زيارة روحاني إلى العراق؛ إنجازات استراتيجية وعلاقات أعمق تنتظر البلدين
لم تعط المشاكل الدّاخليّة العراقيّة خلال العقدين المنصرمين الفرصة لمسؤولي هذا البلد التّقدم نحو معالجة بعض الملفات المهمة التي بقيت مفتوحة وعالقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق.
وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء – علي حيدري: بعد مضي 5 سنوات زار رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني الأسبوع المنصرم العراق في زيارة امتدت لثلاثة أيام التقى خلالها المسؤولين السياسيين والدينيين في هذا البلد وبحث تعزيز العلاقات بين البلدين.
ولا يخفى أن المسؤولين العراقيين كانوا منزعجين بعض الشّيء بسبب عدم زيارة الرّئيس الإيراني لبلدهم خلال السنوات الخمس المنصرمة على الرّغم من الزيارات المتكررة للمسؤولين العراقيين إلى طهران. لكن الجانب الإيراني كان يوضح بأنّه لطالما لم يتم التّوصّل إلى توافق مهم بين البلدين فإن مجرّد الزّيارة لن تحقق الأهداف المرجوّة.
وعلى الرّغم من العلاقات الجيّدة بين البلدين على المستويات السياسية، الثّقافيّة والاجتماعية بعد سقوط النّظام البعثي إلّا أن هناك بعض الملفات بقيت عالقة بين البلدين أو تشكّلت خلال هذه الفترة وكانت بحاجة إلى معالجة سياسية.
وضع العلائم والتّرسيم الدقيق للحدود، وضعية نهر "أروند" الحدودي بين البلدين وكذلك مسألة تأشيرات الدّخول لمواطني كلا البلدين هي جملة من المسائل المهمة التي بقيت عالقة بين البلدين على الرّغم من العلاقات الجيدة بين مسؤولي البلدين في حين غابت الجديّة اللازمة لدى المسؤولين العراقيين لحل هذه المسائل.
اتفاق الجزائر
بعد توقيع اتفاق الجزائر بين إيران والعراق عام 1975، اتّخذ النظام البعثي وخاصّة صدّام ذريعةَ أن هذا الاتفاق يصبّ في مصلحة إيران صرّفًا كإحدى الحجج التي تذرّع بها من أجل شن الحرب على إيران.
وبعد سقوط نظام صدّام حسين، رُبّما فضّل المسؤولين العراقيين إبقاء هذا الملف جانبًا، ومنذ ذلك الوقت رجّح إبراهيم الجعفري، نوري المالكي وحيدر العبادي الذين توالوا على منصب رئاسة الوزراء في العراق عدم الدّخول في هذا الملف الحسّاس. ربّما لأن أولياتهم كانت ترجّح المسائل الدّاخلية على المواضيع الإقليمية وخاصة تلك التي قد تؤدي إلى نوع من الحساسية.
لكن وفي فترة تولّي عادل عبد المهدي لمنصب رئاسة الوزراء اختلف الأمر قليلًا، فقد بدى جليًّا أن هناك اتفاق غير مكتوب بين رئيس الوزراء العراقي والرّئيس العراقي، يقضي بأن يتولّى عبد المهدي تنظيم الأوضاع الدّاخليّة العراقية بينما يعمد برهم صالح إلى إحياء منصب رئاسة الجمهورية وإدراج تعزيز العلاقات العراق مع الإقليم والمجتمع الدّولي على جدول أعماله.
هذا الأمر دفع إلى إدارة أفضل للوضع العراقي الموجود مقارنة بالحقبات السّابقة التي توالت على إدارة العراق بعد صدام حسين. ولا بدّ من الإشارة هُنا إلى أن انتصار العراق على إرهاب داعش قد أزاح عبئًا ثقيلًا عن كاهل المسؤولين العراقيين الحاليين.
وخلال الأشهر الماضية ومع دخول مسألة زيارة الرئيس روحاني إلى العراق في خانة الجدّية، دخلت مسألة اتفاق الجزائر الخانة نفسها حيث تولّى بدء هذه المحادثات سيد عباس عراقتشي من الطّرف الإيراني فيما تولّى نظيره نزار خير الله –وهو يمتلك خبرة كبيرة في سلك وزارة الخارجية العراقية-المفاوضات من الطّرف العراقي حيث أفضت إلى اتفاق تاريخي.
وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قد أعلن قبيل زيارة روحاني أن العراق يسعى إلى تحديد مصير عدد من الملفات الاستراتيجية مع الرّئيس الإيراني.
نهر "أروند" كان من الملفات الأخرى التي تحوّلت إلى مسألة عالقة خلال السّنوات الماضية، فعدم تجريف النهر وتقسيمه بين البلدين حوله من طاقة اقتصادية كبيرة إلى مسألة سياسية عالقة بين البلدين.
