لماذا توجه أصابع الإتهام لأمريكا بشأن حادث ناقلتي النفط في بحر عمان؟
بالنظر الى الطرف المستفيد من انفجار حاملتي النفط في بحر عمان يتبيّن بشكل جليّ أن هذه المؤامرة هي مرحلة جديدة من مراحل الاشتباك ضد ايران وحركة جديدة تنفذها بعض الأيادي في لعبة البازل الإستراتيجية التي يحرّك قطعاتها البعض باتجاه إجبار إيران على التراجع والاستسلام وإنهاء دورها الاستراتيجي والمقاوم.
وأفادت وكالة تسنيم الدّولية للأنباء أن حاملتي نفط كانتا قد تعرضتا لحادثين زعمت وسائل الاعلام الغربية أنهما هجومان، وهما حاملة النفط «Front Altair» وترفع علم جزر مارشال كانت قد ملأت حمولتها من مادة الإيثانول في قطر بينما عبئت حاملة النفط الأخرى «Kokuka Courageous» التي ترفع علم بنما حمولتها من مادة " الميثانول" في مرفأ "الجبيل" السّعودي. بعض الأخبار كانت قد انتشرت حول اشتعال النيران في الناقلتين بينما تضاربت أخبار أخرى حول غرق حاملة نفط منهما قبل أن يتم نفي هذا الأمر.
الأمر الذي يجعل بعض الأمور تبدو جليّة حتى لفاقدي البصر هو ما تردد عن بعض وسائل الإعلام أن حاملتي النفط هاتين مرتبطتان باليابان وقد تعرضتا للهجوم قرب مضيق هرمز في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الياباني يلتقي بقائد الثورة الاسلامية في إيران الإمام السّيد علي الخامنئي.
إلى هذه اللحظات تبدو المعطيات حول هوية المجموعة أو الدولة التي شنت هذا الهجوم شحيحة أو غير كافية بالحد الأدنى، لكن التقديرات والتوقعات حول هوية الجهة المنفذة بدأت تظهر في وسائل الإعلام. وبالاستناد إلى المزاعم الواهية والاتهامات الباطلة التي وجهها البعض الى الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ انفجارات الفجيرة، كان متوقعا من بعض الأطراف الغربية لا سيّما الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس هذه الإدارة دونالد ترامب أن يتم توجيه أصابع الاتهام نحو إيران. وكما حادثة الفجيرة التي عجزت فيها الإمارات والنرويج وأصدقاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من كتابة تقرير يحتوي على دليل واضح ووثيقة بيّنة لاتهام الجمهورية الاسلامية الايرانية ولهذا فإن التقرير حول الحادثة الجديدة لن يكون مختلفا كثيرًا عن سابقه رُبّما بسبب أن الجاني والمدوّن للتّقرير هما جهة واحدة أو حلفاء على أقل تقدير.
لكن كيف يُمكن تحليل الهجوم الذي تعرّضت له حاملتي النفط؟ من أجل خلق فكرة أولية حول الجهة المنفّذة للهجوم يجب الالتفات الى الطّرف المستفيد بشكل أساسي من هكذا هجوم. وكما هو واضح ومعروف أن الولايات المتّحدة فتحت فصلا جديدًا في علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية الايرانية تحت عنوان ممارسة الضّغوط القصوى وصولًا الى التّفاوض فالاستسلام.
ترتكز الولايات المتّحدة في سياسة "ممارسة الضغوط القصوى" ضد إيران على جناحين أساسيين هما العقوبات الاقتصادية المتلاحقة والتّهديد بالخيار العسكري، وتتوقّع الولايات المتحدة الأمريكية أن المسؤولين في إيران ومن خلفهم الشّعب الايراني سيضطرون بعد هذا الكم من العقوبات إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لتفادي أي حرب عسكرية وبالتّالي منح الطرف الأمريكي امتيازات مهمّة في هذه المفاوضات التي يطمحون بالوصول إليها.
