اعدام المرجع الشهيد الامام محمد باقر الصدر : جريمة العصر في ذكراها الـ 36

اعدام المرجع الشهید الامام محمد باقر الصدر : جریمة العصر فی ذکراها الـ 36

في مثل هذا اليوم الأسود والمشؤوم من شهر نيسان عام 1980 ، تطل علينا الذكرى السنوية لجريمة العصر إعدام المرجع و المفكر و الفيلسوف الشهيد آية الله العظمى الامام السيد محمد باقر الصدر ، مفجر الثورة الاسلامية في العراق و أخته العلوية العالمة الفاضلة الشهيدة بنت الهدى (آمنة حيدر الصدر) رضوان الله تعالى عليهما ، من قبل طاغية العراق الدكتاتور صدام .

ولد المرجع الشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) في مدينة الكاظمية المقدسة في 25 ذي العقدة سنة 1353هجرية الموافق 1933 ميلادية . و ينتمي نسبه الشريف إلى الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام). والده السيد حيدر الصدر (قدس سره) من نوابغ العلماء، ووالدته الفاضلة إبنة العلامة الكبير عبد الحسين آل ياسين (قدس سره). توفى والده وعمره (4) سنوات، فتولت والدته تربيته، وفي ريعان صباه تلقى العلوم الإسلامية على يد أخيه السيد إسماعيل الصدر. عندما أتم دراساته التمهيدية في الكاظمية المقدسة هاجر إلى النجف الأشرف عام 1945 لمواصلة دراساته العليا وكان عمره الشريف 13 سنة، ودرس على يد كبار مراجع التقليد ونال درجة الإجتهاد وهو دون العشرين من عمره. أوجد مدرسة إسلامية تتمتع بالشمولية والأصالة والعمق والحركة الحيوية والتجديد والعالمية.

• تأسيس حزب الدعوة الاسلامية وجماعة العلماء

وفي عام 1957 أسس "حزب الدعوة الإسلامية" بالتنسيق مع ثلة من العلماء الأعلام والمثقفين الرساليين بينهم الشهيد السيد مهدي الحكيم و الشهيد عبد الصاحب دخيل والعلامة الراحل مرتضى العسكري و السيد حسن شبر ، لإيجاد الأداة الحركية القادرة على شد الأمة للإسلام وإقامة حكم الله في الأرض . كما كان المبادر الأول لتأسيس "جماعة العلماء" وذلك في عام 1958م لنشر الوعي الإسلامي والسياسي في أوساط الحوزة العلمية .