عدد من المسائل الفنيّة كتحديد خط قعر النّهر، تغيير مسار النّهر باتجاه إيران وعدم تجريفه خلال السّنوات الماضية كانت مسائل لطالما تشكّل حساسية بين الطّرفين. وخلال زيارة عراقتشي إلى العراق ونزار خير الله إلى طهران استطاع الطّرفان الإيراني والعراقي من التّوصّل إلى اتّفاق شامل بعد مفاوضات صعبة وصلت في بعض الأحيان إلى نوع من التّجاذب.
موضوع آخر وُضع على سكّة الحل وهو تعيين النّقاط الحدودية حيث تم الاتفاق على تحديد الخطوط الحدودية وكذلك وضع العلائم الحدودية بين البلدين.
وفي نص البيان المشترك بين رئيسي جمهورية البلدين، جاء التّالي: "وبالنسبة لاروند رود، أعلن الطرفان عن عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وإيران المؤرخة في 13 حزيران 1975 والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بها، بحسن نية وبدقة، ولذا قرر الطرفان البدء بعمليات مشتركة لتنظيف وكري (جرف) اروند رود بهدف اعادة قناة الملاحة الرئيسية (التالوك) وفق اتفاقية 1975 المذكورة والبروتوكول المعني بذلك في أسرع وقت".
تأشيرات الدّخول
احتلّت مسألة إلغاء تأشيرات الدّخول بين إيران والعراق حيّزًا مهمًّا خلال العقدين المنصرمين حيث لم يبدِ الطّرف العراقي استعدادًا لتنفيذ هذا المخطط خلال الفترة الماضية. في كل عام تتجاوز أعداد الزائرين المتبادلين من كلا البلدين ال 5 مليون شخص، وفي حال إلغاء تأشيرات الدّخول فإن هذا الأمر سيؤثّر إيجابًا على زيادة هذا العدد بشكل ملحوظ.
مجانيّة إصدار التأشيرات بين البلدين ابتداءً من نيسان المُقبل سيعزز انتقال مواطني العراق وإيران عبر الحدود بحيث سيكون ملحوظا زيادة أعداد مواطني البلدين الذين يرغبون بالقيام بزيارات متبادلة.
تعزيز العلاقات الاقتصادية والمصرفيّة
تبلغ قيمة العلاقات الاقتصادية والتّبادل التّجاري بين إيران والعراق في الوقت الحالي حوالي 12 مليار دولار حيث تأمل طهران أن يرتفع هذا العدد إلى حوالي 20 مليار دولار خلال السّنتين المقبلتين.
يمكن للاتفاقات الاقتصادية المُوقعة، كتطوير العلاقات المصرفية وتسهيل الصّادرات الفنية والهندسية إلى العراق كذلك وضع برامج من أجل إنشاء عدد من المدن الصّناعية في العراق، أن تُعزز العلاقات الاقتصادية بين طهران وبغداد خصوصا في ضوء الحظر المفروض بشكل أحادي الجانب من قبل الولايات المتّحدة ضد إيران.
لقاء مختلف أطياف الشّعب العراقي والمراجع الدينية العظام في العراق
رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإضافة إلى لقاءاته الرّسميّة مع المسؤولين السياسيين في العراق، التقى بقادة الأحزاب العراقية كما التقى بالمراجع الدينية في النّجف الأشرف وأجرى محادثات معهم.
لقاءات روحاني مع رئيس تيار الحكمة العراقي السّيد عمار الحكيم، رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، رئيس ائتلاف النّصر حيدر العبادي، رئيس ائتلاف الفتح هادي العامري، وعدد من مسؤولي الحشد الشّعبي ورؤساء العشائر العراقية كانت لقاءات تدلّ على حقيقة عُمق العلاقات بين إيران والعراق.
رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي ختام زيارته إلى العراق، زار النّجف الأشرف والتقى مع عدد من المراجع الدّينية كآية الله السّيّد محمد سعيد الحكيم، آية الله بشير النّجفي، آية الله محمد إسحاق فياض كما زار زعيم الحوزة الديّنية في النّجف المرجع آية الله العظمى السّيد علي السيستاني.
هذه اللقاءات إنما تدل على أن العلاقات بين إيران والعراق تتجاوز المستويات السياسية، الاقتصادية والثقافية إلى البُعد الدًيني الذي يشير إلى قرب الشّعبين من بعضهما البعض كذلك مسؤولي البلدين وفي أعلى المستويات.
زيارة حسن روحاني إلى العراق بعد 5 سنوات قضاها في منصب رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية عادت بثمارٍ وافرة، كما أثبتت نجاحًا استراتيجيًّا لإيران سيكون بداية لتعزيز العلاقات بشكل أكبر بين طهران وبغداد.
/انتهى/