المشروع الأميركي لزعزعة أمن المنطقة.. من الذي يسبب التوتر؟
تتابع القوات الأميركية خطة طويلة الأمد، تتمثل في إثارة الفوضى الخلاقة لضمان مصالح واشنطن الإقتصادية والسياسية بالمنطقة.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء، بأن الإدارة الأميركية ومنذ عدة عقود تتهم إيران بدعم الإرهاب، وتنتقد ما تسمه "الدور المخرب" لإيران بالمنطقة. وفي هذا الإطار يسعى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لمنع إلغاء الحظر التسليحي على إيران، وفرض قيود دائمة على شراء وبيع السلاح من قبل إيران.
وفيما تتذرع واشنطن بأن إيران عملت ومازالت على زعزعة الأمن بالمنطقة، فإن ذلك يكشف مدى التناقض في كلام الأميركان وسلوكهم. فأميركا هي أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، حيث يشير تقرير لمعهد ستوكهولم للسلام أن أميركا أنفقت 732 مليار دولار في 2019 على ميزانيتها العسكرية، واللافت أن الدول الخمس الأول في القائمة والتي تبدأ بأميركا وتنتهي بالسعودية، احتلت 62 بالمائة من الإنفاق العسكري العالمي، فيما تبلغ حصة أميركا لوحدها 38 بالمائة. كما أن أميركا تحتل المرتبة الأولى في مبيعات الأسلحة عالميا، حيث صدرت أسلحة إلى 96 دولة، وكانت نصف هذه الاسلحة قد بيعت الى الشرق الاوسط في الفترة ما بين 2015 و2019، ما حول هذه المنطقة إلى برميل من البارود.
والمستغرب هو أن أكبر صانعي الحروب والمصدرين للأسلحة يبدون قلقهم من صفقات التسليح الايرانية. في حين أن إيران سواء من حيث الإنفاق العسكري او من حيث شراء الأسلحة أو بيعها لا تصل إلى معشار هؤلاء.
ومن جهة أخرى تنشر أميركا 800 قاعدة عسكرية في 70 بلدا بالعالم، فيما تنتشر بريطانيا وفرنسا وروسيا ما مجموعه 30 قاعدة خارج حدودها. فمثلا خلال غزوها للعراق احلت أميركا قرابة 505 قواعد، ولكن بعد خروج قواتها من العراق، كان البنتاغون بصدد السيطرة على 58 قاعدة في هذا البلد، الامر الذي قوبل برفض من البرلمان العراقي، وانخفض هذا العدد منذ 2014 إلى 5 قواعد.
والتناقض الآخر، هو أن أميركا تتظاهر بالقلق والحرص على الديمقراطية، في حين أن لديها مئات القواعد العسكرية حول العالم والتي تتعارض مع رغبات الشعوب، كما أن موقع "غلوبال ريسيرتش" كتب في تقرير نشره في شباط/فبراير 2015، أن أميركا ومنذ تأسيسها واستقلالها (في عام 1776) قضت قرابة 93 بالمائة من تاريخها في الحروب. أي أنها كانت منشغلة بالحروب لفترة 222 سنة من مجموع 239 عاما. فنداء أميركا بالسلام والديمقراطية كان دوما ممزوجا برائحة الدماء والبارود، وفي منطقتنا كذلك لم يكن قليلا ما تذوقته في هذا المجال.
والأسوأ من ذلك، هو أن أميركا تشعر دوما أنها صاحبة الحق والفضل على العالم، بدل من كونها مدينة للمجتع الدولي. وفي هذه الايام فإن سياسة واشنطن هي استمرار لسلوكياتها وديدنها، فمنذ سنوات تمارس أميركا حربا ضد إيران في مختلف الجوانب بدءا من الإقتصاد ووصولا إلى الأمن، رغم أن هذه الحرب لم تدرج في قائمة الحروب الأميركية، وما اغتيال العلماء والمسؤولين الايرانيين والهجمات السايبرية والعسكرية ومختلف انواع الممارسات الأميركية العدائية إلا أدلة على إختلاق واشنطن للتوتر والأزمات.