• نبوغ وذكاء الشهيد الصدر
ليس من دأب الشهيد المرجع الصدر العبقري والفيلسوف أن تحوم أبحاثه العلمية حول سطوح البحث والدراسة بعيدة عن العمق ، بل كان يغور إلى أعماقها حتى تبدو له خفاياها بحيث لا يترك مجالاً لأي باحث من أن يزيد عليه تحقيقاً، ولم يكن متردداً في ما يرتبه من نتائج أو ما يختار من حلول وآراء، وكان يمتلك قدرة فائقة على سبر غور الأبحاث والدراسات العلمية التي بحثها أو كتبها، وكان (رضوان الله عليه) حينما يقرأ أو يكتب أو يفكر ينقطع عن المحيط الذي يعيش فيه وينسجم مع الحالة التي هو فيها إنسجاماً بنحو لا يشعر بما حوله.
ولقد نقل عن زوجته العلوية الصابرة أم جعفر تقول: "حينما يستغرق السيد الشهيد محمد باقر (قدس سره) في المطالعة أو التفكير ينسى كل شئ حتى طعامه فأراني مضطرة في آخر الأمر إلى قطع تأمله أو مطالعته فأقول له : لقد قرب وقت الظهر ولا شئ عندنا، عندها يقوم ليشتري بنفسه ما نحتاج إليه" .
ومن الطريف أنه كان يستغرق أحياناً في التفكير المستمر طوال اليوم والليل ولا ينقطع إلا عند النوم ، ثم إنه عندما كان يستيقض يبدأ من نفس النقطة التي انتهى إليها عند النوم ، وذلك ما يفسر قدرته الخارقة على إستيعاب جميع الأمور والأبحاث. وهذه الحالة هي إحدى خصائص السيد الشهيد الصدر (قدس سره)، ولذلك فإن معظم من عاش وعاصر الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) يعرف أن كل مؤلفاته كتبها مرة واحدة وبلا إعادة نظر فيها، فهو لا يعرف ما نسميه بـ (المسودة والمبيضة). وحتى أخطر كتبه وأدقها وأصعبها وهو كتاب (الأسس المنطقية للإستقراء) كتبه مرة واحده وهذا أمر يثير الدهشة فقد كانت سرعته في الكتابة عجيبة.. قلم يلتهم الصفحات فيملأها نوراً وعلماً وحكمةً. فجميع أبحاثه ودراساته (رضوان الله عليه) ترى فيها إضافة إلى الدقة والعمق مع السعة والشمول، منهجية رائعة في طريقة العرض. إن عظمة شخصية الشهيد الصدر(رضوان الله عليه) من خلال إنبهار رؤساء دول وحكومات أو شخصيات كبيرة بسبب العموق والعبقرية التي عرف بها من خلال كتاباته وتأليفاته التي تبهر العقول في عمقها وأصالتها، ومن مؤلفاته القيمة: "المدرسة الإسلامية" وهو حلقة الوصل بين "فلسفتنا" و "إقتصادنا". ألفه وعمره الشريف 26 سنة، وهو دراسة موضوعية لأهم الأسس الفلسفية. وكتاب إقتصادنا ألفه وعمره الشريف 27 سنة ويشتمل على جزئين في المادية التاريخية وقوانين الديالكتيك، ووضع الهيكل العام للإقتصاد الإسلامي .
ومن مؤلفاته :
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : هو مؤسّس مدرسة فكرية إسلامية أصيلة تماماً ، اتَّسمَت بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها ميادين البحث ، فكتبه عالجت البُنى الفكرية العليا للإسلام ، وعنيت بطرح التصوّر الإسلامي لمشاكل الإنسان المعاصر ، ومجموعة محاضراته حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم طرح فيها منهجاً جديداً في التفسير ، يتَّسم بعبقريَّته وأصالته .
مؤلفاته : نذكر منها ما يلي :
1ـ فدك في التاريخ
2ـ دروس في علم الأُصول
3ـ بحث حول المهدي ( عليه السلام )
4ـ نشأة التشيّع والشيعة
5ـ نظرة عامَّة في العبادات
6ـ فلسفتنا
7ـ اقتصادنا
8ـ الأُسس المنطقية للاستقراء
9ـ رسالة في علم المنطق
10ـ غاية الفكر في علم الأُصول
11ـ المدرسة الإسلامية
12ـ المعالم الجديدة للأُصول
13ـ البنك اللاربوي في الإسلام
14ـ بحوث في شرح العروة الوثقى
15ـ موجز أحكام الحج
16ـ الفتاوى الواضحة .
17ـ بحث فلسفي مقارن بين الفلسفة القديمة والفلسفة الجديدة
18ـ بحث حول الولاية
19ـالمدرسة القرآنية التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
20ـ الإسلام يقود الحياة
كما أن بعض أثاره قد سرقها البعثيون الجلادون الجناة ومنها : كتاب قد ألفه في تحليل الفكر البشري حول فلسفة المعرفة ، ومدونات قيمة أخرى.

• دراسته

تعلَّم الشهيد الصدر القراءة والكتابة ، وتلقَّى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية بمدينة الكاظمية المقدّسة ، وهو صغير السن ، وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاّب لشدَّة ذكائه ونبوغه المبكّر ، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية من دون أستاذ ، فبدأ بدراسة كتاب المنطق ، وهو في سن الحادية عشرة من عمره ، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق ، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية .
وفي بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأُصول عند أخيه السيّد إسماعيل الصدر ، وكان يعترض على صاحب المعالم ، فقال له أخوه : إنّ هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأُصول على صاحب المعالم ، وفي عام 1365 هـ سافر السيّد الشهيد إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراسته .
وبالرغم من أنّ مُدَّة دراسة السيّد الصدر منذ الصبا وحتّى إكمالها لم تتجاوز ( 17 أو 18 ) عاماً ، إلاّ أنَّها من حيث نوعية الدراسة تعدُّ فترة طويلة جدّاً ، لأنّ السيّد كان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بكلِّه لتحصيل العلم ، فكان منذ استيقاظه من النوم مبكّراً وإلى حين ساعة منامه ليلاً يتابع البحث والتفكير ، حتّى عند قيامه وجلوسه ومشيه .

• أساتذته :

و نذكر منهم ما يلي :
1ـ السيّد محسن الطباطبائي الحكيم .
2ـ أخوه ، السيّد إسماعيل الصدر .
3ـ الشيخ محمّد رضا آل ياسين .
4ـ السيّد أبو القاسم الخوئي .

