عراقجي: تأثير اتساع نطاق الحرب لن يقتصر على المنطقة


عراقجی: تأثیر اتساع نطاق الحرب لن یقتصر على المنطقة

صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال ملتقى "مدرسة نصر الله" الدولي بأن العالم يجب أن يكون يقظاً، فإذا اتسع نطاق الحرب فإن آثارها لن تقتصر على منطقة غرب آسيا وقد تمتد آثارها إلى أبعد الحدود.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن ملتقى «مدرسة نصر الله» الدولي أقيم صباح اليوم السبت بحضور عدد من القادة السياسيين من إيران، إضافة إلى خبراء من دول أجنبية، وذلك في قاعة المؤتمرات.

وقد شارك في هذا المؤتمر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، وألقى كلمة جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"

سورة آل عمران، آية 140

السادة الحضور، المفكرون، الزملاء الأعزاء وممثلو وسائل الإعلام المحترمون،

اجتمعنا اليوم لإحياء ذكرى الشهيد السيد حسن نصر الله، هذا القائد العظيم والصلب للمقاومة، الذي لم يكن رمزا للبنان وحده، بل كان رمزا للعالم الإسلامي ولكافة الشعوب الحرة، حيث جسّد رمز المقاومة والشجاعة في مواجهة الظلم والعدوان. إن استشهاده يشكل خسارة كبيرة للمنطقة والعالم، لكن طريقه ومبادئه ستبقى حية وثابتة. لقد قدّم الشهيد نصر الله، بشجاعته الفريدة، تعريفا جديدا للمقاومة مستمدّا من إيمانه العميق والتزامه اللا محدود بالعدالة والإنسانية.

تمكن الشهيد نصر الله من تحويل المقاومة إلى عامل مؤثر في المعادلات الإقليمية وحتى العالمية

لقد استطاع السيد حسن نصر الله، بصفته قائدًا متفانيًا لا يعرف الكلل، إحداث تغييرات جذرية في المعادلات الإقليمية. وفي هذا العصر حيث تتزايد تعقيدات العلاقات الدولية وتشابكها، استطاع الشهيد نصر الله بفضل فهمه العميق للتوازنات والقوى الدولية، تحويل المقاومة إلى عنصر مؤثر في المعادلات الإقليمية والعالمية. لقد علّمنا كيف يمكننا أن نقاوم ونتقدم ونكون مؤثرين دون الحاجة إلى الاعتماد على القوى الكبرى.

الكيان الصهيوني، من خلال استمراره في السياسات العدوانية وانتهاكاته المتكررة للقانون الدولي، لا يهدد استقرار وأمن المنطقة فحسب، بل يشكل أيضًا تحديًا جديًا للنظام الدولي القائم على القوانين والأعراف. لقد أظهر الشهيد نصر الله للعالم مرارا أن الكيان الصهيوني، بسبب قمعه المستمر، يمثل تهديدًا للأمن ليس فقط في المنطقة، بل في العالم أجمع. إن هجماته الوحشية على المدنيين، وتدميره للبنى التحتية الحيوية، والحصار الاقتصادي، هي أمثلة على أفعاله التي يجب اعتبارها جرائم حرب. أظهر الشهيد نصر الله برؤيته الفريدة كيفية الوقوف في وجه هذه التهديدات، وعلم شعوب العالم أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والحقوق الدائمة.

رغم التزامه بالمقاومة، كان نصر الله أيضًا يؤمن بالحوار والتفاعل الدبلوماسي لضمان السلام والأمن الدائمين

في الظروف الراهنة، تقع مسؤولية مضاعفة على المجتمع الدولي إزاء هذه الأزمات. ويجب على الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية أن تقوم بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين من خلال تبني نهج محايد وعادل.كان السيد حسن نصر الله يؤمن دائمًا بأن التغاضي عن جرائم الكيان الصهيوني يضعف أسس العدالة الدولية، لذا كان يشدد على أهمية العمل متعدد الأطراف وتعاون الدول لمواجهة هذه الأزمات.

ومن أهم سمات الشهيد نصر الله إيمانه بالدبلوماسية، واقتناعه بأن تحقيق النصر في فلسطين ولبنان يتطلب الجمع بين المقاومة النشطة والدبلوماسية الفاعلة والتعاون متعدد الأطراف. إلى جانب المقاومة، كان الشهيد نصر الله يؤمن أيضًا بالحوار والتفاعل الدبلوماسي كوسيلة للحفاظ على السلام والأمن الدائمين، وكان يحرص على إيجاد حلول عادلة والتعاون مع الدول والمؤسسات الدولية. لقد قاد نصر الله المقاومة بنفس البراعة التي قاد بها العمل الدبلوماسي، وكان نهجه في الساحة الدولية والإقليمية، وكذلك في الداخل اللبناني، قائمًا على تنسيق كامل بين الميدان والدبلوماسية.

