وانتشار اللامبالاة والبحث عن المنافع الخاصة وغيرها.. مما تنتشر آثاره واضحة في المرافق العامة للحياة الاجتماعية للدولة، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى المزيد من ضعف الدولة والمجتمع، والمزيد من سيطرة الآخر والتبعية له.
وفي ضوء هذا التصور نفذ المركز الوطني للبحوث والدراسات الشبابية مجموعة من الإجراءات العلمية والعملية الداعمة لمشروع بناء استراتيجية وطنية شاملة للشباب في قطرنا العربي السوري باعتبار أن تحقيق ذلك يمثل انجازاً وطنياً هاماً وهو ما سنتناوله في مقالات قادمة.