• تدريسه لأبحاث الخارج

بدأ السيّد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً ، فقد بدأ بتدريس الدورة الأُولى في علم الأُصول في الثاني عشر من جمادى الثانية 1378 هـ ، وأنهاها في الثاني عشر من ربيع الأوّل 1391 هـ ، وبدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى عام 1381هـ .
وخلال هذه المدّة استطاع السيّد أن يربّي طلاّباً امتازوا عن الآخرين من حيث العلم ، والأخلاق ، والثقافة العامّة ، لأنّ تربيته لهم ليست منحصرة في الفقه والأُصول ، بل إنّه كان يلقي عليهم في أيّام العطل والمناسبات الأُخرى محاضراته في الأخلاق ، وتحليل التأريخ ، والفلسفة ، والتفسير ، ولذا أصبح طلاّبه معجبين بعلمه ، وأخلاقه ، وكماله ، إلى مستوىً منقطع النظير ، ولهذا حينما يجلس السيّد بين طلاّبه يسود بينهم جو مليء بالصفاء والمعنوية .

• تلامذته 

نذكر منهم ما يلي :
1ـ السيّد كاظم الحسيني الحائري .
2ـ السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي .
3ـ الشهيد السيّد محمّد باقر الحكيم .
4ـ الشهيد السيّد محمّد الصدر .
5ـ السيّد عبد الكريم القزويني .
6ـ الشيخ عبد الهادي الفضلي .
7ـ الشهيد السيّد عبد الصاحب الحكيم .

• صفاته وأخلاقه

1ـ حبّه وعاطفته : إنّ من سِمات شخصيته تلك العاطفة الحارّة ، والأحاسيس الصادقة ، والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمّة ، فتراهُ تارةً يَلتقيك بوجه طَليق ، تعلوه ابتسامة تُشعرك بحبٍّ كبير ، وحنان عظيم ، حتّى يحسب الزائر أنّ السيّد لا يحب غيره ، وإن تحدّث معه أصغى إليه باهتمام كبير ورعاية كاملة ، وكان سماحته يقول : إذا كنا لا نَسَع الناس بأموالنا ، فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا ؟
2ـ شأنه : لم يكن الشهيد الصدر زاهداً في حطام الدنيا ، لأنّه كان لا يملك شيئاً منها ، أو لأنّه فقد أسباب الرفاهية في حياته ، فصار الزهد خياره القهري ، بل زهد في الدنيا وهي مقبلة عليه ، وزهد في الرفاه وهو في قبضة يمينه ، وكأنّه يقول : يا دنيا ُغِّري غيري ، فقد كان زاهداً في ملبسه ومأكله ، ولم يلبس عباءة يزيد سعرها عن خمسة دنانير آنذاك ، في الوقت الذي كانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممّن يُحبونه ويودُّونه ، لكنّه كان يأمر بتوزيعها على طلاّبه .
3ـ عبادته : من الجوانب الرائعة في حياة السيّد هو الجانب العبادي ، ولا يُستغرب إذا قلنا : إنّه كان يهتم في هذا الجانب بالكيف دون الكم ، فكان يقتصر على الواجبات والمهم من المستحبّات ، وكانت السِمَة التي تميَّز تلك العبادات هي الانقطاع الكامل لله تعالى ، والإخلاص والخشوع التامَّين ، فقد كان لا يصلّي ولا يدعو ولا يمارس أمثال هذه العبادات إلاّ إذا حصل له توجّه وانقطاع كاملين .
4ـ صبره وتسامحه : كان السيّد الصدر أسوة في الصبر ، والتحمّل ، والعفو عند المقدرة ، فقد كان يتلقّى ما يوجّه إليه بصبر تنوء منه الجبال ، وكان يصفح عمَّن أساء إليه بروح محمَّدية .
5ـ نبوغه : كانت علامات النبوغ بادية على وجهه منذ طفولته ، وعلى سبيل المثال نذكر هذه القصّة التي حدثت في بداية الحياة الدراسية للسيّد الصدر : كان السيّد يدرس عند الشيخ محمّد رضا آل ياسين ، وحينما وصل الأستاذ في بحثه إلى مسألة أنَّ الحيوان هل يتنجّس بعين النجس ، ويطهر بزوال العين ، أو لا يتنجس بعين النجس ؟ فذكر الشيخ آل ياسين أنّ الشيخ الأنصاري ذكر في كتاب الطهارة : أنّه توجد ثمرة في الفرق بين القولين تظهر بالتأمّل .
ثمّ أضاف الشيخ آل ياسين : إنّ أستاذنا السيّد إسماعيل الصدر حينما انتهى بحثه إلى هذه المسألة ، طلب من تلاميذه أن يبيِّنوا ثمرة الفرق بين القولين ، ونحن بيَّنا له ثمرة في ذلك ، وأنا أطلب منكم أن تأتوا بالثمرة غداً بعد التفكير والتأمّل ، وفي اليوم التالي حضر السيّد الصدر قبل الآخرين عند أستاذه ، وقال له : إنِّي جئت بثمرة الفرق بين القولين ، فتعجّب الشيخ آل ياسين من ذلك كثيراً ، لأنّه لم يكن يتصوّر أنّ حضور تلميذه إلى الدرس حضوراً اكتسابيا ، وإنّما هو حضور تفنّني . فبيَّن السيّد الصدر ثمرة الفرق بين القولين ، وحينما انتهى من بيانه دُهش الأستاذ من حِدّة ذكاء تلميذه ونبوغه ، وقال له : أعِد بيان الثمرة حينما يحضر بقية الطلاّب ، وحينما حضر الطلاّب سألهم الشيخ : هل جئتم بثمرة ؟ فسكت الجميع ولم يتكلّم أحد منهم ، فقال الأستاذ : إنّ السيّد محمّد باقر قد أتى بها ، وهي غير تلك التي بيَّنَّاها لأُستاذنا السيّد إسماعيل الصدر .
ثمّ بيَّن السيّد الصدر ما توصَّل إليه من ثمرة الفرق بين القولين ، وقد نفذ السيّد بنبوغه هذا إلى صميم القلوب ، بصفته شخصية علمية ، وفكرية بارزة ، وحاز على اعتراف فضلاء وعلماء الحوزة العلمية .