الإعلام المقاوم يمنع الأعداء من تضليل الرأي العام بروايات كاذبة

من ناحية أخرى، كان الشهيد السيد حسن نصر الله دائمًا منادياً بالوحدة والتضامن بين الشعوب والطوائف المختلفة. وكان يؤمن بأنه في عالم قد تصبح فيه الخلافات وسيلة بيد القوى المتدخلة، فإن التضامن الداخلي بين الشعوب المسلمة وتعزيز التعاون الإقليمي هو السبيل الوحيد لحماية المقاومة من أعدائها. إن لبنان، بتنوعه الثقافي والديني، مثال على مجتمع لا يمكنه مواجهة التحديات إلا بالاعتماد على الوحدة الوطنية.

وفي عصر أصبحت فيه وسائل الإعلام ميدانًا رئيسيًا للحرب الناعمة، أدرك الشهيد نصر الله قوة الإعلام، وأدى دورًا بارزًا في فضح المؤامرات وتوعية الرأي العام.إن مواجهة الحرب الناعمة والروايات المحرفة تتطلب إعلامًا مستقلًا ومسؤولًا. ويجب على وسائل الإعلام المقاومة أن تقدم معلومات دقيقة ومحايدة، وتساهم في تعزيز الوعي العام ونشر ثقافة السلام والعدالة، لمنع الأعداء من تضليل الرأي العام بروايات كاذبة.

إيران ستبقى دائمًا إلى جانب الشعوب المظلومة في المنطقة

إن الحرب الحالية في لبنان تتضمن أدوات عسكرية، استخباراتية، إعلامية، وحتى فتنة بين المسلمين والمسيحيين. الهجمة الإعلامية والتضليل والتحريض لا تقل دمارًا عن الحرب العسكرية. لبنان هو موطن لكل لبناني، وقد كان عبر تاريخه أرضًا للتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين وأتباع الديانات والمذاهب المختلفة، وسيبقى كذلك. إن دور الإعلام الحر في هذه المرحلة مهم جدًا لإحباط الفتن والمكائد ولتعزيز الوحدة والتآلف. ومن المؤكد أن النخب والقادة اللبنانيين يدركون خطورة الوضع، وسيتمكنون بتكاتفهم من تجاوز هذه المرحلة الصعبة والحاسمة. لقد وضع الشهيد السيد حسن نصر الله استراتيجية حزب الله ومحور المقاومة بحكمة، مراعيًا مبادئ التعايش بين الأديان كافة دون إقصاء، ومعززًا المقاومة الوطنية ضد كيانٍ احتلالي لم يزل منذ سنوات يحتل أجزاءً من أرض لبنان، ولم ينسحب منها رغم قرارات الأمم المتحدة.

الآن، فإن تحقيق وقف إطلاق نار عادل، ومساعدة الشعب اللبناني المتضرر والمشرد يجب أن يكون من أولويات المجتمع الدولي. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم ولن تتوانى عن بذل أي جهد أو مساعدة في هذا الاتجاه. وكما أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر التاريخ، ستظل دائمًا إلى جانب الشعوب المظلومة في المنطقة، ولن ننسى لبنان وغزة أبدا، وسنظل داعمين لحقهم المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان.

سلاح المقاومة ليس الصواريخ والطائرات المسيّرة أو الأسلحة العسكرية، بل السلاح الأساسي هو دم الشهداء

يرفض الكيان الصهيوني، الغاصب العنصري، جميع المبادرات لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ويواصل ارتكاب جرائمه في فلسطين ولبنان، وللأسف يقف المجتمع الدولي عاجزا عن إيقاف مجازر الصهاينة أو يكتفي بمشاهدة نيرانهم وفتنتهم التي تهدف إلى زعزعة أمن المنطقة بأسرها. على العالم أن يدرك أن استمرار الحرب لن يقتصر في آثاره السلبية على منطقة غرب آسيا وحدها؛ فعدم الاستقرار والأمن قد يمتدان إلى مناطق أخرى بعيدة.

وفي الختام، أحيي مجددا ذكرى الشهيد السيد حسن نصر الله، وأؤكد أن طريق المقاومة والثبات في وجه الظلم والعدوان سيستمر. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مستلهمة من تضحيات الشهداء، ستواصل دعمها للمقاومة وللشعوب المظلومة في المنطقة. إن دم الشهيد هو الضامن لنجاحنا، ويقودنا إلى مستقبل أكثر إشراقًا وعدلًا. إن سلاح المقاومة ليس العتاد العسكري بل دماء الشهداء.

تحية لإمامنا الراحل، الذي قال ببلاغة بعد استشهاد شخصية عظيمة مثل الشهيد مطهري: «أريقوا دماءنا؛ فحياتنا تستمر. اقتلونا؛ شعبنا يصبح أكثر وعيًا. نحن لا نخشى الموت، وموتنا ليس في صالحكم، ودليل عجزكم أنكم تقتلون مفكرينا في ظلام الليل.»

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة