أكثر من أربعة عقود من الهجمات الإرهابية في إيران؛ ضحايا الإرهاب وصوت لا يُسمع


أکثر من أربعة عقود من الهجمات الإرهابیة فی إیران؛ ضحایا الإرهاب وصوت لا یُسمع

يُعدّ مفهوم الإرهاب في إيران من المفاهيم التي أصبحت، بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمجتمع الإيراني.

وكالة تسنيم الدولية للأنباء - محمدجواد هاشمي نجاد- لجأت الجماعات الإرهابية المتعددة، وخاصةً الجماعات الانفصالية العرقية وكذلك الجماعات المسلحة اليسارية، إلى العنف والإرهاب مستغلةً الظروف السياسية الناجمة عن سقوط النظام الملكي وضعف الحكومة الوليدة. أصبحت مدن إيران بأكملها مسرحًا لعمليات التفجير والهجمات المسلحة والاغتيالات. ازداد حجم الأعمال الإرهابية وعدد ضحايا الإرهاب بشكل كبير من أوائل عام 1979 حتى عام 1983. على الرغم من أن عقد الثمانينات كان ذروة الأعمال الإرهابية للجماعات المتطرفة في تاريخ إيران المعاصر، حيث استشهد حوالي 17000 مواطن إيراني في هذا العقد وحده، إلا أنه بعد حوالي 5 سنوات من الثورة، أي منذ عام 1984، بدأ حجم الاغتيالات في إيران في الانخفاض. يُمكن اعتبار تعاون الشعب والأجهزة الأمنية، والضربات الموجعة التي وُجهت إلى الهيكل التنظيمي لهذه الجماعات المتطرفة في الداخل، وترسيخ قوة النظام السياسي الوليد، من أهم أسباب انخفاض حجم ضحايا الإرهاب في إيران.

منذ السنوات الأخيرة من عقد الثمانينات المضطرب، وخاصةً بعد انتهاء حرب العراق على إيران، استمر الاتجاه التنازلي لعمليات الجماعات الإرهابية في إيران بوتيرة أسرع، وانخفض تقريبًا إلى النصف في عام 1989 مقارنةً بالعام الأخير من الحرب. يجب اعتبار عقد التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الجديد فترة انخفاض حجم الأعمال الإرهابية ضد البلاد، وبالتالي انخفاض ضحايا الإرهاب في إيران.

استمرار الانخفاض في الأعمال الإرهابية جاء نتيجةً لانتهاء الحرب والحاجة الماسة للبلاد إلى التنمية، خاصةً في المجال الاقتصادي، الذي تزامن مع شعار "إعادة البناء" من عام  1989 إلى 1997، وكذلك الخطاب الثقافي والمنفتح للحكومة آنذاك، الذي ركز في السياسة الخارجية على بناء الثقة في العلاقات مع الدول الغربية.

منذ منتصف عقد الألفية الجديدة، تغيرت الظروف. مع تشكيل جماعة "جند الله" الإرهابية في أوائل هذا العقد وبدء أعمالها الإرهابية في محافظات مثل سيستان وبلوشستان وكرمان، أظهر حجم العمليات الإرهابية ضد العسكريين والمدنيين العاديين زيادة تدريجية. تزامن عام 2005، الذي شهد بداية الأعمال الإرهابية لجماعة جند الله، مع تصاعد العمليات الإرهابية في البلاد، وبالتالي ازدياد عدد ضحايا الإرهاب. ومع ذلك، فإن إجمالي ضحايا الإرهاب في عقد الألفية الجديدة، الذي يبلغ حوالي 800 شخص، لا يزال أقل من عقد التسعينات الذي تجاوز 1400 شخص. لكن في عقد التسعينات، ازداد حجم ضحايا الإرهاب لأسباب عديدة.

الحرب في سوريا والعراق، ودعوة الحكومات المركزية في بغداد ودمشق لقدوم القوات الإيرانية والمستشارين العسكريين لمواجهة الجماعات الإرهابية المتطرفة ومتعددة الجنسيات في هذين البلدين، واغتيال علماء نوويين إيرانيين من قبل الكيان الصهيوني، وتوسيع العمليات الإرهابية للجماعات الانفصالية الكردية في شمال غرب البلد، ودخول داعش إلى دائرة الأعمال الإرهابية داخل إيران، بالإضافة إلى استمرار نشاط الجماعات التكفيرية في جنوب شرق البلد، كل ذلك ساهم في أن يشهد عقد الألفية الجديدة، وخاصةً في منتصفه، ازديادًا في عدد ضحايا الإرهاب في البلاد.