• مواقفه من النظام الحاكم في العراق

نذكر منها ما يلي :
الأوّل : عام ( 1969 م ) وفي إطار عدائها للإسلام ، حاولت زمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمين توجيه ضربة قاتلة لمرجعية السيّد محسن الطباطبائي الحكيم ، من خلال توجيه تهمة التجسّس لنجله السيّد مهدي الحكيم ، الذي كان يمثِّل مفصلاً مهمّاً لتحرّك المرجعية ونشاطها ، فكان للسيّد الشهيد الموقف المشرِّف في دعم المرجعية الكبرى من جانب ، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر . فأخذ ينسِّق مع السيّد الحكيم لإقامة اجتماع جماهيري حاشد ، ويعبِّر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية ، وامتدادها في أوساط الأمّة ، وقوّتها وقدرتها الشعبية ، فحصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام علي ( عليه السلام ) ، وكان حاشداً ومهيباً ، ضمَّ كل طبقات المجتمع العراقي وأصنافه ، ولم يقف دعمه عند هذا الحد ، بل سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثَّفة دفاعاً عن المرجعية ، حيث قام بإلقاء خطاب استنكرَ فيه ما يجري على المرجعية في العراق ، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي أُلصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت .
الثاني : صباح اليوم الذي قرَّر الإمام الخميني مغادرة العراق إلى الكويت ، قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، قرّر السيّد الصدر الذهاب إلى بيت الإمام لتوديعه ، بالرغم من الرقابة المكثَّفة التي فرضتها سلطات الأمن المجرمة على منزله ، وفي الصباح ذهب لزيارته ، ولكن للأسف كان الإمام قد غادر قبل وصوله بوقت قليل ، والحقيقة أنّه لا يعرف قيمة هذا الموقف وأمثاله إلاَّ الذين عاشوا تلك الأجواء الإرهابية ، التي سادت العراق قبيل وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران .
الثالث : بعد حادثة اغتيال الشهيد الشيخ مرتضى المطهّري في إيران على أيدي القوات المناهضة للثورة الإسلامية في إيران ، قرّر السيّد الصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة ، وذلك لأنّه كان من رجال الثورة ومنظّريها ، وكان من الواجب تكريم هذه الشخصية الكبيرة .
الرابع : ومن مواقف الفداء والتضحية ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبرية أيّام انتصار الثورة الإسلامية في إيران إجابته على كل البرقيات التي قد أُرسلت له من إيران ، ومنها برقية الإمام الخميني ، علماً أنّ جميع تلك الرسائل والبرقيات لم تصله باليد ، لأنّ النظام الصدامي كان قد احتجزها ، لكن السيّد الشهيد كان يجيب عليها بعد سماعها من إذاعة إيران / القسم العربي .
وكان من حَقِّ السيّد الشهيد أن يعتذر عن الجواب ، فمن هو في وضعه لا يُتوقَّع منه جواباً على برقية ، لكن لم يسمح له إباؤه ، فعبَّر عن دعمه المطلق ، وتأييده اللامحدود للإمام الراحل ، والثورة الإسلامية الفتية المباركة ، مسجّلاً بذلك موقفاً خالداً في صفحات التضحية والفداء في تاريخنا المعاصر .
الخامس : تصدّى السيّد الشهيد إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث حتّى لو كان الانتماء صورياً ، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد ، فكان هو المرجع الوحيد الذي أفتى بذلك ، وحزب البعث في أَوْج قوّته ، وكان ذلك جزءً من العلَّة وأحد الأسباب التي أدّت إلى استشهاده .

