المدينة المحروقة في زاهدان من مفاخر ايران الأثرية + صور


المدینة المحروقة فی زاهدان من مفاخر ایران الأثریة + صور

مفخرةٌ من مفاخر ايران الاثرية العائدة تاريخها الى العصر البرنزي و المسجّلة اسمها في قائمة منظمة يونسكو للتراث العالمي حيث يتوافد اليها السيّاح من ارجاء العالم مسحورين بروائعها! المدينة المحروقة (شهرِ سوخته)؛ أول مدينةٍ في العالم حازت على التقدّم والتكنولوجيا والحضارة الراقية بينما كانت حضارات العالم الأخرى ناشئةً.

محافظة سيستان وبلوشستان بمركزية مدينة زاهدان ذات مناظر طبيعية فريدة من نوعها تتنوع بين السهول الخضراء والبوادي الشاسعة الجرداء وكذلك الجبال المرتفعة والمنخفضة الخضراء والجرداء، والأهم من كل ذلك آثاراها القديمة التي تضرب بجذورها في شتى الحقب التأريخية ولا سيما مدينة قديمة محترقة يطلق عليها باللغة الفارسية اسم "شهر سوخته" أي المدينة المحروقة التي تعتبر مهد الحضارة الإيرانية لدرجة أنّ البعض اعتبر التعرف على معالمها يعني التعرف على واقع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية القديمة في إيران القديمة.

تقع هذه المدينة شرقي الجمهورية الإسلامية وهي تحظى بأهمية بالغة على صعيد المنطقة بأسرها، فالاطلاع عن كثب على الآثار المتبقية منها يسهل التعرف على حقيقة العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت موجودة بين مختلف الحضارات التي شهدتها شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والمناطق المحاذية للخليج الفارسي وبين النهرين.

ولدى دراسة الآثار المتبقية من هذه المدينة المحترقة يتسنى للباحثين التعرف على مسيرة التحول العلمي والفني والثقافي في إيران، ولا سيما على صعيد المسائل التالية: علم الآثار، علم الاجتماع، التجارة المحلية والدولية، تأريخ التمدن والعمارة، مسيرة التحول المعماري، مسيرة تطور الفنون التقليدية، تأريخ بداية الكتابة، تأريخ العلوم الطبية وسائر العلوم المرتبطة بها، علوم الحيوان، التغذية، الزراعة، البيطرة، تربية المواشي، علم الحشرات، علم النبات، علم الأرض، فنون تركيب الفلزي، فنون صناعة الفخار، فنون صياغة المجوهرات، الحياكة. كل هذه الأمور يمكن استيحاؤها من الآثار التي تم استكشافها في هذه المدينة الأثرية.

مدينة الآثار المتنوعة

استكشف علماء الآثار خلال تنقيباتهم في هذه المدينة المحروقة "شهر سوخته" الكثير من الآثار ومن جملتها وسائل طب وجراحة متطورة آنذاك، وقطع قماش فاخرة، قطع فخارية مطلية بأصباغ ثابتة، أطعمة مخزّنة، وغير ذلك الكثيرة. تقع هذه المدينة الأثرية على مسافة 56 كم من مدينة زابل وعلى قارعة الطريق الواصل بين هذه المدينة ومدينة زاهدان، وتشتمل على تلال يتراوح ارتفاعها بين 12 إلى 18 كم من سطح الأرض، ويقول علماء الآثار إنها تضرب بجذورها في 3500 أو 4000 سنة قبل الميلاد.

الحفريات التنقيبية

ابتدأ التنقيب في المدينة المحترقة "شهر سوخته" في عام 1967م وما زالت العمليات الاسكشافية متواصلة حتى يومنا هذا، حيث أطلقها فريق من علماء الآثار الإيطاليين تحت رعاية مركز دراسات الشرق الأوسط والشرق الأدنى الإيطالي بإشراف الخبير "توجيه" وبالتعاون مع مؤسسة علم الآثار الإيرانية وفي عام 1974م انطلقت عمليات جديدة من التنقيب بإشراف الخبير الإيراني منصور سيد سجادي.