على الرغم من ذلك أننا شهدنا مرة أخرى انخفاضًا نسبيًا في عدد ضحايا الإرهاب من منتصف ذلك العقد حتى نهايته. ربما يكون أحد الأسباب البارزة في انخفاض هذه الهجمات هو هزيمة تنظيم داعش الإرهابي التكفيري في العراق عام 2017، وما تلاه من تقييد أنشطته في العراق وسوريا.

استمر المسار الملحوظ لانخفاض الهجمات الإرهابية ضد المواطنين الإيرانيين حتى عام 2023. الهجمات الواسعة للقوات المسلحة الإيرانية ضد المعسكرات العسكرية ومقرات الجماعات الانفصالية والإرهابية الكردية الإيرانية في الأراضي العراقية، ثم إبرام الاتفاقية الأمنية بين طهران وبغداد بشأن الجماعات الانفصالية والإرهابية الكردية لنزع سلاحها وإبعادها عن المناطق الحدودية، ساهمت في تقليل الهجمات الإرهابية لهذه الجماعات على المناطق الشمالية الغربية من البلاد، حيث كان أغلب الضحايا من الجنود وقوات حرس الحدود. ونتيجةً لذلك، شهد عام 2023 انخفاضًا كبيرًا في هجمات هذه الجماعات، وأبرزها "بيجاك" والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. ومع ذلك، فإن وقوع الحادث الأليم للهجمات الانتحارية لداعش في مدينة كرمان في 3 يناير 2024، الذي كان أحد أكبر وأكثر الأحداث الإرهابية دموية في إيران منذ بداية الثورة حتى الآن، وأدى إلى استشهاد 97 مواطنًا إيرانيًا وعدد من رعايا دولة أفغانستان، تسبب في زيادة عدد ضحايا الإرهاب في إيران بشكل كبير مقارنةً بالسنوات القليلة التي سبقتها.

عام 2024، على الرغم من أننا ما زلنا نشهد هدوءًا في مناطق شمال غربي البلد، إلا أن عمليات جماعة "جيش العدل" الإرهابية المتطرفة أدت إلى زيادة عدد ضحايا الإرهاب في محافظة سيستان وبلوشستان. بالإضافة إلى أن الهجمات الإرهابية التي شنها الكيان الصهيوني ضد المستشارين العسكريين الإيرانيين ومواطني بلادنا في سوريا ولبنان، ساهمت في زيادة عدد الضحايا.

يُظهر رسم بياني للأعمال الإرهابية ضد إيران وحجم ضحايا الإرهاب على مدى العقود الأربعة والنصف الماضية أن حوالي 70% من الهجمات الإرهابية في إيران وقعت في العقد الأول من انتصار الثورة. ولكن مع الهدوء التدريجي للوضع السياسي والاستقرار والأمن الذي تحقق في المدن، انخفض عدد ضحايا الإرهاب أيضًا بشكل كبير.

يُعتبر ضحايا الإرهاب في إيران، من حيث العدد، من أكبر مجتمعات ضحايا الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان في العالم. الجدير بالذكر أن جزءًا كبيرًا من الجماعات التي ارتكبت أعمال إرهابية ضد المواطنين الإيرانيين منذ عقد الثمانينات، استقرت في بعض الدول الأوروبية بعد هروبها من إيران في تلك السنوات نفسها. لم يُؤدِ استقرار هذه الجماعات في تلك الدول إلى تغيير أساليبها العنيفة. على الرغم من أن عدد ضحايا الإرهاب انخفض بشكل كبير، إلا أن هذه الجماعات، بدعم من الدول المضيفة والبيئة الآمنة التي وُفرت لها، استمرت في التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية داخل إيران.

يُعتبر ضحايا الإرهاب من الشرائح التي أصبحت ضحية انتهاكات حقوق الإنسان بسبب سلب حقهم في الحياة وإيذائهم. بالإضافة إليهم، يجب وضع الناجين من الأحداث الإرهابية وعائلاتهم في هذه الفئة أيضًا بسبب الأضرار النفسية والمالية. لسوء الحظ، لم تستطع القوانين والمعاهدات الدولية أن تُساعد بشكل فعال في استعادة حقوق هؤلاء الضحايا. لا يُسمع صوت ضحايا الإرهاب في جميع أنحاء العالم على قدم المساواة، وتلعب التوجهات السياسية دورًا مهمًا في هذا التمييز. ربما من خلال انشاء شبكة واسعة من الناجين من الأحداث الإرهابية والضحايا في البلدان التي تكبدت أكبر الأضرار من الإرهاب، ومرافقة النشطاء القانونيين ونشطاء حقوق الإنسان لهذه الشبكة الواسعة، يمكن أن يُزيد من فعالية القوانين والمعاهدات القائمة.

محمدجواد هاشمي نجاد - أمين عام عوائل ضحايا الإرهاب في ايران  - خبير في شؤون الإرهاب

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة