ايران.. خطة "التباعد الاجتماعي الذكي".. ما هي أهميتها في مكافحة كورونا؟
بدأت السلطات الإيرانية اليوم السبت بتنفيذ خطة التباعد الاجتماعي الذكي كمرحلة ثالثة من مراحل التباعد الاجتماعي السابقة للحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد.
في أعقاب انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في جميع أنحاء العالم اتخذت سلطات الدول المصابة عدة تدابير وإجراءات احترازية لوقف زحف الفيروس وللحد من انتشاره وكان من أهم هذه الإجراءات هي خطة التباعد الاجتماعي وحظر التجول، حيث تقضي هذه الخطة بمنع الأشخاص من التجمع في مكان واحد وتخفيف حدة الازدحامات الاجتماعية بما في ذلك أماكن العمل والمراكز الدينية والترفيهية والاجتماعية.
وتأتي هذه الخطة في ضوء مكافحة انتشار فيروس كورونا الذي غزا دول العالم في فترة وجيزة حيث تظهر اخر الاحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لعدد الإصابات والوفيات بهذا الفيروس الى مدى إيجابية وفاعلية تطبيق خطة التباعد الاجتماعي في الدول المصابة والتاثير السلبي للتأخر في تنفيذ هذه الخطة في بعض الدول، على سبيل المثال كانت الصين وايران تتصدران قائمة دول العالم المصابة بهذا الفيروس بمعدل الإصابات اليومية والكلي، بينما اليوم فان الولايات المتحدة الامريكية تليها صفوة الدول الأوروبية تتربع على قائمة إحصاءات الإصابات اليومية ومعدل الوفيات، بينما تأتي الجمهورية الإسلامية في المرتبة الثامنة مسجلة تقدم ملحوظ في عدد الوفيات ومعدل شفاء المصابين.
وفي هذا الصدد تحتل الولايات المتحدة الامريكية اليوم المركز الأول في قائمة الدول المصابة بفيروس كرونا وذلك خلال فترة وجيزة للغاية حيث سجلت أمريكا يوم أمس فقط 33.483 إصابة و 2.037 وفاة بفيروس كورونا المستجد ليصل العدد الكلي الى 502.049 إصابة و مجموع الوفيات الى 18.719 وفاة، حيث يعزو المتخصصين في القطاع الصحي هذا التدهور الى سوء إدارة ترامب الذي أعلن سابقاً ان بلوغ عدد الوفيات في أمريكا الى ال 200 الف هو معدل مقبول بالنسبة له.
خطوات ايران لمكافحة فيروس كورونا
يؤكد الخبراء أن التباعد الاجتماعي هو الحل الأسرع لاحتواء وباء كورونا (كوفيد-19) عبر التقليل من عدد الإصابات، مما دفع معظم حكومات العالم لفرض إجراءات متعددة وبدرجات متفاوتة. وفي دراسة أجريت بجامعة إمبريال كوليدج في لندن، قال الباحثون إن التصرف المبكر والصارم للحكومات يمكنه أن يقلص الوفيات بالفيروس بنحو 95%.
ويتطلب التباعد الاجتماعي بقاء الناس في منازلهم وإيقاف جميع الأنشطة والتجمعات، مما يعني إجبارهم على العمل من المنازل والدراسة عن بعد. كما بيّن الباحثون أن تقليل التواصل بين عموم السكان بنسبة 40%، وبين كبار السن والضعفاء بنسبة 60%، قد يؤدي إلى خفض عدد المصابين بمقدار النصف تقريبا. واقترحت الدراسة تخفيف الإجراءات عندما يكون عدد الحالات التي تحوّل للرعاية المركزة أقل من 100 حالة في الأسبوع، وعندما يقترب الرقم من 100 يتجدد تشديد إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق.
اتخذت الحكومة الإيرانية عدة إجراءات وتدابير وقائية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد بما في ذلك خطة التباعد الاجتماعي والتي تم تنفيذها على عدة مراحل، حيث تم في المرحلة الأولى تعطيل التعليم في المدارس والجامعات وتعليق الفعاليات الرياضية والثقافية والاجتماعية والدينية وفرض قيود على تنقل المواطنين، بينما أكدت السلطات على العاملين على تنفذ الخطة عدم المبالغة في تنفيذها حرصاً على سلامة المواطنين الصحية والنفسية.
اما المرحلة الثانية فقد شملت مستوى عاليا من تدخل الحكومة، حيث فرض فيها إجراءات مشددة وتدخلات أكثر صرامة وحظر التجوال داخل المدن ومنع التنقل بين المدن وفرض حجر صحي فيها وعزل الأشخاص الذين يشتبه بإصابتهم مما أدى الى تقليص أعداد الوفيات والاصابات في البلاد، حتى ان السلطات الإيرانية قد اعتمدت نظام المكالمات التصويرية في أغلب اجتماعاتها الرسمية بما في ذلك جلسات البرلمان التي كانت تقام بشكل علني خلال بث مباشر على التلفاز ووسائل الاعلام.
وكما نعلم بان جميع الخطط الوقائية تحمل في طياتها أثار جانبية على المجتمع خاصة من الناحية الاقتصادية فقد عملت السلطات الإيرانية على تخصيص مبالغ مالية لأكثر من 4 مليون أسرة والتي تعتمد في دخلها على الأعمال الحرة والتي لا تتقاضى أجر ثابتاً مثل سائقي سيارات الاجرة والحافلات والبائعين المتجولين وغيرهم في محاولة من الحكومة لتخفيف وطأة الحجر المنزلي على المواطنين على الرغم من الحالة الاقتصادية القاسية التي تسود البلاد جراء الحظر الأمريكي الجائر.
وفي ضوء المرحلة الثالثة من خطة التباعد الاجتماعي أعلن حجة الإسلام حسن روحاني رئيس الجمهورية، وبعد تلقيه عدة تقارير منفصلة من وزيري الداخلية والصحة، بشأن تنفيذ خطة "التباعد الإجتماعي" الذكية بدءا من اليوم السبت، وبدء نشاطات المهن ذات الخطر القليل في جميع المحافظات بإستثناء طهران، مؤكدا ضرورة تنفيذ هذه الخطة مع الرقابة الدقيقة والمراعاة التامة للبروتوكولات الصحية المعلنة من قبل وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمكافحة كورونا، حيث قدم وزير الصحة سعيد نمكي الى الرئيس روحاني تقريرا عن آخر الاوضاع في المحافظات وطهران خلال الأيام الماضية، ومدى الجاهزية لتنفيذ خطة "التباعد الإجتماعي" الذكية وتقييمها.
وفي سياق متصل أكد روحاني ضرورة القيام بالتنسيق اللازم مع سائر الاجهزة والرقابة الدقيقة والجادة من قبل وزارة الصحة لمراعاة كل البروتوكولات الصحية من قبل جميع أصحاب المهن قليلة الخطر خلال فترة تنفيذ هذه الخطة، مشدداً على ضرورة التنسيق الأكثر إنسجاما بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة من أجل المضي قدما في تنفيذ خطة "التباعد الإجتماعي" الذكية، وإستعادة نشاط المهن ذات الخطر القليل بدءا من اليوم السبت، وضرورة تنفيذ ومراعاة جميع البروتوكولات الصحة بدقة في جميع المشاغل والأماكن العامة وخاصة في وسائل النقل العامة.
جدير بالذكر ان جميع هذه الخطوات تأتي في ظل العقوبات الامريكية على الأدوية والمعدات الطبية الإيرانية والتي تحول دون وصول الأجهزة والمواد الصحية اللازمة الى ايران من أجل مكافحة الوباء، على الرغم من ان العديد من المنظمات المدنية وحقوق الانسان قد دعت مؤخراً الى رفع هذه العقوبات لمساعدة ايران في التصدي للفيروس الا ان واشنطن لا زالت تضرب بهذه المطالبات عرض الحائط.
وفي اخر خطوة لطهران طالب "إسماعيل بقائي" مبعوث إيران الدائم لدى الأمم المتحدة فى جنيف، برفع العقوبات الأمريكية عن بلاده في ظل جائحة كورونا. وقال بقائي في خطاب أرسله إلى مدير منظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم جيبريسوس» إن العقوبات عرقلت المعاملات المصرفية الإيرانية مع الدول الأخرى لشراء سلع ضروية لمكافحة فيروس كورونا، محذراً من أن هذه القيود تشكل تهديداً خطيراً لجهود طهران لمحاولة احتواء تفشي الفيروس.
وفي شأن متصل دعا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل آلية "الاعفاء الإنساني" بهدف تعليق الحظر الأحادي المفروض على إيران من أجل تعزيز طاقاتها في مكافحة فيروس كورونا المستجد . وقال وزير خارجية اسبانيا «آرانجا غونزالس لايا»: إن الحظر الاقتصادي الأمريكي على إيران يضم بنداً حول الاعفاء الإنساني حيث يمكن تعليق الحظر وفق ظروف إنسانية طارئة كما هو الحال في مكافحة كورونا.
ومن جانبها حثّت مجموعة الـ 77 والصين المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير عاجلة وفعّالة لإنهاء الإجراءات الاقتصادية المفروضة على إيران لتأثيرها السلبي على قدرتها في التصدي لفيروس كورونا الجديد. وأكدت المجموعة والصين في بيان على ضرورة عدم السماح بأي تمييز للدول أو الشعوب أو الأفراد فيما يتعلق بجائحة “كوفيد 19”. وأكد البيان أن هذا هو الوقت المناسب للمجتمع الدولي والبلدان المتقدمة والنامية على حد سواء لإثبات القدرة على العمل معاً للتخفيف من آثار الوباء وبناء مجتمع الرخاء المشترك للبشرية.
/انتهى/