تاريخ الخلافات السعودية - القطرية ، من المنافسة لقيادة العالم العربي إلى دعم الدوحة الشامل للإخوان المسلمين
كانت لقطر علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية حتى عهد الشيخ خليفة آل ثاني، الا ان مجيء الشيخ حمد الى السلطة ادى الى اتساع رقعة التوتر بين الجانبين.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء ان وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" أعلن يوم الجمعة عن انعقاد محادثات بين قطر والمملكة العربية السعودية لإيجاد حل لأزمة مجلس تعاون الخليج الفارسي التي بدأت منذ منتصف عام 2017.
وأضاف: ان بلاده لها سياسة مستقلة خاصة وقطر لن تجري مباحثات مع اي طرف بشان شؤونها الداخلية معربا عن أمله في أن تسفر المفاوضات مع السعودية عن نتائج إيجابية.
قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر في الخامس من يونيو عام 2017 العلاقات مع الدوحة بذريعة دعمها للإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وهي الاتهامات التي نفتها الدوحة مرارًا وتكراراً. كما ان الكويت كانت تلعب دور الوسيطً منذ بداية الأزمة.
هذا وعقدت القمة الأربعون لمجلس التعاون الخليجي في الرياض في الـ 10 من ديسمبر الجاري. وقد وجه العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز للشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر لحضور اجتماع القمة الا ان الشيخ تميم لن يحضر قمة الرياض.
وفي خضم التوترات المتصاعدة بين المملكة العربية السعودية وقطر عقب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة أثبت للجميع انه ليس المصالح الوطنية والجشع وعدم الامتثال للمبادئ الجيدة لحسن الجوار فقط هي التي تسبب التوتر بين المملكة العربية السعودية وقطر. جزء من هذه المناسبات تأتي ضمن الخطط الأمريكية والإسرائيلية وراء الستار في الصيد في الماء العكر لخدمة مصالحهم الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
ولا يخفى على أحد توجهات واشنطن في اشعال نار الفتنة بين الأنظمة في المنطقة وحتى الدول المتحالفة معها لتمرير المؤامرات الأمريكية في المنطقة والمزيد من التسويق لأسلحتها والاستفادة القصوى من الأنظمة الملكية والوراثية العربية في ظل انعدام الديمقراطية لديها فليس لها بديل سوى الاعتماد على أمريكا والحكومات الغربية الكبرى.
محاولات لخلق تنافس إقليمي من خلال التوترات الحدودية والتاثير الإقليمي، إلى جانب العداء الوهمي أحد الوسائل الاستعمارية التقليدية لترويع أنظمة المنطقة ومحاولة لاعطاء امتيازات أكبر لكسب صداقة ودعم امريكا وإسرائيل.
يوجد حاليًا العديد من ملفات الخلافات الحدودية و السياسية بين دول المنطقة. السعودية - التركية ، السعودية - المصرية، المصرية - التركية، المصرية -الإماراتية، السعودية - القطرية، القطرية - الإماراتية، السعودية - العمانية و .... حيث تقوم امريكا بتنشيط هذه الملفات عند اللزوم ومتى أرادت. وبنظرة على تاريخ الخلافات بين السعودية وقطر نستطيع مشاهدة الدور الصهيوني الأمريكي في هذه النزاعات من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات من هذه الدول.
تاريخ الخلاف القطري -السعودي
قطر هي دولة عربية تقع جنوب غرب آسيا، في شرق شبه الجزيرة العربية وفي الجزء الجنوبي من الخليج الفارسي. قطر نفسها هي شبه جزيرة أصغر تقع في شبه الجزيرة العربية، والتي يحيط بها الخليج الفارسي من الغرب والشمال والشرق. عاصمة قطر هي الدوحة. والحدود البرية القطرية هي الوحيدة مع المملكة العربية السعودية، ولها حدود بحرية مشتركة مع إيران والكويت والعراق والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة.