وتفيد بعض المصادر التاريخية أنها سميت بهذا الاسم، أي المدينة المحروقة أو المحترقة "شهر سوخته" قبل 150 عاماً حينما عثر السكنة المحليون على آثار لبقايا مدينة قد احترقت بالكامل، ويقول البعض إنها أمضت أربع مراحل من الاستقرار والثبوت هي مرحلة التأسيس، ومرحلة الازدهار، ومرحلة بداية الزوال، ومرحلة الزوال. وتفيد الشواهد أنّها أحرقت مرتان، المرة الأولى في عهد ازدهارها، والمرة الثانية في عهد زوالها، وأول من ذكرها بهذا الاسم عالم الآثار البريطاني أورال شتاين.

ومن جملة الآثار التي تم العثور عليها في هذه المدينة بناء كبير على هيئة مستطيل فيه ممر طويل ومدرجات بمساحة 500 كيلومتر مربع، وجدرانه سميكة يبلغ ارتفاعها 3 م وهو عبارة عن قصر قديم وبقاياه تدل على أنه قد احترق، وجراء الحفريات والتنقيبات التي أجريت فيه تم العثور على آلاف القطع الأثرية من الفخار وغيره، كما عثر فيه على العديد من الملحقات الأخرى كالغرف والممرات والدهاليز وما إلى ذلك من فنون العمارة.

مقبرة  "شهر سوخته"

في عام 1972 م اكتشف أول قبر في المدينة المحروقة "شهر سوخته" خلال الحفريات، ويؤكد المنقبون على أنّ القبور التي عثروا عليها استخدم فيها اللبن للحفاظ عليها من الزوال بسرعة، والطريف أن هذه القبور متنوعة الأشكال من حيث البنية والمحتويات ولربما لا يعود سبب ذلك إلى سن المدفون أو جنسه، وإنّما السبب يرجع إلى المعتقدات الدينية والإثنية لأهالي تلك الديار من حيث المذهب والطبقة الاجتماعية. وفي بعض القبور تم العثور على العديد من الوسائل الشخصية كالحلي والقطع الدينية الصغيرة ومنتوجات الحرف اليدوية وأطعمة وأواني فخارية، ولا يكاد قبر يخلو من هذه الأشياء كلها أو بعضها.

أول عملية جراحة للجمجمة وأول عين صناعية في التأريخ البشري

في عام 1977 م وضمن عمليات التنقيب الأثرية في المدينة المحروقة "شهر سوخته" اكتشف قبر جماعي فيه عدة أموات ومن ضمنهم هيكل عظمي لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها، وقد اكتشف العلماء في جمجمتها آثاراً لعملية جراحية على هيئة شق مثلث الشكل يقع في النصف الأيمن منها لذلك اعتبر بعض الخبراء إنه ربما يرجع إلى عملية جراحية أجريت للجمجمة آنذاك لعلاج أحد الأمراض، ولكنها كانت عملية فاشلة والفتاة توفيت بعد عدة أشهر من إجرائها.

أضف إلى ذلك ففي عام 2006 م اكتشف المنقبون على عين صناعية في هذه المدينة الأثرية في هيكل عظمي لامرأة عثر عليها ضمن المقابر التي عثر عليها، وهي مصنوعة من القار الطبيعي ومركبة مع جلد حيواني وقد حبكت بشكل عجيب حيث تم ربطها ببدن المرأة بخيوط رقيقة من الذهب يبلغ قطرها أقل من نصف مليمتر، وهذه العين محفوظة اليوم متحف واقع جنوب شرقي مدينة زاهدان. ويتراوح سن هذه المرأة بين 28 إلى 32 عاماً وقد اكتشفت في قبرها العديد من القطع الأثرية التي تدل على أنها كانت من الطبقة المرفّهة.

