مدينة "گناباد" في محافظة خراسان رضوي مرآة لتراث الماضي وازدهار الحاضر+ صور
محافظة خراسان رضوي غنية عن التعريف في تأريخها العريق وتراثها الأصيل، ومن أبرز معالمها مدينة جميلة باسم "گناباد" التي جادت على البشرية بأعظم الإنجازات وأسما الشخصيات، وهي اليوم قبلة سياحية يقصدها محبو الطبيعة والآثار من شتى أرجاء الجمهورية الإسلامية.
خاص بوكالة تسنيم الدولية للأنباء- هذا التقرير هو من سلسلة التقارير الخاصة بوكالة تسنيم الدولية للأنباء حول أجمل المعالم الأثرية والأماكن السياحية والدينية في إيران والتي تستقطب سنوياً الملايين من السائحين والزائرين المحليين والأجانب، وهناك الكثير من المناطق التي ما زالت بكراً ولم تشيد فيها مواقع خاصة لتقديم خدمات سياحية لكن يمكن للمتكتشفين ومحبي الطبيعة شد الرحال إليها لاستطلاع معالمها عن كثب والتلذذ بمناظرها الطبيعية والجغرافية الفريدة من نوعها، وإيران هي واحدة من البلدان الأكثر أماناً في العالم وجميع السائحين والزائرين يمضون أوقات ممتعة في أجواء آمنة حين يقصدونها كما أن نفقاتهم المالية أقل بكثير مما ينفقونه فيما لو قصدوا أي بلد سياحي آخر، لذلك فإن أعدادهم تتزايد عاماً بعد عام.
المعالم الطبيعية والأثرية في محافظة خراسان رضوي لا حد لها ولا عدد، ولكن لا نرى بأساً في ذكر عددٍ منها على سبيل المثال لا الحصر، وتتجلى أروع آثاراها في ضواحي مدينة مشهد المقدسة، ولا سيما مدينة "گناباد" التي تبعد عنها مسافة 276 كم وتقع في ناحيتها الجنوبية.
* جغرافيا "گناباد" وتأريخها
الأجواء في مدينة "گناباد" حارة جافة في فصل الصيف وباردة في فصل الشتاء، وأراضيها سهلية وجبلية لذلك يزاول أهاليها مهنة الرزاعة وتربية المواشي إلى جانب مزاولة بعض الحرف اليدوية.
يذكر المؤرخون وعلماء الآثار أن هذه المدينة تضرب بجذورها في العهد الإخميني ويؤكدون على أنّها قد انتعشت إبان العهدين السلجوقي والخوارزم شاهي، أي منذ القرن الخامس حتى السابع الهجري، لكنها في العهد الصفوي أصبحت ساحة لحروب دامية، أي منذ القرن العاشر حتى الثاني عشر الهجري، حيث كانت مسرح صراع بين الصفويين والأوزبك، ومع ذلك فقد شهدت رونقاً وازدهاراً حضارياً في هذه الفترة من تأريخها الحافل بالأحداث.
الميزة التي اتسمت بها هذه المدينة في العصر الحاضر بحيث أصبحت معروفة على نطاق واسع هي أنها مقر لإحدى الطرق الصوفية المنسوبة إلى نعمت اللهي گنابادي، وهذه الطريقة تعد فرعاً على الطريقة النعمت اللهية، وأبرز أقطابها نور علي شاه وصالح علي شاه ورضا علي شاه.
- المعالم الأثرية والطبيعية في مدينة "گناباد"
* المسجد الجامع
المسجد الجامع في مدينة "گناباد" بني في سنة 609 هـ وذلك في أواخر عهد الخوارزمشاهي، وهو مزين بأروع النقوش والكتابات القديمة ولا سيما جدارية كبيرة مدونة بالخط الكوفي الجميل وكذلك المحراب المشيد بأسلوب هو الروعة بعينها.
* مرقد السيد سلطان محمد عابد
يقول البعض إنّ السيد سلطان محمد عابد هو شقيق الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وهناك من يقول بأنه عمه وبالتالي فهو ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
يقع مرقده في منطقة باسم "كاخك" التي تبعد مسافة 24 كم عن مركز مدينة "گناباد" وتقع في ناحيتها الجنوبية، وتفيد الشواهد التأريخية بأنّ بناية هذا المرقد المقدس شيدت في أواخر العهد السلجوقي ومن ثمّ تمّ ترميمها في العهدين التيموري والصفوي، وهناك نقوش مدونة فيها بيد الخطاط الشهير علي رضا عباسي الذي ذاع صيته في العهد الصفوي، وتأريخا تدوينها سنة 980 هـ أي في عهد الملك طهماسب الأول.