يبلغ عدد سكان قطر أكثر من مليوني نسمة وتبلغ مساحتها 11493 كيلومتر مربع، ولكن لديها احتياطيات هائلة من الغاز. صنفت مجلة فوربس قطر كأغنى بلد في العالم. وتمتلك قطر أعلى مؤشر للتنمية البشرية في العالم العربي، سعت هذه الدولة في السنوات الأخيرة لأن تصبح وزناً سياسيًا إقليميًا، مما قد يخفف التوترات التي تواجهها في المنطقة.
الف: المنافسة على اخذ زمام القيادة في المنطقة العربية
في أعقاب اندلاع الثورات الشعبية في المنطقة العربية ووقوع الحرب الأهلية في سوريا، بدأت دول الخليج الفارسي من ناحية منع انتشار الثورات الشعبية وضمان وجودها، ومن ناحية أخرى لتعزيز دورها الإقليمي المؤثر ، بدات بمنافسة سرية تجاه الوحدات السياسية الاخرى بهدف ابراز نفسها والقضاء تدريجياً على القوى التقليدية في المنطقة.
وتظهر هذه المنافسة بشكل خاص من بين سائر اللاعبين الإقليميين الآخرين بين تركيا والسعودية وقطر والإمارات ،حيث تولى الأمير القطري السابق حمد بن خليفة قضية الأزمة السورية في سنواتها الأولى نيابة عن الولايات المتحدة وبذل قصارى جهده للإطاحة بالحكومة السورية. ولكن مع فشله في اسقاط الحكومة السورية، تم سحب هذا الملف من يد قطر، مما أدى إلى وقوع انقلاب ناعم في قطر، وعلى أثره تم نقل السلطة إلى الأمير تميم نجل الشيخ حمد.
وان مساعي قطر إلى إطلاق قناة الجزيرة، واستضافة المؤتمر الاقتصادي الآسيوي الأفريقي في الدوحة في عام 1997، وبذل الجهود المكثفة لاستضافة كأس العالم يعود الى هذا التوجه.
كانت طموحات قطر في السنوات الأخيرة مصدر قلق للمملكة العربية السعودية حيث قامت بتأزيم العلاقات الثنائية في مراحل مختلفة. والحقيقة هي أن زيارة دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عواقبها الكثيرة، فقد اججت حدة المنافسة الإقليمية على اخذ زمام القيادة بين دول المنطقة.
لعبت الانقلابات في قطر أيضًا دورًا مهمًا في علاقاتها مع السعودية حيث كانت علاقات قطر جيدة مع المملكة العربية السعودية أثناء حكم الشيخ خليفة آل ثاني في قطر. ولكن مجيء الشيخ حمد الى السلطة ادى الى اتساع رقعة التوترات بين الجانبين، والتي وصلت لدرجة ان السعودية حاولت عن طريق تخطيط انقلاب فاشل إعادة الشيخ خليفة الى الحكم في عام 1996 وهذا ما زاد هذا التوتر بين الجانبين.
ب: المناطق المتنازع عليها من قبل قطر والسعودية
على الرغم من حصول قطر على استقلالها في عام 1971، فإن جذور الخلافات بين البلدين تعود إلى مطلع القرن العشرين. ومنذ عام 1965 أيضًا، تقاتل كل من المملكة العربية السعودية وقطر في منطقة " الخفوس". تقع " الخفوس" بالقرب من طريق يؤدي إلى قاعدة بحرية بنتها المملكة العربية السعودية في خور العديد. وخور العديد عبارة عن خليج صغير جنوب قطر, كان تحت حكم الامارات العربية المتحدة قبل استيلاء المملكة العربية السعودية عليه.
وتعتبر جزيرة "حالول" أيضا أحد مواقع المتنازع عليها بين السعودية وقطر. تقع الجزيرة على بعد 250 كم من "خارك" و 229 كم من جزر ام القوين". تقع حالول في شرق قطر، حيث ان حقول النفط "مهزم" و"العد الشرقي" من الآبار القريبة منها. كما تحتوي حالول أيضا احتياطيات منشآت نفطية.
وفي أعقاب هذه النزاعات، سحبت الحكومة القطرية في أوائل عام 2005 الجنسية القطرية من حوالي 4000 رجل من قبيلة بني "مره" بتهمة التورط في اضطرابات عام 1997 وصادرت جميع ممتلكاتهم وقامت ترحيلهم من قطر. قبيلة بني مره هي واحدة من القبائل السعودية، استقر بعض رجالها في جنوب قطر لسنوات عديدة وأصبح مواطنين قطريين بعد تشكيل الدولة القطرية، ولكن بعد النزاعات الإقليمية والحدودية بين قطر و المملكة العربية السعودية، سحبت الدوحة الجنسية القطرية من حوالي 4000 شخص من أفراد هذه القبيلة، حيث انتقل الكثير منهم إلى شرق المملكة العربية السعودية واستقر البعض الآخر في الصحراء.
ج: الإخوان المسلمين محور الخلافات بين قطر والسعودية
ان أحد أسباب الخلافات بين الرياض والدوحة هي حركة إخوان المسلمين العالمية. بعد تطورات 2011، أدى دعم قطر للإخوان المسلمين من جهة، ومحاولة المملكة العربية السعودية لتصنيف الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية في عام 2014، إلى خلافات خطيرة بين الجانبين خلال اجتماع مجلس تعاون الخليج الفارسي في مارس 2014. وفي النهاية، غادر سفراء المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين من قطر. وجاء ذروة هذه الخلافات عندما هاجم بندر بن سلطان شرعية قطر خلال اجتماع تنسيقي حول الدعم العسكري للمعارضة السورية، قائلاً: "ان قطر مجرد 300 شخص وقناة تلفزيونية واحدة ولا يمكن اعتبارها دولة "!
بطبيعة الحال، عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين، فإن تركيا هي أيضًا واحدة من المعنيين بهذا الأمر أيضاً. حيث تعتبر تركيا أيضاً أحد أهم المنافسين للمملكة السعودية في المنطقة, وتبرز بعض هذه الخلافات أيضًا في الساحة السورية. كما تظهر المواقف المتضاربة بين السعودية وقطر وتركيا حول مشاركة المعارضة السورية المسلحة في المحادثات الأخيرة حول الأزمة السورية، وهنا تُبرز الانقسامات الرئيسية والعميقة بين الجانبين.
يذكر بعض المحللين السياسيين ان لتركيا دوراً في توتر العلاقات السعودية القطرية. حيث يتم تعزيز هذه التكهنات خاصةً عندما نرى أن تركيا قد أعطت الأولوية لتطوير العلاقات العسكرية والاقتصادية مع قطر إلى جانب العلاقات السياسية. بالإضافة الى ارتفاع مستوى الحركة الدبلوماسية بين أنقرة والدوحة، وخاصة التصريحات الأخيرة للسفير التركي في قطر حول التهديدات المشتركة والحاجة إلى إعادة تشكيل تحالف جديد بين تركيا وقطر إلى جانب إنشاء قواعد عسكرية متعددة الأغراض في البلدين، بهدف مواجهة الرياض.
ومن هذا المنظور، نرى أن التوتر في العلاقات القطرية - السعودية، بالإضافة إلى المصالح الإقليمية لهذين البلدين وسمات قادتهم الشخصية، تأتي في سياق المصالح والمخططات الصهيونية - الأمريكية وتصفية الحسابات الإقليمية و النزاعات الاقليمية التاريخية، وحتى لو تم تهدئة هذه النزاعات بين الدولتين على المدى القصير، ولكن تبدو العلاقات الثنائية بين الدوحة والرياض غير قابلة للحل على المدى البعيد.
/انتهى/