بعد اكتشاف هذه العين الصناعية القديمة الفريدة من نوعها، بادر الباحثون والمختصون إلى صناعة أنموذج مماثل لها كما صنعوا دمية مشابهة لصاحبة هذه العين بمعونة فريق من الفنانين والمعنيين بصناعات الماكيت وذلك في عام 2015 م وفي هذا السياق قالت السيدة نگار نادري پور الخبيرة في صناعة التماثيل: صناعة هذا الأنموذج وتصور وجه السيدة التي ركبت العين في جمجمتها قد أجري في إيران لأول مرة، حيث اعتمدنا على الأسلوب التصويري ثلاثي الأبعاد.

الحلي الفاخر المدينة المحروقة

الآثار التي اكتشفت في المدينة المحروقة أو المحترقة "شهر سوخته" كثيرة جداً ومن ضمنها أنواع عديدة من الحلي الفاخر مما يدل على ازدهار هذه الحرفة الهامة في الحضارة الإيرانية القديمة، فقد اكتشف علماء الآثار الكثير من الأحجار الثمينة ومن العقيق واللاجورد والفيروزة والرخام إلى جانب مصوغات من الذهب والفضة وسائر المعادن الراقية.

مسطرة عمرها 5000 عام

عثر علماء الآثار خلال الحفريات التي أجروها في المدينة المحروقة، على مسطرة خشبية مصنوعة من شجرة آبنوس. هذه المسطرة طولها 10 سنتيمرات ودقتها نصف ميليمتر. المسطرة المكتشفة هذه تؤمى الى أن أهالي المدينة المحروقة كانت لديهم انجازات وتطوّر ملحوظ في علم الرياضيات.

أقدم طاولة نرد في العالم

كما عثر في مقبرة المدينة المحروقة الأثرية على أقدم طاولة نرد في العالم اضافة الى 60 فرزة منها. طاولة النرد هذه هي أقدم من تلك التي اكتشفت في مقبرة مدينة «أور» الملكية في بين النهرين.

أول صورة متحركة (الأنيميشن) في العالم
عثر علماء الآثار أثناء تنقيباتهم في مقبرة تعود الى قبل خمسة آلاف سنة، عثروا على كأس نقشت عليها صورة عن ماعز وشجرة. وبعد اجراء أبحاث متعددة على الكأس هذه، توصل علماء الآثار الى نتيجة مهمة وهي أن الصورة المنقوشة على هذه الكأس وخلافاً لباقي المكتشفات في محيط المدينة المحروقة، تتبع تكراراً هادفاً يؤمى الى توجه الماعز نحو الشجرة. وفي الحقيقة ان الفنان والرسام الذي جعل من هذه الكأس الفخارية لوحة للرسم، صمم بريشته وانطلاقاً من مهارته ونبوغه، ماعزاً يتحرك باتجاه الشجرة وليتغذى من أوراقها، وذلك من خلال رسم خمس حركات مكررة هادفة؛ الأمر الذي جعل علماء الآثار يقرّبون هذه الصور الى بعضها البعض ونجحوا أخيراً في إنتاج صورة متحركة (الأنيميشن) تبلغ مدتها عشرين ثانية.

أسباب احتراق المدينة

بعض الخبراء وعلماء الآثار يعتقدون بأنّ المهاجرين إلى هذه المدينة الأثرية وتغيير مجرى نهر "هيرمند" هما السبب في احتراقها بشكل مفاجئ، ويقول خبير الآثار السيد مهدي مرتضوي إن الشواهد تدل على أن المدينة لم تحترق بالكامل كما يتصور البعض، ولكن بعد اضمحلال حضارتها هاجر إليها بعض الناس ونظراً للجفاف والجدب الذي حل بها وتضاؤل مصادر المياه كانوا يحفرون الأرض ويستغلون بقاياها للتدفئة وطهي الطعام لتبقى آثار الاحتراق في كل بقعة منها، وهذا هو السبب الحقيقي في تسميتها بـ The Burnt City المدينة المحروقة. وهذا طبعاً مجرد رأي واحد، وهناك آراء أخرى يمكن للمتبع مطالعة تأريخ المدينة للتعرف عليها.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة