خاص تسنيم / هل غيرت الحرب السورية وجه العاصمة دمشق؟

خاص تسنیم / هل غیرت الحرب السوریة وجه العاصمة دمشق؟

سبع سنوات لم تكن سهلة على ملامح تلك المدينة، حرصت على جمال معالمها ما استطاعت، ونالت الحرب من جزء آخر في وجهها، فازداد حرصها أكثر على مكامن فتنتها التي زرعها الزمان فيها عبر التاريخ.

خاص تسنيم-بقلم رماح اسماعيل: دعونا بتجرد اليوم نَصف دمشق، عاصمة سوريا، بعد أن رحلت الحرب عن ضفافها، وحل في سمواتها السلام فلا قذائف غادرة باتت تعكر صفوها، ولا صوت صفير هاون يؤرق مسامع من يعيش بين حنايا أزقتها.

في سؤالنا لدمشقي عاش دمشق قبل الحرب وخلالها وبعدها، ولا زال يقطنها، ترى ما أكثر ما يحزنك اليوم في هذي المدينة؟

جاءت عبارة تبدل النفوس، قصد بها هذا الدمشقي القول أن ضرورات الحرب حتمت على سكان دمشق أن يعيشوا أجواء الحذر، فقبل سبع سنوات لم تكن تمد يدك سائلاً حتى تمتد نحوك عشرات الأيادي وتلتقطك لتخرجك من دوامتك، اليوم بات الوضع مختلفاً، أصبح الناس حذرين بعض الشيء، باتوا يسألون أنفسهم، من ذا الذي يمد يده؟.

ولماذا مدها في هذا الحي ليس في حي مجاور؟ لعل ملامحه غير مطمئنة ولعله جاء لغرض فيه أذيتنا؟ فتنصرف عنك بعض الأيادي، لكن ليست جميعها، ففي هذي المدينة لا ينقطع الخير أبداً، يتمتم البعض "سأساعد مهما كلفني الأمر" وجملة كثيراً مانسمع بها في سوريا بشكل عام وفي دمشق على وجه الخصوص ألا وهي "المعاملة مع الله" أي أنك تفعل خيراً لترضي الله بغض النظر إذا كان الشخص يستحقه أم لا.

ويتابع بعباراته العميقة ليقول ازدحامت الوجوه، قبل 7 أعوام كنت تسير في شوارع دمشق فتصادف دمشقياً وآخر سائحاً أجنبياً في شوارعها، وقلما تبصر عينك ابن محافظة سورية أخرى إلا من جاء العاصمة لعمل إداري أو لزيارة ما.

في ظل الحرب السورية زحفت 13 محافظة سورية إلى العاصمة دمشق، إما بسبب وضع أمني في مناطقهم أو بسبب ماتفرضه الحرب حيث تصبح العاصمة مركز جذب واستقطاب لأنك قد تجد فيها وفي ضواحيها فرصة عمل تعينك على شظف العيش في ظل الأزمات، وهذا ماتتفوق فيه العواصم حتى في ظل الحروب، تبقى أكثر بقاع البلاد ألقاً ولا تفقد نبض الحياة مطلقاً، فهي المركز الإداري المحرك لكل المحافظات لا غنى عنه في تسيير أمور المواطنين.

لكن اللافت هو ما تسمعه أذنك من لهجة أبناء الجزيرة "المحافظات الشرقية" في سوريا، واللهجة الحلبية، والساحلية، وأيضاً الجنوبية، رغم ما تسبب به هذا الزحف نحو العاصمة من ازدحام خانق وأزمات في العقارات لكن من سكن دمشق في ظل الحرب لن ينس هذا التفصيل إطلاقاً، فشعورك أن دمشق هي سورية الصغرى يخفف من حدة الاشتياق إلى أيام ما قبل السبع سنوات، تلك الأيام التي كان اشتياقك للهجة وللمأكولات الحلبية يدفعك لأن تحجز مقعدك في أول رحلة وتنطلق في أسبوع سياحي بعيداً عن ضغوط العمل والحياة، وهذا مالم تسمح به الحرب طيلة سنواتها بسبب الوضع الأمني القلق، فتأتي دمشق وتختصر كل المعاني، وتجمع تحت سقفها الحلبي والجزراوي "ابن المحافظات الشرقية" والساحلي والجنوبي بعاداته وتقاليده ومأكولاته ولهجته.

مازالت دمشق تغص باحلياة

في جانب آخر، استطاع عجوز دمشقي أن يختصر أوجاع بلاده في عبارة واحدة قالها متنهداً بعد السؤال عن أكثر ما آلمه في ظل الحرب الأخيرة فقال:

"ليتني متّ قبل أن أرى هذا الحطام"

تحصن التنظيمات الإرهابية المسلحة في مباني مدن غوطتي دمشق الغربية والشرقية تسبب في فقدان تلك المناطق لجل ملامحها، فلم تعد البيوت بيوتاً، ولم تعد المحال محالاً، والأراض الزراعية التي كانت تشكل سلة دمشق الغذائية أيضاً لم تعد كذلك بل أصبحت بوراً بعد أن هجرتها أيادي أصحابها.

هذا "العم" كما أحب أن أناديه، هو شاهد آخر على همجية الإرهاب، كلما حاول أن يعقد مقارنة بين وضعه السابق والحالي غص بالدمع وعجز عن الكلام، ليختصر أوجاعه وآلامه برغبة لو أن الموت تداركه قبل أن يبصر ما أبصر من حطام.

فهل غيرت الحرب وجه دمشق يا عم؟!

لم تغيره، ما يطفو مهما تشوه لا يهم، مازالت دمشق تغص بالحياة، ولازال جاري القديم يهاتفني اطمئناناً على أحوالي، ولا زال ابني يزاول عمله، وابنتي أنجبت طفلها منذ أسبوع، وزوجتي حريصة على تقليم مشمشة في حديقة المنزل الذي استأجرته ريثما ينهض بيتي من رماده، لنعود سوية ونقلّم كل عرق أخضر في الدار.

إذاً، الحروب لا تغير المدن، قد تتغير مدينة لم تطلق فيها رصاصة إذا تغيرت نفوس قاطنيها، وقد يصبح وجه البلاد مأساوياً دون أن يهدم فيه جدار إذا ما خفت ضوء الخير في نفوس من يسكنون تحت سقفها، الحرب لا تبدل وجه مدينة أهلها عشاق للحياة، الحرب فقط قد تترك أثراً كشاهد على أرض صبرت على النوائب وما انهزمت.

/انتهى/

أهم الأخبار ثقافة ، فن ومنوعات
عناوين مختارة