باختصار: مصر وسوريا
فعلى ثرى دمشق وبين أحضان الجولان وفي كل شبر من الأرض السورية جلس جنود مصريون وسوريون يداعبون حلم الوحدة التي شاءت فيما بينهم واحتلت زمنا لم يستطع الطامعون بانفصالهم سوى أن يضربوا وحدتهم كما أرادوا لها أن تكون اليوم.
بهدوء لكنه مشوب بلهفة، أطلق الرئيس المصري السيسي حرص مصر على سوريا بكلام يحمل عبارات تسبق الحاضر نحو المستقبل. فمصر التي تعرف أنها الرئة التي لا تعيش بدون الرئة الأخرى وهي سوريا، لم ترد إرسال الرسائل إلى من يهمه الأمر من العرب والعالم فقط، بقدر ما قدمت ذاتية أصيلة تؤكد ارتباطها الروحي والتاريخي والإنساني والحضاري بالجمهورية العربية السورية التي مهما أفسد الفاسدون من تجربتهما الوحدوية، إلا أن روحها اثبت من الثبات .
لا تحتاج القاهرة لأن تكون إلى جانب شقيقتها دمشق في معركة مصيرها للتفكير بما يجب أن تفعله .. فليس لها خيار سوى أن تنعش روحها لتكتشف عذاب شقيقتها ومرارة ما هي فيه. صحيح أن سوريا تتأوه، لكن الآه تزفرها مصر، وصحيح أن الدم السوري الغالي يسيل على ثراه الوطني، لكنه أيضا رسالة شوق إلى مصريته الأحب .. مصر وسوريا عالم من ثوابت الزمن العربي، وهو أيضا القيمة الأكبر في العلاقات العربية العربية .
ومصر لا تشترى بالأموال، رغم حاجتها الشعبية إليها، بقدر ما للكرامة الوطنية من معنى يتجاوز كل الأرقام والحسابات. فهي بالتالي في سوريا لأن نداء جيشها العربي السوري وهو الجيش الأول في ترتيب جيوشها، فعلى ثرى دمشق وبين أحضان الجولان وفي كل شبر من الأرض السورية جلس جنود مصريون وسوريون يداعبون حلم الوحدة التي شاءت فيما بينهم واحتلت زمنا لم يستطع الطامعون بانفصالهم سوى أن يضربوا وحدتهم كما أرادوا لها أن تكون اليوم .. بل كم من قوات سورية جالست القوات المصرية فوق الأرض المصرية وكان الحديث الدائم متى نحرر فلسطين .
ليس من خيار أمام القاهرة سوى ما تفعله إزاء سوريا، وهو ليس مناخا جديدا بقدر ما هو القدر الدافع لأن تبقى قاهرة المعز في شوق إلى دمشق الشام، ونحن هنا لن ننسى أغنية محمد قنديل يوم هتف مع الهاتفين للوحدة بأغنيته التي قال فيها "أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام". واللهفة المصرية تترجم موقفا ومد يد ومشاركة واستعداد للتضحية وعطاء وبذل.. فهل هو التاريخ الذي يحرك المعاصرة، وهل ما زال حنين مصر إلى أن تعود إلى دورة في ذلك التاريخ لتصبح جزءا من معادلة روسيا سوريا بغداد الجزائر .. وهو بالتالي منطق قائم لا بد من إقامته في مواجهة معادلة جهنمية تقودها الولايات المتحدة وبعض العرب الذي نعرف .
ولا بد أن نراهن على الرئيس الأميركي الجديد ترامب لكي نشهد له حسن خياره الجديد وهو يعلن شبه انضمام إلى حلف روسيا القائم، حتى يقال بالتالي إن العالم يتغير وإن قواعده غير المنطقية تتبدل، وإن من ظنوا نجاح خططهم في سوريا خابوا وفي طريقهم إلى مزيد من الخيبة والخسائر، وإن رهانهم اصطدم بجدار لم يكن له حساب في عرفهم البسيط الذي كان يعتقد أن سوريا بلا أجنحة، فيما كان حلفها يختبئ بين جناحها باعتبارها بلادا مباركة الموقع والتاريخ والحكم، وبأنها القيمة التي تعطي للشرق معناه .
مصر لا تعود إلى سوريا، هي موجودة ولم تبارحها، كانت وستبقى حيث أسندت رأسها ذات سنين إلى وسادة دمشقية، من المؤسف أن أعداء ذلك الأمس لم يغيروا من روحهم الشريرة ضد أي تراحم سوري ومصري بل عربي بشكل عام .
المصدر: صحيفة الوطن العمانية - بقلم: زهير ماجد
/انتهي/