• اعتقاله واستشهاده
إن كل من عاش وعاصر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) يستطيع أن يدرك بسهولة أن التضحية حالة متجذرة في أعماق روحه الزكية بعد أن روى شجرة الإسلام بدمه الطاهر وسجل أبهى صور التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، ومقارعة زمرة البعث العفن وعصابات الجريمة والقتل الجماعي في عراق المقدسات . و هنا نذكر بعضا من بيانه الثالث حيث يقول : (وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حين دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعاً وعن العقيدة التي تضمهم جميعاً، ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع . فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي، أنا معكما بقدر ما أنتم مع الإسلام وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظيم لإنقاذ العراق من كابوس التسلط والذل والإضطهاد).
كما ورد في أطراف البيان الثالث:(يا أخوتي يا أبنائي من أبناء الموصل والبصرة من أبناء بغداد وكربلاء والنجف من أبناء سامراء والكاظمية من أبناء العمارة والكوت والسلمانية من أبناء العراق في كل مكان، إني أعاهدكم بأني لكم جميعاً ومن أجلكم جميعاً وأنكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل، فلتتوحد كلمتكم ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلطة، وبناء عراق حر كريم تغمره عدالة الإسلام وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم بأنهم أخوة يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم وتحقيق مثلهم الإسلامية العليا المستمدة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
وبعد أن أمضى السيّد الشهيد الصدر عشرة أشهر في الإقامة الجبرية ، تمَّ اعتقاله في التاسع عشر من جمادى الأوّل 1400 هـ . و بعد ثلاثة أيام من الإعتقال والتعذيب الشديد تم إعدامه مع أخته العلوية الطاهرة بنت الهدى وكان عمره الشريف 47 سنة .
وفي مساء يوم 9/4/1980 / 23 جمادى الأوّل 1400 هـ ، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً ، قطعت السلطة البعثية الصدامية التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف ، وفي ظلام الليل الدامس تسلَّلت مجموعة من قوَّات الأمن إلى دار السيّد محمّد الصدر ، وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة مدينة النجف الأشرف ، فكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن مدينة النجف الأشرف ، فقال له : هذه جنازة الصدر وأخته ، قد تمَّ إعدامهما ، وطلب منه أن يذهب معهم لدفنهما ، فأمرَ مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت ، فشاهد السيّد الصدر ( قدس سره ) ، مضرَّجاً بدمائه ، آثار التعذيب على كل مكان من وجهه ، ، وتم دفنهما مضرجين بدماء الشهادة الطاهرة و علامات التعذيب واضحة على الجسدين الشريفين في مقبرة وادي السلام المجاورة للمرقد الشريف للإمام علي (ع) بمدينة النجف الأشرف .
وبعد انتشار خبر استشهاده عن طريق الإذاعات العالمية أصدر الإمام الخميني ( قدس سره ) حينذاك بياناً تاريخياً ، حيث أعلن فيه عن استشهاد الإمام الصدر ( قدس سره ) وأُخته المظلومة ، و أعلن فيه الحداد العام في كلّ إيران الاسلامية. لقد جاهد الامام السيد محمد باقر الصدر حتى نال وسام الشهادة الرفيع على نهج أجداده الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين). فسلام عليك يا أبا جعفر يوم ولدت وسلام عليك يوم استشهدت وسلام عليك يوم تبعث حياً و أسكنك الله جنانه في أعلى علين مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة