قرار «إسرائيل» بالتنقيب عن النفط في لبنان: إعلان حرب أم استثمار فرصة؟
منذ أن ظهر التباين بين لبنان والعدو الإسرائيلي بشأن حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة للبنان، امتنعت «إسرائيل» عن الاقتراب من المنطقة التي يتمسك بها لبنان ويصرّ على أنها جزء من حقوقه خشية من ردّ فعل المقاومة.
*العميد د. أمين محمد حطيط
ولم تفلح الوساطة الأميركية رغم مضيّ أكثر من 6 سنوات على انطلاقاتها لم تفلح في حلّ الخلاف حول المنطقة المتنازع عليها والبالغة مساحتها 862 كلم2.
الخلاف اللبناني الإسرائيلي هذا فاقمه أيضاً العدوان الإسرائيلي على 13 منطقة حدودية جنوبي خط الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة، التي تطمح «إسرائيل» لإسقاطها وإعادة ترسيمها مجدّداً بما يكسبها مساحات تحتلها الآن وتدّعي خلافاً للحقيقة والقانون بأنها مناطق متنازع عليها، وهي ليست مطلقاً محلّ نزاع لأن اتفاقية بوليه نيوكمب نهائية وحاسمة وتؤكد أنّ هذه المناطق لبنانية من دون أدنى شكّ وبهذا اعترفت الأمم المتحدة في العام 2000 وعلى هذا جرى التحقق من الاندحار الإسرائيلي من قبل لجنة برئاستي في ذاك العام.
بيد انّ المطامع الإسرائيلية لا تقتصر في لبنان على البحر وما فيه او الحدود البرية ومناطقها الـ 13 المعتدى عليها بل تشمل أيضاً الحدود اللبنانية السورية حيث ضمّت «إسرائيل» وبدعم أميركي مزارع شبعا اللبنانية إلى الجولان السوري وضمّت إليها كامل المنطقة مضافة إليها الغجر اللبنانية وبعض المساحات في العباسية والنخيلة، ما جعل الحقوق اللبنانية موضع المطامع الإسرائيلية تصل إلى 862 كلم2 في البحر، و25 مليون متر مربع جنوبي خط الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة و42 كلم2 في مزارع شبعا والغجر.
وترى «إسرائيل» انّ القانون الدولي لن يوفر لها أيّ فرصة لنيل شيء مما تطمع به، فقانون البحار يعطي الحق للبنان في البحر واتفاقية بوليه نيوكمب المصادق عليها دولياً تثبت حدوده مع فلسطين بشكل نهائي لا يغيّر في نهائيته ما أقدم عليه ترامب في خريطته المرفقة برؤيته للسلام تلك الخريطة التي أغفلت الحدود وعملت بخط هدنة مؤقت، وأخيراً الاتفاقات اللبنانية السورية حول مزارع شبعا التي تؤكد لبنانية المزارع.
ولأنّ القانون بكلّ قواعده نصاً واتفاقيات دولية يمنع «إسرائيل» من نيل ما تطلب، فإنّ «إسرائيل» تعود إلى منطق القوة الذي هو في الأصل أساس نشأتها، ولكن إعمال منطق القوة ضدّ لبنان بعد العام 2006 بات بالحسّ «الإسرائيلي» العملي والتجريبي متعذّراً بسبب معادلة الردع الاستراتيجي التي فرضتها المقاومة التي يقودها ويمارسها حزب الله. أضف إلى ذلك انّ وجود المقاومة وحلفائها في السلطة اللبنانية بات من شأنه أن يمنع أيّ حكومة في لبنان من التنازل لـ «إسرائيل» مهما كانت الضغوط الأميركية. ما يعني أنّ «إسرائيل» وصلت في مواجهة لبنان إلى الحائط المسدود لأنّ القانون لا يعطيها حقاً والمقاومة تحرمها من استعمال القوة لاغتصاب ما تريده. وباتت «إسرائيل» أمام فرض من اثنين: أما أن تخضع لقواعد القانون وتتخلى عن أطماعها، أو أن تزيل عقبة حزب الله لتعود وتستند إلى منطق حق القوة وتغتصب ما تريد إما باتفاقية إذعان وإما بفرض ميداني تنتجه الحرب.
وفي السنوات الأخيرة راهنت «إسرائيل» على الحرب الكونيّة على سورية لتفكيك محور المقاومة وإسقاط حزب الله، لكن الحرب استنفدت مراحلها ولم يتحقق شيء مما تمنّت، وراهنت على استراتيجية الضغوط القصوى ضدّ محور المقاومة بما فيه إيران وسورية وحزب لله، ولمست في الأسابيع الأخيرة نوعاً من الجنون الأميركي ضد ّلبنان عامة وحزب الله خاصة، وظنّت انّ ما كتبته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية من أنّ «لبنان يتجه إلى الانهيار والبؤس والجوع»، انه كلام سيتحقق، ونظرت بارتياح إلى سلوك سفيرة أميركا في لبنان السلوك الخارج على كل قواعد القانون الدولي العام واتفاقية فيينا التي تنظم السلوك والعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وكانت غبطتها شديدة عندما لمست الانقسام اللبناني العمودي والحادّ حول أداء تلك السفيرة، وكوّنت من كلّ مشاهداتها صورة جعلتها تظنّ بأن فرصة اتخاذ القرارات الصعبة في مواجهة لبنان قد حانت، فسارعت إلى استغلالها واتخذت في مجلس وزرائها قراراً بالسماح بالتنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها مع لبنان وتحديداً في البلوكات 8 و9 و10 من تلك المنطقة اللبنانية. فإلى أين سيقود هذا القرار؟.
في البدء لا بدّ من التأكيد أنّ حسم النزاع على حدود المنطقة الاقتصادية من جانب واحد هو عمل غير مقبول خاصة إذا جاء من طرف لم يوقع قانون البحار كما هو حال «إسرائيل»، كما أنّ قبول لبنان الرسمي بالأمر الواقع الإسرائيلي المفروض هو أمر غير مقبول وغير متوقع، وبالتالي يكون على لبنان ومن أجل حماية حقوقه أن يتصرف بكلّ ما هو متاح له من مسالك ويلج كلّ ما يمكنه ولوجه من أبواب، وتأتي في طليعة تلك الوسائل الدبلوماسية بما فيها اللجوء إلى الأمم المتحدة وهيئاتها وكذلك اللجوء إلى طرف ثالث من الدول التي تدعي صداقة لبنان وفي طليعتها أميركا.
بيد أننا لا نثق بكلّ تلك المخارج. فالتجارب علمتنا أنها عقيمة ويكفي ان نتذكر انّ تحرير الجنوب لم يتمّ بالقرار 425 الذي بقي 22 عاماً طيّ النسيان، ولو لم تكن هناك مقاومة لكان احتلال الجنوب مستمرّاً ما يعني أنّ على لبنان أن لا يركن إلا لقوّته المشكّلة من الجيش والمقاومة التي يحتضنها شعب متمسك بحقوقه، وهذا تعرفه «إسرائيل» وسمعته أكثر من مرة من قائد المقاومة الذي وبكلّ وضوح أنذر «إسرائيل» بالردّ على أيّ عدوان على المنطقة الاقتصادية في الحدود التي ترسمها لها الدولة اللبنانيّة، فهل «إسرائيل» المطلعة على هذا الموقف تسعى إلى هذه المواجهة باتخاذها قرار التنقيب؟.
«إسرائيل» تعرف انّ المقاومة لا تهدّد استعراضياً، وأنها قادرة على المواجهة ولكنها كما يبدو تظنّ انّ سياسة الضغوط القصوى والحصار الخانق ومحاولات الفتنة مع احتمالات الحرب الأهلية الشاملة في لبنان ستمنع المقاومة عن الردّ او ستشغل المقاومة عن هم الجنوب لتدافع عن نفسها وعن بيئتها في الداخل، ما يوفر لـ «إسرائيل» فرصة العمل من جانب واحد وهي فرصة لا تتكرّر وتكون «إسرائيل» اتخذت قرارها محدوّة باحتمال من ثلاثة:
1 ـ جسّ نبض لبنان للوقوف على إرادته وقدرته على الردّ. ولأنه لا يعنيها ولا تهتمّ بكلّ ما هو سياسة ودبلوماسية فإنّ «إسرائيل» ستراقب ردّ الفعل في الميدان من قبل الجيش اللبناني وحزب الله ومقاومته بتنسيق أو من غير تنسيق مع الحكومة. فإذا لمست الجدية اللبنانية في اللجوء إلى القوّة فإنها ستجد لنفسها مخرجاً يجنّبها المواجهة التي قد تطوّر إلى حرب لا تريدها الآن.
2 ـ الضغط على لبنان وهو في حالة التردّي القائمة والانهيار، الضغط عليه للذهاب إلى مفاوضات غير متكافئة لفرض التنازل عن حدوده البرية وإعادة ترسيمها والتنازل عن مزارع شبعا والغجر والتنازل عن 500 كلم2 على الأقل من المنطقة الاقتصادية الخالصة.
3 ـ استدراج لبنان ومقاومته إلى حرب تندلع إذا ردّت المقاومة على العدوان، حرب تظنّ «إسرائيل» أنّ ظروفها باتت مؤاتية لها مع استشراء الإرهاب الاقتصادي الأميركي واستراتيجية التجويع للتركيع، فتستدرج لبنان إلى حرب تحمل المقاومة فيها مسؤولية اندلاعها والآلة الإعلامية الصهيوأميركية المتكئة على الداخل اللبناني باتت جاهزة لهذا الأمر، لكن «إسرائيل» كما قلنا ونكرّر لن تدخل الحرب إلا بعد أن تطمئن إلى اهتراء الداخل اللبناني والفتنة الجاهزة للانفجار لإشغال المقاومة عن الهمّ الوطني الكبير.
وعليه نرى القرار الإسرائيلي بالتنقيب على النفط داخل المنطقة الاقتصادية اللبنانية قراراً بالغ الخطورة يستدعي من لبنان أعلى درجات الحذر والحكمة والحزم في التعامل، لأنّ تداعياته مفتوحة على كلّ الاحتمالات من البسيط في السياسة إلى الخطير في الحرب وبينهما صيانة الحقوق أو هدرها ورغم انخفاض احتمال الحرب فعلى لبنان ومقاومته أن يستعدّا لكلّ ذلك خاصة في الأشهر التي تفصلنا عن تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل موعد الانتخابات الأميركية.
أستاذ جامعي – خبير استراتيجي.
\انتهى\