* قرية "بيدخت"
من أهم المعالم الطبيعية الجميلة في مدينة "گناباد" قرية باسم "بيدخت" وهي إضافة إلى ذلك تعتبر مركزاً دينياً وتأريخياً، ففيها مقبرة "سلطاني" التي دفن فيها عدد من أقطاب الطريقة الصوفية النعمت اللهية أبرزهم الشيخ صالح علي شاه والملا سلطان علي شاه گنابادي الذي كان عارفاً ومفسراً للقرآن الكريم، وطلاب العلم يعرفون تفسيره العرفاني "بيان السعادة"، وهذه المقبرة مشيدة في إطار فن معماري فريد من نوعه، حيث يتضمن العديد من الغرف لإقامة المسافرين ومسجداً مشيداً في القرن الثاني عشر الهجري.
وهناك كهف سياحي في قرية "بيدخت" يقع في سلسلة جبال كالاري، وما يميزه أنّ جدرانه مكونة من حجر الرخام الجميل.
* قرية "گيسور"
على مسافة 72 كم شمالي شرقي مدينة "گناباد" هناك قرية جميلة باسم "گيسور"، وفضلاً عن طبيعتها الرائعة فهذه القرية تضم آثاراً تأريخية عديدة تعكس عراقتها في الأزمنة السالفة، وأقدم ما فيها معبد للنار يرجع تأريخه إلى الحقبة التي سبقت العصر الإسلامي، كما فيها أطلال لمقبرة باسم "جغتين گيسور" التي هي في الحقيقة مدفن أحد أمراء المغول وقد تم تشييدها في العهد الإيلخاني إبان القرن السابع الهجري.
فضلاً عن ذلك هنا آثار أخرى في هذه القرية، ولا سيما عدد من القلاع التراثية مثل "دختر شوراب" و "قبر پيران ويسه" و "پشن"، كما فيها بقعة مقدسة لأحد السادة الهاشميين يرجع تأريخ تشييدها إلى العهد الصفوي، ويقال إن المدفون فيها هو شقيق الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، هذا إلى جانب مسجد "بجستان" القديم.
* منزل الشيخ محمّد تقي بهلول ال گنابادي
الشيخ محمّد تقي بهلول الگنابادي هو أحد أشهر الشخصيات الدينية المعاصرة في مدينة "گناباد" وقد ولد في عام 1893 م وحفظ القرآن الكريم وهو في سن الثامنة، ثم درس العلوم الدينية، ومنذ نعومة أظافره كان يرتقي المنبر للوعظ والخطابة والعزاء، وفي سن السابعة والعشرين هاجر إلى مدينة مشهد المقدسة لواصل طلب العلم فيها.
كان هذا العالم مجاهداً ومناضلاً ضد النظام البهلوي البائد، حيث عارض بشدة قرارات الملك الجائر رضا خان بهلوي ذات الطابع الغربي والتي رام منها محاربة الإسلام وطمس معالمه في إيران، وهذه المواقف الإلحادية جعلت الشيخ البهلول ينتفض ضده ويقيم مجالس النصح والإرشاد والتوعية بغية احتفاظ الناس بدينهم، وتوالت الأحداث وطاردته السلطات في كل مكان لذلك هرب إلى أفغانستان، وهناك أيضاً كانت له مواقف سياسية معارضة لنظام الحكم العلماني لذلك سجن لمدة ثلاثين عاماً.
كما سافر إلى العراق ومصر وكان متبحراً في العلوم الدينية وقواعد اللغة العربية وتأريخ الأنبياء والشعر، ويقال إنه أنشد ما يقارب 200 ألف بيت شعر وحفظ أكثر من 50 ألف بيت، وقد عمر طويلاً وحتى أواخر أيام حياته كان يزاول رياضة السباحة وتسلق الجبال، وقد توفي عن عمر ناهز 105 أعوام حيث تعرض لضربة في رأسه بعد أن شد الرحال نحو مدينة "بم" في محافظة كرمان بغية مساعدة المنكوبين بالزلزال العنيف الذي ضربها لذلك رقد في المستشفى لفترة وتوفي في عام 2005 م بإحدى مستشفيات العاصمة طهران، ودفن في مسقط رأسه "گناباد" ومرقده اليوم مزار للمؤمنين.
وهناك الكثير من المعالم الطبيعية والأثرية والشخصيات في مدينة "گناباد" وكلها تعكس تراث هذه المدينة وتأريخها العريق.
/ انتهى/