خاص / تسنيم.. مناورات "الركن الشديد"؛ سيناريو مهاجمة إسرائيل
يجهز المقاومون الفلسطينيون، لتنفيذ عملية طوفان الأقصى منذ عام 2019 من خلال مناورة "الركن الشديد" وإنشاء مركز قيادة وتحكم موحد.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأنه مضى أكثر من أسبوع على بدء عملية طوفان الأقصى، والمعركة الشرسة لا تزال مستمرة بين المقاومين والجيش الصهيوني. حيث نجح المقاومون حتى الآن في إيقاع 1500 قتيل في صفوف الكيان الصهيوني خلال عملياتهم البرية والصاروخية، فيما استشهد نحو 2300 شخصاً من قطاع غزة جراء القصف الجوي الصهيوني.
منذ اليوم الأول للمعركة، كان الأمر الذي فاجأ جميع الخبراء والمحللين هو مدى جاهزية مقاتلي حماس وسرية معلوماتهم لتنفيذ هذه العملية. قضية حاولت السلطات الصهيونية ربطها بإيران والتظاهر بأن المقاومين لا يملكون القدرة على التخطيط والتدريب والإعداد لمثل هذه العملية.
لكن بالنظر إلى اجراءات ونشاطات فصائل المقاومة الفلسطينية، نرى أنها كانت تستعد لمثل هذه العملية منذ حوالي أربع سنوات، وأنها قامت بالمرحلة الأخيرة من تدريباتها قبل شهر واحد فقط من بدء عملية طوفان الأقصى.
خطط مقاتلو فصائل المقاومة الفلسطينية منذ عام 2020، لإجراء سلسلة من مناورات "الركن الشديد"، من خلال تشكيل غرفة عمليات مشتركة. وبعد ذلك، بدأت هذه التدريبات تجرى سنويا وبأهداف محددة، لكن ارتباك ومفاجأة الأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني يظهر أنها لم تأخذ هذه التدريبات على محمل الجد.
أُجري التدريب الأول لفصائل المقاومة تحت عنوان "الركن الشديد 1" في 29 ديسمبر 2020 . وأكدت الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية في بيانها بمناسبة بدء مناورات الركن الشديد 1: "بالنظر إلى ما تمر به قضية فلسطين ووطننا العزيز من الشمال إلى الجنوب وما يعانيه شعبنا من الظلم والحصار والاستيطان والعدوان، وفي الوقت الذي تتعرض فيه مقدساتنا للتهويد والتدنيس الصهيوني، ما زلنا في فصائل المقاومة الفلسطينية متمسكين بشهدائنا وأسرانا بفضل الله، ولم نتراجع عن عهدنا للشعب بمواصلة طريق المقاومة والجهاد والنضال".
وهي نفس النقطة التي أكد عليها قائد الثورة في إيران في تصريحاته في مراسم تخريج طلاب جامعات ضباط القوات المسلحة عندما قال "عندما يتجاوز الظلم والجريمة الحد سيهب الطوفان".
وفي جانب آخر من بيان الغرفة تم الكشف عن تشكيل مركز قيادة وتحكم موحد بين فصائل المقاومة، وأعلن أنه "ليس مستغرباً أن يبذل المجاهدون والناشطون من كافة الفصائل كل جهودهم لمحاربة العدو في ساحات التدريب والتجهيز والإعداد والمعركة المشتركة في الميدان بشكل منسق".
ومن اللافت في هذا البيان أن غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة تؤكد على أن هذه التدريبات ستجرى بتوجيه من مركز قيادة وتحكم موحد ومن شمال القطاع إلى جنوبه وبالذخيرة الحية. كما أن الهدف من إجراء هذه التدريبات هو رفع جاهزية قوات المقاومة من خلال محاكاة ظروف المعركة الحقيقية والتعامل مع السيناريوهات المحتملة لهجمات العدو.
ومن خلال التدقيق في صور مناورة الركن الشديد، يتبين أن قوى المقاومة تدربت بشكل مشترك على جميع السيناريوهات التي قامت بها خلال طوفان الأقصى وفي ساحة المعركة الحقيقية على مدار 4 سنوات.
وتخللت مناورات المقاومة التدريب على حرب المدن والتسلل إلى المستوطنات الصهيونية وتطهير المباني والاستيلاء عليها ونقل القوات بسرعة والاستيلاء على القواعد العسكرية لجيش الكيان.
من جهة أخرى، شكلت التدريبات على القتال البري والتصدي لهجوم جيش الكيان على قطاع غزة، جزءاً آخر من تدريبات المقاومين خلال مناورات الركن الشديد. حيث شكل المحور الرئيسي لهذا الجزء، التدريب على مواجهة المركبات المدرعة، وخاصة دبابة الميركافا، باستخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والألغام والفخاخ المتفجرة، وقذائف ياسين المضادة للدروع، فضلا عن إجراء قتال من النقطة صفر وأسر أطقم الدبابات وناقلات الجند الإسرائيلية. وبما أن هذا السيناريو تم تطبيقه بطرق مختلفة في المناورات الأربع، فإنه يدل على أن قوى المقاومة استثمرت جدياً في هذا المجال.
من جهة أخرى، كانت التدرب على التسلل عبر الشاطئ وتنفيذ عمليات الانزال المائي باستخدام مختلف أنواع الألغام البحرية، جزءاً آخر من التدريبات المشتركة للمقاومين في مناورة الركن الشديد الأولى.
وهي تقريباً نفس العمليات التي نفذها مقاتلو حماس ميدانياً خلال اليوم الأول من معركتهم، وتسببت في خسائر غير مسبوقة للجيش والأجهزة الأمنية التابعة للكيان الاسرائيلي.
وبعد مرور عام، وبالتحديد في 26 ديسمبر 2021، أجريت مناورة الركن الشديد 2 بنفس أساليب المناورة السابقة. لكن، في هذه المناورة، تم التركيز بشكل خاص على عبور الجدار العازل والحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة. فيما تخضع الحدود بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة لإجراءات أمنية مشددة وحتى جدران خرسانية عميقة في الأرض لمنع حفر الأنفاق من قبل قوى المقاومة.
وفي 28 ديسمبر 2022، بدأت مناورات "ركن الشديد 3" بالقرب من حدود قطاع غزة والأراضي المحتلة. وتم التركيز في هذه المناورات التي نفذتها نخبة من قوى المقاومة، على تنفيذ تمرينات الرد السريع وقياس سرعة تحركات قوات المقاومة لتجاوز السياج الحدودي والتسلل إلى المستوطنات والقواعد العسكرية الصهيونية. من جهة أخرى، فإن سيناريو أسر جنود وقادة إسرائيليين بارزين، والذي تم تنفيذه خلال عملية طوفان الأقصى، كان أيضًا جزءًا من تدريبات المقاومين في هذه المناورة.
وقد شكلت هذه المناورة نقطة التحول في مناورات الركن الشديد واختباراً للقوات الخاصة ونخبة المقاومة ليكونوا على أعلى مستوى من الاستعداد يوم العملية.
وتقرر أن تجرى المناورة الرابعة والأخيرة للركن الشديد في 10 سبتمبر 2023، أي قبل حوالي شهر من بدء عملية طوفان الأقصى. وفي هذه المناورة تمت التنسيقات الأخيرة في إطار مركز القيادة والتحكم الموحد لفصائل المقاومة الفلسطينية، كما تمت الزيارات الميدانية للقادة للتأكد من جاهزية المقاومين.
وخلال مختلف مراحل الركن الشديد، قام المقاومون، بالإضافة إلى القتال البري والعمليات الخاصة، بهدف التسلل إلى المستوطنات والقواعد العسكرية الصهيونية وأسر جنود ومستوطنين، بإجراء تدريبات بالصواريخ والطائرات المسيرة ووحدات الدفاع والانقاذ، بحيث تمكنوا في اليوم الأول من المعركة من إطلاق أكثر من 5000 صاروخ باتجاه الأراضي المحتلة.
وهذا يدل على أن التخطيط لشبكة جديدة من المعارك غير النظامية على شكل معركة مركبة ومركز قيادة وتحكم موحد كان في صلب تفكير المقاتلين الفلسطينيين منذ سنوات وقد تمكنوا من تنفيذ هذه الاستراتيجية بنجاح. ومن المؤكد أن قوى المقاومة لم تكشف خلال هذه التدريبات عن بعض قدراتها وذلك لحماية معلوماتها من استخبارات العدو.
يبدو أن المقاومين نفذوا تدريباتهم بشكل لم يظن العدو أن لديهم القدرة على تنفيذ عملية دقيقة بناءً على تلك المناورات، وربما في الساعات الأولى للعملية كان يظن أنه أمام مناورة، لكن على أية حال، أظهرت فصائل المقاومة أنها على معرفة كاملة بنقاط الضعف والقوة لدى الكيان الصهيوني، ورسمت استراتيجياتها العسكرية على أساس القتال غير النظامي والقتال غير المتكافئ، ووصلت إلى مرحلة النضج في مجال التخطيط لمختلف العمليات، وكذلك تدريب وتجهيز قواتها ودعم مراحل العمليات المختلفة.
وفي المقابل، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، رغم عشرات التجارب الحربية مع الفصائل الفلسطينية، من الحصول على فهم دقيق لاستراتيجيات وتكتيكات المقاومة الخاصة، وعلى هذا الأساس، لم يتوصلوا حتى الآن إلى أي استراتيجية محددة في الحرب مع حماس وفصائل المقاومة الأخرى.
/انتهى/