خاص تسنيم / ليبيا والثّورة التي لم تكتمل ... أسباب التدخل العسكري للناتو في أرض عمر المختار
اعتبر الخبير في أوضاع شمال أفريقيا جعفر قنّاد باشي أن قيام الشّعب في ليبيا كان ثورة لم تكتمل معللا سبب تدخل النّاتو العسكري في ليبيا الى المخزون النفطي الضّخم في هذا البلد.
في أعقاب إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في تونس ومصر، انتفض الشّعب الليبي في ثورة تدحرجت بسرعة الى حرب داخلية امتدت ل 6 أشهر سقط في نهاية المطاف نظام معمر القذافي. وكالة تسنيم الدّوليّة للأنباء أجرت حوارًا مع الخبير بشؤون التطورات الليبية ودول شمال أفريقيا "جعفر قناد باشي" حول أسباب قيام وثورة الشّعب الليبي، تسليح الثورة الليبية، تدخل الناتو في إسقاط معمر القذافي، عدم الاتفاق بين المجموعات الليبية فيما خص الهيكيلية السياسية لبلدهم، التدخل العربي والغربي في التطورات الليبية وتوقّعات مسار الأحداث المستقبلية في هذا البلد العربي.
تسنيم: ماذا تطلق على الأحداث التي وقعت في ليبيا وأدّت إلى إسقاط نظام معمّر القذافي، وما هي أسبابها؟
قناد باشي: ما حدث في ليبيا كان نهضة شعب أو ثورة لم تكتمل لأن كل المؤشرات في هذا البلد كانت تدل على أنّه مهيأ لأن تشتعل فيه نار الثورة والقيام. كان الشّعب غير راضٍ عن نظام القذافي. فقد حكم القذافي منذ عام 1968 حتى عام 2011 أي حوالي 42 عاما ولم يمنح شعبه أي فرصة من أجل تحديد مصيره كما لم يوفّر أي أرضية لهم من أجل مشاركة الشّعب في إدارة البلاد. ليبيا لم تكن تمتلك برلمانًا كما كان ممنوعًا إجراء الانتخابات فيها. لقد كان شعار القذافي في كتابه الأخضر بأن "البرلمانية مدانة" لذا لم يكن للشعب أي دور في اختيار السّلطة التنفيذية أي رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء. في الحقيقة، لقد كانت طريقة الحكم في ليبيا فاشيّة مستنبطة من عقائد القذافي. أسس القذافي حكومة تحت عنوان "اتحاد الجماهيرية العربية الليبية" وهي حكومة لا تشبه أي حكومة على وجه الكرة الأرضية. لقد كان يعتقد القذافي بأن يدير حكومة يشارك فيها جميع الشّعب الليبي لكن الواقع لم يكن كذلك. وكان يقول أنّه وعوضًا عن البرلمان وإجراء الانتخابات يجب تشكيل مجالس شعبية في مختلف المدن يجتمع ممثلي هذه المجالس في مجمع أسماه بالمؤتمر الوطني الذي يقع على عاتقه اتخاذ الإجراءات المختلفة. لكن ما كان موجودًا على أرض الواقع هو هيكليّة تخضع للأحكام العليا التي لا تتصل بأي شكل من الأشكال بالديمقراطية وحكم الشّعب ولذا يمكننا القول بأن الشعب لم يكن راضيًا من النّاحية السياسية.
في الوقت نفسه كان الجو السّائد في ليبيا يشير إلى أفظع أنواع القمع والفاشية بحيث لم يكن في هذا البلد شيء يسمّى بحريّة التّعبير. لم يكن في ليبيا أيّة صحافة أو وسائل إعلام تنقل أفكار ونقد الشّعب. في الواقع لقد أباد القذافي كل أشكال المؤسسات المذهبية، الثقافيّة، الاجتماعيّة، ولا حتّى أي بنى تحتية لإنشاء هذه المؤسسات التي تلعب عادة أدوار إيجابية في الأزمات الاقتصادية، السياسية والاجتماعية.
وهنا لا بدّ من الإشارة الى وضيّة السياسة الخارجية الليبية التي كان يعتمدها نظام القذافي؛ فقد كانت هذه السياسة متخبطة بشكل كامل ولم تشهد استقرارًا مطلقًا وكانت تتغيّر بين ليلة وضحاها. فقد كان القذافي يدخل في مفاوضات مع الممالك العربية ويردد شعار الوحدة والاتحاد وعلى مقلب آخر كان يجلس على طاولة المفاوضات مع الدول الأفريقية ويتحدّث عن ضرورة مكافحة الاستعمار وبينما أطلق على نفسه لقب ملك ملوك أفريقيا كان يوقّع على عقود اقتصادية ضخمة مع هذه الحكومات الاستعمارية. بشكل عام فإن السياسة الخارجية الليبية في عهد القذافي لم تكن يومًا مدعاة للفخر. على المستوى الاقتصادي، لقد كان الوضع في ليبيا جيّدا وفي الوقت عينه انتشرت ظاهرة التمييز الاقتصادي. فالأشخاص الذين كانو مقربين من نظام القذافي كانوا يحظون بقدرات اقتصادية كبيرة بينما لم تطال العطايا الاقتصادية لحكومة القذافي مختلف أبناء الشّعب الليبي.
