لماذا تواصل السّعودية سياسة الانبطاح أمام سيل الشتائم الأمريكية؟
لا ينفك مسؤولو الإدارة الأمريكية الجديدة وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب عن كيل الشتائم والتعابير المسيئة بحق السّعودية وتظهر بين هذه التّعابير المهينة "البقرة الحلوب" على سبيل الذكر لا الحصر.
وكالة تسنيم الدولية للأنباء؛ حسن رستمي - لا يخفى على أحد أن حكّام السّعودية لا يستندوا في توليهم العرش على الشّرعية الشّعبية وصناديق الاقتراع، لذلك هم مجبورون ومن أجل استمرار حكمهم وحكومتهم، الاعتماد على قوّة أجنبية وما يليها من التبعية السياسية للغرب وما بين ذا وذاك تسديد فواتير الحماية الغربية وتنفيذ برامج الغرب في المنطقة.
بناءً على هذا، نرى هؤلاء الحكّام ينفقون أموال طائلة من العائدات النفطية لشراء المعدات الحربية كما عليهم أن يسمعوا التقريع والشتائم من أمريكا والغرب أمام مرأى العالم بدون أن ينبسوا ببنت شفة.
الرئيس الأمريكي الحالي ترامب، وعلى عكس مسؤولي الإدارات الأمريكية السّابقة الذين كانوا يظهرون بعضاً من الاحترام للمسؤولين السعوديين، لم يراع أي من آداب التخاطب مع السّعوديين ولو ظاهريًّا. ترامب واصل تطاوله على مسؤولي السّعودية وهو يستمر في كيل الألفاظ المسيئة بحقهم كلّما سنحت الفرصة له كما يستمر في نشر الإيرانوفوبيا في قلوب السّعوديين عبر تكرار مقولة أن النظام السّعودي لا يستطيع الاستمرار أو الصّمود في وجه إيران لمدة أسبوع لولا الدّعم الأمريكي.
سياسة الانبطاح السّعودية أمام أمريكا حتى اذا استطاعت ولو بشكل مؤقت أن توفّر الرّفاهية الاقتصادية في ظل العائدات النفطية الضخمة، إلّا أنها أفقدت السّعودية مكانتها وقيمتها على صعيد الرأي العام السّعودي والإقليمي. لقد خسرت السّعودية بالفعل استقلالها السياسي بحيث أنها لا تستطيع اتّخاذ أي قرار من دون الضوء الأخضر الغربي.
وفي هذا السّياق نستطيع أن نرى بوضوح كيف استطاعت قطر وهي دولة صغيرة أن تقف في وجه تبجّح السّعودية وما رافقها من حصار اقتصادي وسياسي وبالتالي لم تستطع إملاء إرادتها على قطر. اليوم، وما عدا دولتين أو ثلاثة من دول العالم العربي تسير في فلك سياسة الانبطاح السعودي للغرب، فإن بقية الدّول العربية تشعر بضرورة الابتعاد عن السياسات الإقليمية التي تتخذها السّعودية.
يبدو أن حكّام السّعودية لم يتعلموا الدرس المناسب من مصير ديكتاتور مصر "حسني مبارك" أو الديكتاتور التونسي، الفار من بلاده والمقيم في السعودية، ربّما بانتظار مصير مشابه.
من خلال إلقاء نظرة سريعة على تجارب الدّول المختلفة وخصوصاً مصر، تونس وليبيا نرى أن استمرار أمريكا بدعم حلفائها في هذه الدّول منوط باستمرار تأمين مصالحها في هذه الدّول. وأكبر دليل على هذا مصير مبارك، بن علي ومعمر القذافي الذين كانوا يقبعون تحت حماية المظلة الأمريكية لكن سياسة ازدواجية المعايير الأمريكية تتغير بين لحظة وأخرى حسب مصالح العم سام، فعندما عجز هؤلاء عن تأمين هذه المصالح تخلّت عنهم الولايات المتحدة التي لم تكن على استعداد لقبول لجوئهم إلى أراضيها بعد طول دعم بحجة الحفاظ على قيم "الديمقراطية الأمريكية" المزيفة بطبيعة الحال.
التخلّص من فرض السياسة الأمريكية يحتاج تحقيق استقلال على مختلف الأصعدة ومن المؤكد أن هذا الأمر يحتاج إلى دعم شعبي وهذا غير متوفّر عند حكّام السّعودية. أكثر ما تحتاجه السّعودية اليوم هو حصولها على استقلالها السياسي للتخلص من هذا الذل وكيل الشتائم المهينة بحقها والألفاظ البذيئة والمتكررة التي يوجهها المسؤولون الأمريكيون لها، هذا الأمر سيكون ممكنا فقط عندما تقرر السّعودية بقاء كيانها وليس حكومة العائلة الحاكمة فقط.
* خبير في الشؤون السياسية
/انتهى/