مصر تعد عمقاً استراتيجياً لسوريا و السيسي أثبت في مواقفه أن حكومته لا تخضع لأوامر الرياض
قال الخبير السياسي الدكتور "هادي أفقهي" : العلاقة بين دمشق والقاهرة وطيدة واستراتيجية نظراً لوجود مشتركات هامة في شتى الصعد الأمنية والثقافية والاجتماعية والسياسية بين الشعبين المصري والسوري، وبالتالي لا يمكن لأحد المساس بها وتهميشها بسهولة، والسيسي أثبت في مواقفه أن حكومته مستقلة ولا تخضع لأوامر الرياض.
تسنيم / خاص- التقى مراسل وكالة تسنيم مع الخبير والباحث في شؤون غرب آسيا الدكتور هادي السيّد أفقهي، وقد تمحور اللقاء حول آخر التطورات في الساحة السورية ولا سيما المواقف الأخيرة التي اتخذتها حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في دعمها لدمشق تزامناً مع سخط حكومة آل سعود واستياء أرباب المد الوهابي الداعشي من هذا العلاقات الحميمة، حيث صرح هذا الخبير في هذا الصدد قائلاً: لقد تعاملت الحكومة المصرية بحذر مع التطورات التي شهدتها الساحة منذ بداية تأجج الأزمات فيها، ولا سيما تلك التي عصفت بالعراق وسوريا واليمن، لذلك اتخذت مواقف محتاطة إزاء ما يجري في هذه البلدان.
وأكد هذا الخبير الاستراتيجي على أن ما يحدث في هذه البلدان لا يختلف عما يجري في صحراء سيناء، وأضاف: تمكنت حكومة القاهرة من احتواء أزمة صحراء سيناء إلى حد ما، ولكن إذا تمكن المد الوهابي والغربي من بسط نفوذه في اليمن وسوريا فهناك احتمال قوي بأن يبادر هؤلاء بتقديم دعم لا محدود للإرهابين في صحراء سيناء ويعقمون جميع مساعي الحكومة المصرية، وذلك طبعاً تحت ذريعة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير.
ونوه الدكتور هادي السيد أفقهي على أن الإدارة المصرية بعد الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين وسيادة العسكر في القاهرة، بذلت قصارى جهودها للنأي بنفسها عن المغامرات التي يقودها أمراء آل سعود ولم تغرهم دولارات النفط القطرية، وقال: بوادر عدم انصياع مصر للمغامرات التي تقودها حكومة الرياض ومن لف لفها نشهدها جلية في الأزمة اليمنية، حيث شن آل سعود هجماتهم الهمجية الجائرة على الشعب اليمني متصورين أنهم سيحظون بدعم مصري باكستاني تركي ولا سيما على صعيد الحرب البرية لأنهم كانوا يقدمون دعماً مالياً ويقومون باستثمارات مالية كبيرة في هذه البلدان.
واعتبر هذا الباحث في شؤون غرب آسيا أن هذه البلدان أحبطت آمال أسرة آل سعود وجعلتهم في مأزق وحرج بالغ في اليمن إثر استقلالها برأيها واستهانتها بمغامرات هذه الأسرة التي تسفك دماء المسلمين في كل مكان بدولارات نفط المسلمين أنفسهم، وأضاف: هذا الموقف الصريح أدى إلى حقد آل سعود على المصريين، وأود أن أشير هنا إلى أن الحكومة المصرية قد أوعزت السبب في عدم مشاركتها في الحرب الجائرة المفروضة على الشعب اليمني بداعي أنها منهمكة بمحاربة الإرهاب في صحراء سيناء.
وأكد على أن الخطوة التالية التي اتخذتها حكومة القاهرة لتثبت استقلالها عن حكام الرياض تكمن في عدم إتاحتها الفرصة للمعارضة المتطرفة المتمثلة بالإخوان المسلمين المدعومين من قبل حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكي يبسطوا نفوذهم في الساحة المصرية والسورية على حد سواء، فقال: القاهرة لم تستقبل نشاطات الإخوان المسلمين في سوريا المدعومين تركياً ولم تقدم لهم الدعم، وذلك من منطلق اعتقادها بأن أعضاء هذه الحركة يتبنون أفكاراً إرهابيةً.
وفي السياق ذاته أشار السيد أفقهي إلى المؤتمر الذي عقد في الشيشان وأضاف: تم استدعاء 200 شخصية من علماء أهل السنة الذين ينحدرون من عدة طوائف ولا سيما المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية في المؤتمر الذي عقد في الشيشان إلا أتباع الفكر الوهابي حيث تم تجاهلهم بالكامل، وأما البيان الختامي لهذا المؤتمر فقد صرح بضرس قاطع على أن الوهابية ليست مذهباً إسلامياً وأهل السنة والجماعة براء منه؛ وهذا الموقف الصادق والشجاع يعد ضربة قاصمة لأتباع الفكر الوهابي وكل من يدعمهم ويدافع عن إيديولوجياتهم المنحرفة.
وتطرق هذا الخبير الاستراتيجي إلى كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي ألقاها في الاجتماع السنوي لمنظمة الأمم المتحدة، وأشار إلى سائر تصريحاته على هامش هذا الاجتماع الدولي الهام معتبراً ذلك تحولاً أساسياً على صعيد العلاقات المصرية السعودية واستقلال القاهرة بمواقفها وعدم انجرارها وراء إغراءات دولارات النفط، وصرح بالقول: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن في كلمته التي ألقاها في منظمة الأمم المتحدة عن معارضة القاهرة لفكرة تغيير نظام الحكم في سوريا عن طريق العنف والإرهاب مؤكداً على الإرهابيين سوف لا يكون لهم مكان على الساحة السورية مستقبلاً.
كما سلط الضوء على تأييد الحكومة المصرية لمشروع القرار الذي تقدمت به موسكو ووصف هذا التأييد بأنه صفعة مهينة وقوية للحكومة السعودية: جميع الحاضرين في مجلس الأمن الدولي باستثناء روسيا ومصر، عارضوا مشروع القرار الروسي الداعي إلى ضرورة الفصل بين المعارضة المعتدلة على الساحة السورية وبين الزمر الإرهابية مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة، وهذا التأييد المصري قد كسر ظهر آل سعود وثبط معنوياتهم، لذلك أدركوا بأن السيسي قد غير من وجهته ورجح تقديم مصلحة الشعب السوري على الصفقات السياسية الدنيئة.
وأما بالنسبة إلى أهم الإجراءات اليائسة التي بادر داعمي الإرهاب التكفيري في البلدان الإسلامية - أي أمراء آل سعود - إزاء القرارات المصرية الشجاعة، قال هذا الخبير في شؤون غرب آسيا: في أول ردة فعل متخبطة من قبل حكومة الرياض أنها شجبت مواقف الحكومة المصرية وأهانت المسؤولين فيها، ومن ثم بادرت إلى اتخاذ إجراءات عملية ضدها، حيث قطعت دعمها المالي وحظرت تصدير مصادر الطاقة لها.
وأكد الدكتور هادي السيد أفقهي على أن الساسة المصريين انتهجوا سياسة الأفق البعيد، حيث اتخذوا هذه القرارات الاستراتيجية الحساسة بعد حسابات دقيقة للوقاع المتوقع حدوثها مستقبلاً، وأضاف: هناك ارتباط وطيد بين سوريا ومصر وليس من السهولة أن يتمكن آل سعود وأذنابهم من الوهابيين التكفيريين باجتثاثها بهذه السهولة، حيث تمكن هذان البلدن من تحقيق وحدة في إحدى مراحل التأريخ المعاصر، لذا لا نبالغ لو قلنا إن مصر تعد عمقاً استراتيجياً لسوريا والعكس صحيح، فهناك ارتباط وثيق بين الشعبين المصري والسوري في جميع نواحي الحياة السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية، وهذا الارتباط مستحكم ولا يمكن لأحد قطع أواصره بسهولة كما تصور الغربيون وعملاؤهم في المنطقة.
/ انتهي /