ومنذ أن تولى ترامب زمام الإدارة الأميركية لم يكن أقل من سابقيه، فقد تسبب بإثارة الفوضى وإنعدام الأمن بالمنطقة والعالم بخروجه من الإتفاق النووي، وبفرضه الحظر والضغوط القصوى على ايران والتي واجهتها بالمقاومة القصوى من جانبها. كما أدرج اسم الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، وبدأ باللعب بالنار باغتياله الشهيد قاسم سليماني والمسؤولين العراقيين. ومن المؤكد أن سلسلة الإجراءات الأميركية خلال السنوات الأخيرة ترمي لتحقق هدفين؛ أولهما إغلاق باب الدبلوماسية والآخر زيادة التوتر والفوضى في المنطقة والعالم.
وفيما يوجه المسؤولون الأميركان الإتهامات إلى ايران، فإنهم بصدد إثارة الحد الأقصى من التوتر، بهدف تغيير سلوك إيران، والهدف الآخر هو إعادة ترتيب المنطقة والعالم با يضمن مصالح واشنطن، وذلك لترسيخ تواجدهم في منطقة غرب آسيا وترغيب دول المنطقة بشراء المزيد من الأسلحة الأميركية.
ويأتي تواجد القوات الأميركية في العراق رغم معارضة البرلمان والحكومة في بغداد، شاهدا على أن أميركا تريد من خلال زيادة التوتر ان تفرض نفسها على المنطقة. فهي تقوم بتقوية تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق لكي تحصل على ذريعة للبقاء في هذا البلد. كما تأتي إثارة التوتر في منطقة الخليج الفارسي في هذا الإطار، وكان آخرها المواجهة التي حصلت في 15 نيسان/أبريل بين القطع البحرية الاميركية والايرانية، حيث صرح الادميرال تنكسيري قائد القوة البحرية للحرس بهذا الشأن: "لقد دخل الاميركان في نطاق منطقة تدريباتنا، في حين أننا كنا أعلنا مسبقا اننا نريد إجراء تدريبات في هذه المنطقة... إنهم بصدد زعزعة الأمن من خلال هذه الإجراءات، ولذلك أخطرناهم ليخرجوا منها".
وأشار الأدميرال تنكسيري الى قيام القوات الأميركية بتفتيش زوارق الصيد الايرانية، وقال: "لا يمكننا تقبل تفتيش الاميركان لزوارق صيدنا، وتحليق المروحيات الأميركية في منطقة منصاتنا النفطية، ونرفض الإستهزاء بحقوقنا".
إن الخليج الفارسي يعتبر بيتا لإيران، والعقل السليم لا يقبل أن يؤجج أحد النار في بيته، ولكن الغريب القادم من آلاف الأميال من وراء البحار، بصدد تأجيج النار بالبيت وتحقيق مآربه من وراء ذلك. والسؤال هو: ماذا تفعل أميركا في هذه المنطقة التي تبعد عنها آلاف الأميال؟ والجواب على هذا السؤال يوضح من يريد تأجيج التوتر في المنطقة. فلو أرادت القوات البحرية الإيرانية ان تجري تدريباتها قرب سواحل فلوريدا، فماذا سيكون رد فعل أميركا؟ ألايحق لإيران وللدول الأخرى ان تجري مناورات عسكرية في المياه الدولية وقرب المنصات النفطية الأميركية؟ فإن كان الجواب لا، فلماذا تفعل أميركا ذلك في الخليج الفارسي؟
ومن الطبيعي أن أميركا قلقة ومتخوفة من سياسة ايران ومقاومتها، لأن التواجد الأميركي سيواجه مشكلة في المنطقة؛ إذ أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت أن إنتقامها الإستراتيجي إزاء إغتيال الشهيد سليماني سيكون في خروج القوات الأميركية من المنطقة.
/ انتهى /