إلى جانب هذه الاستراتيجية، كان الأمريكيّون قد بدأوا منذ أشهر حرب نفسيّة ضخمة إلى جانب الحظر الاقتصادي، حيث كان إرسال المدمرة البحرية آبراهام لينكولن أبرز فصول الحرب النفسية هذه وتعمّد الأمريكيون إرسال إشارات إلى الإيرانيّين بضرورة التّراجع الفوري من أجل تفادي أي مواجهة عسكرية. إلّا أن مقاومة الجمهورية الاسلامية لهذه الضغوط تحت ظل السياسة العامة التي وضعها قائد الثورة الاسلامية بأن لا تفاوض ولا حرب مع أمريكا أجبرت المدمرة الأمريكية بأن ترسي خارج الخليج الفارسي وأصبح واضحا منذ ذاك الحين بأن هذا الأمر كان منذ البداية حرب نفسية لا أكثر.
مؤقتا تخلّت الولايات المتحدة عن هذه الاستراتيجيّة منذ زيارة ترامب لليابان وانتقلت بعض التحاليل لتسليط الضوء على زيارة رئيس وزراء اليابان " شينزو آبي" وتفسيرها على أنها نوع من التّوسّط بين إيران وأمريكا. لكن إيران أعلنت بشكل واضح على أن المحادثات التي يجريها رئيس الوزراء الياباني مع المسؤولين الايرانيين هي من باب الحوار وبحث العلاقات الثنائية ولا تقبلها إيران بمعنى التّوسّط بين أمريكا وإيران لأن الجمهورية الاسلامية لم تقدم على أي تصرّف خاطئ لكي تعيد النظر بتصرّفاتها، لكن ما يجب فعله هو إعادة أمريكا أولًا الى الاتفاق النووي ثم تحميلها تكاليف كافة التّصرّفات الخاطئة التي انتهجتها خلال العامين المنصرمين ثم إلغاء الحظر المفروض على باقي الدول بحرمانهم من إنشاء علاقات اقتصادية طبيعية مع إيران.
أمريكا وخلال الأيام التي سبقت وصول رئيس الوزراء الياباني إلى طهران اغتنمت الفرصة وأعادت نغمة الحرب النفسية ضد إيران من أجل إعادة خلط الأوراق وإجبار المسؤولين الايرانيين وحتى مسؤولي الدول الأجنبية على اتخاذ بعض الخطوات الخاطئة، فقبل وصول السّيد " شينزوا آبي" الى إيران قامت الولايات المتحدة بفرض حظر على قطاع البتروكيماويات الايراني على الرّغم من أن هذا الحظر يدخل في سياق الحرب النفسية أكثر من كونه حظرًا عمليّاً حسب ما أوضح بعض الخبراء الاقتصاديين لعدم وجود آليات تستطيع الحد من نشاط هذا القطاع.
ومع وصول المسؤول الياباني إلى طهران تكتمل فصول الفيلم الأمريكي عبر حادثتين تتعرض لهما حاملتي نفط في بحر عُمان مما أدى لاشتعال النيران فيهما لتقول وسائل الاعلام الغربية لاحقا أن الحادثتين هما نتيجة هجوم تعرضت لهما الحاملتين. يُمكن فهم واستيعاب ما حدث ضمن سياق الاستراتيجية الأمريكية التي ترتكز كما أوضحنا أعلاه على ركني الحظر والتّهديد بالحرب ليكتمل المشهد مع اكتمال الركن الثاني للاستراتيجية الأمريكية أي التهديد بالحرب في حال عدم الرّضوخ للمفاوضات التي جاء بها متوسطا الطرف الياباني إلى طهران.
بناءً على هذا، يُمكن توجيه أصابع الاتهام منذ اللحظات الأولى الى الولايات المتحدة أو بعض الدول والأنظمة الحليفة لها لا سيّما الكيان الصّهيوني الذي يسعي لزيادة مستوى الضّغوط على إيران. لكن التّجربة أثبتت وتثبت أن المسؤولين الايرانيين عادة ما ينتهجون المسير المنطقي للأحداث لإفشال المخططات الأمريكية وإجبارها على التّراجع عن الخطوات التي تتخذها.
/انتهى/