نضوج أسباب الثّورة
تسنيم: ينظر بعض المحللين إلى أن نسيج المجتمع الليبي هو نسيج قبلي. فعندما نفّذ القذافي انقلابًا على سلطنة الملك إدريس كان يتمتّع بدعم من القبائل الليبية في غرب البلاد بينما كانت القبائل الشّرقيّة تدعم سلطنة الملك إدريس. ولهذا السبب كان القذافي يصب غضبه على القبائل الشّرقية أيام حكمه. واستنادًا الى الثورات التي أطاحت بالديكتاتوريّات في مصر وتونس أرسل القذافي وفودًا لإجراء محادثات مع قبائل المنطقة الشّرقيّة لكن هذه المحادثات فشلت وبدأ قيام الشّعب الليبي والثورة من شرق ليبيا. ما هو رأيكم حول هذا التّفسير؟
قناد باشي: أنا كنت أؤكّد على السّخط الشّعبي في المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسة الخارجية إضافة إلى انعدام حريّة التّعبير كأسباب لاندلاع الثورة في ليبيا. على كل حال فإن هذا السّخط أدى غل نشوء حركة مناهضة من قبل الشّعب ضد نظام القذافي. إضافة إلى هذا السّخط، هُناك عدد من الأسباب لاندلاع الثورة وهي نابعة من الأمور الدينية. فمعظم الشّعب الليبي كانوا يعتبرون تعاطي نظام القذّافي مع المعارم والأحكام الإسلامية هو تعامل مهين. وبطبيعة الحال فإن ما تناقشه الجرائد والصّحف حول تحليل أحداث الثورة الليبية لا يطال هذه الحقيقة وهذه طريقة وسائل الإعلام الغربية التي تهدف الى حرف أفكار الرأي العام بما يخدم مصالحها وليس بالضّروري أن يعكس ما حدث حقيقة من أحداث في الثّورة الليبية.
وهُنا لا بد أن أشير إلى أن الحكومة الليبية، قبل فترة حكم القذافي، تحت قيادة الملك إدريس السنوسي تختلف عن الحكومات الملكية للدول الخليج الفارسي العربية؛ بل كانت امتدادا للحكومة الإسلامية ومستمدة من النّهضة التي قام بها القائد الإسلامي "عمر المختار" في ليبيا ضد المستعمر. فتيار الملك السينوسي كان تيارًا إسلاميًّا يعتقد بالحكومة الإسلامية وقد وجد هذا التيار فرصة قبل سنوات عندما اندلعت الثورة ضد القذافي. هذا التّيار كان يعتقد بأن الحكومة يجب أن تقوم على مبادئ الآيات القرآنية والمعارف الإسلامية. التيار الإسلامي في ليبيا أنشا المساجد ودور العبادة بحيث لم تستطع هجمات الاستعمار عليها من تدميرها خصوصا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وقد واصل هذا التّيار نشاطاته حتّآ إبان الحرب العالمية الأولى والثّأنية وما رافقها من أحداث على الأراضي الليبية.
عندما وصل القذافي الى الحكم اتخذ موقفا يساريّا بينما كان يردّد الشّعارات الإسلامية بشكل ظاهر كما كان يؤكد لفظًا على ضرورة إنشاء حكومة تستند إلى أحكام آيات القرأن بينما كانت مواقفه الفعلية ونظام حكمه لا يتّصل بشي إلى الأحكام والمعارف الإسلامية. في الحقيقة لقد كان القذّافي مثل صدّام يعير اهتماما لليسارية البريطانية. فالقذافي كان قد خضع لدوراته العسكرية فب بريطانيا ومواقفه في السياسات الخارجية كانت مشابهة لأغلب مواقف مسؤولي المستعمرات البريطانية في أفريقيا وآسيا، ولذا كان كصدّام يلعب دور إبادة المنظمات والمجموعات الإسلامية. وهنا لا بد أن أشير إلى أن القبائل في ليبيا هي ليست كالقبائل التي كانت تعيش قديما في الدول العربية، وبعض المظاهر القبلية (اللباس القبلي، العلم وبعض التقاليد القبلية) هي مظاهر قد انقرضت بين القبائل الليبية منذ القدم.
تعدد القيادات في الثورة أدى الى فشلها
تسنيم: تريد القول أنّ الحوادث التي حصلت خلال العام 2011 وأدت الى سقوط نظام معمر القذافي كانت قيامًا وثورة شعبية؟
قناد باشي: نعم، لقد نهض الشّعب ضد نظام القذافي في حركة صحيحة للغاية؛ فقد أشعلوا الثورة لكن انعدام القيادة الموحدة للثورة وتعد القيادات إضافة الى العديد من المشاكل الأخرى كانت سببا في فشل الثورة وقمع الجيش التّأبع للقذافي لهذه الثورة في فترة من الفترات.
القبضة الحديدية للقذافي:
تسنيم: لماذ أقدم جيش نظام القذافي على قمع النهضة الشّعبية الليبية؟ فأنت تعلم ان الشّعب نزل إلى الميدان ضمن مظاهرات يوم الغضب لكن الطائرات الحربية للقذافي قامت بقصفها.
قناد باشي: نعم هذا صحيح.
تسنيم: لماذا استخدم القذافي القبضة الحديدية في مواجهة ثورة الشّعب؟
قناد باشي: الثورة في ليبيا بدأت في 14 شباط من العام 2011. في الحقيقة هذه الثورة جاءت في أعقاب إسقاط نظام بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر. وهذين البلدين مجاورين لليبيا وقد انتصرت الثورة فيها في أوائل العام 2011. وعلى أثر هاتين الثورتين أحس القذافي بالخطر القادم واعتبر أنّه إذا لم يتم مواجهة هذه الموجة من التّظاهرات والغضب فإن حكومته مهددة بالسّقوط فكان خياره استخدام القبضة الحديدة في مواجهة الثورة الليبية.
تسلّح الثّوار
تسنيم: ما الذي جر حتى دفع الثّوار الى حمل السّلاح؟
قناد باشي: إذا نظرت الى خريطة ليبيا، ستلاحظ أن وسعة هذا البلد أكبر ب 100 كيلومتر مربع من إيران (اي مايعادل 1,760,000 كم²) في الوقت الذي يبلغ عدد سكانه 6 مليون و500 ألف نسمة فقط. ولذا من الطبيعي أن يكون تجمّعات النّاس صّغيرة بحيث أن التّجمعات الكبيرة تندر في هذا البلد. فلو كان مقدورًا للشعب الليبي خلال يوم الغضب (في 14 شباط من العام 2011 أن يشكّلوا) تجمعات كبيرة في بنغازي أو طرابلس كما جرى في تونس أو القاهرة لكن من المحتمل أن يسقط نظام القذافي عبر ضغط العددي للثوار. لكن هذا الأمر لم يحدث. فالسّكان في ليبيا يتوزعّون على المدن ضمن أعداد سكّانية صغيرة نسبيًّا كما أن العاصمة طرابلس تقع بعيدة عن سائر المدن بما يجعل المراقبة أمرًا صعبا على الحكومة المركزية في العاصمة. في الواقع فإن بُعد المدن عن العاصمة طرابلس أفقد القذافي السيطرة المباشرة على هذه المدن؛ ولذا عندما اشتعلت الثورة هاجم الشّعب المقرّات والثكنات العسكرية واستطاعوا احتلالها وبذلك وقع السلاح تحت أيدي الثّوار.
تدخل الناتو في ليبيا
تسنيم: تدخل الناتو في ليبيا هو فصل أساسي في الثورة الليبية ومؤثر في إسقاط نظام القذافي. وقبل تدخل الناتو أصدر مجلس الأمن قرار يدين فيه القمع الذي ينفّذه النظام الليبي ضد الشّعب. بناءً على هذا القرار تمت ملاحقة القذافي من قبل محكمة العدل الدوليّة كما تم إتشاء منطقة حظر طيران فوق ليبيا. صدور هذا القرار كان ضوء أخضر لتدخل الناتو في ليبيا. وعلى هذا الأساس يعتبر بعض المحللين بأن إسقاط نظام القذافي كان مدبّرا وموجّها من الخارج. ما هو رأيكم حول هذا الأمر؟
قناد باشي: الثورة الليبية كانت تتجه نحو الهدف وإسقاط نظام القذافي. فلو استمرت هذه الحركة وانتهت بإسقاط القذافي لكانت قد تشكّلت في ليبيا حكومة إسلامية. وكان الغرب قلقا إزاء ذلك؛ ليبيا وبسبب عدد سكانها وقربها من أوروبا تدخّل الناتو فيها وحرف الثورة الليبية عن مسارها الصّحيح. فعندما نهض الشعب وأراد إسقاط النظام فمن الطبيعي أن هذه المجموعة التي قامت بالثورة أن تتحمل مسؤولية إدارة الدولة وتنظيم الانتخابات وتشكيل الحكومة. وهذا الأمر كان يحدث في ليبيا. وإضافة إلى ذلك يجب ذكر أن الجو في ليبيا هو جو "إسلاميًّا" أكثر من مصر وتونس ولذا قإن الثورة كانت ثورة إسلامية بما للكلمة من معنى؛ بمعنى معارضة الكيان الصّهيوني والهيمنة الغربية. نظام القذافي كان قد قمع هذا الإسلام الثّوري على مد 42 عاما، وفي تونس كان بن علي يساريًّا قام بقمع الحركات الإسلامية. القذافي كان يتّبع نفس المنهاج في ليبيا وعلى الرّغم من قيام النظام الليبي بقمع كل مظاهر المؤسسات الإسلامية إلّا أن تطلّع الناس للإسلام بقي محفوظا. ولهذا السّبب تدخل الناتو على مسار الثورة الليبية لكي يوقف التّيار الإسلامي الذي يقود الثورة.
تسنيم: هل هناك من عوامل أخرى في تدخل الناتو في مسار الثورة الليبية إسقاط معمر القذافي؟
قناد باشي: هناك أسباب أخرى في هذا المجال لعل أبرزها هو المخزون النفطي الضخم الموجود في ليبيا. مصر وتونس لا تملكان مخزونًا مشابهًا ولهذا لم يتدخل الناتو هناك، لكن الغرب يعير اهتماما كبيرا للنفط الموجود في ليبيا فكما هو مشاع بأن المخزون النفطي في ليبيا يعادل كل قارة أفريقيا. السبب الآخر هو قرب ليبيا من الأسواق الأوروبية. المسالة الأخرى المهمة هو امتلاك ليبيا لأسلحة استراتيجية كالصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الكيميائية بالإضافة الى مخزون المواد النووية. صحيح أن الأجهزة المتعلقة بالأنشطة النووية الليبية قد تم تسليمها الى الطرف الأمريكي، لكن قسم من مخزون المواد النووية بقي في ليبيا بما يُمكن من ليبيا التّحول الى دولة نووية بشكل متسارع. لذا ومن أجل الحد من المقدرات الليبية ومن أجل القضاء على القدرات العسكرية الليبية أصدر النّاتو قرارا يجيز التّدخل في ليبيا واستهداف المنظزمات والذخائر العسكرية الليبية.
الغرب أيضا لم يرغب بتكرار النسخة المصرية والتونسية والتي نجحت بإيصال الحركات الإسلامية الى الحكم؛ كما تعد الثروة التي خلّفها القذافي سببا آخر بتدخل الناتو فالثروة التي كان يملكها تقارب الـ 160 مليار دولار من الذهب والعملات الأجنبية وقد تم نقل هذه الثروة الى بريطانيا عبر رئيس وزراء حكومة القذافي وبطبيعة الحال فإن هذا الرقم ليس صغير بحيث يحتاج الغرب إلى سنوات من بيع المعدات العسكرية والبضائع من أجل تحصيل مبلغ مماثل.
الميليشيات والمجموعات العسكرية
تسنيم: بعد إسقاط نظام القذافي دخلت الميليشيات العسكرية الليبية على خط التطورات والأحداث في ليبيا. لماذا تشكّلت هذه الميليشيات وما هو دورها في التطورات الحالية لليبيا وما هي مصيرها؟
قناد باشي: يجب أن نعلم أن نواة هذه المجموعات تأسست بطريقتين لأنها تشكّلت بسبب هدفين وفي الحالتين هما مرتبطان ببعضهما البعض.الهدف الأول وهو مواجهة القوات المسلحة وإسقاط نظام القذافي، ولتحقيق هذا الهدف نشأت المجموعة الأولى من المجموعات المسلحة من الشّعب وأهالي المدن والقرى الذين كانوا ينضمون الى الثّوار. أمّا ميليشيات النّوع الثّاني فقد تشكّلت بهدف تأمين امن المدن ومواجهة الأخطار المحتملة بعد سقوط نظام القذافي كالسّرقات و... وبسبب انهيار القوات المسلحة في ليبيا غطّت هاتين المجموعتين من الميليشيات الفراغ الذي سببه انهيار القوّات الرّسميّة في البلاد.
هذه المجموعات المسلحة تملك أهدافا مشروعة لا سيّما الوقوف في وجه التدخل الأجنبي في مسار بناء الحكومة الليبية وهي تقف بشدة في مواجهة الأجانب وبعض وجوه الرجعية العربية التي تحاول التّدخل بالشؤون الليبية. وبطبيعة الحال فإن بعض أفراد هذه المجموعات المسلحة ليسوا أفراد منضبطين ويقومون بمختلف الأعمال الجرميّة.
تدخل الدّول الأجنبية في التطورات الليبية
تسنيم: أشرتم الى الدور الذي تلعبه بعض الدول في ليبيا. هذه الجّول تزعم بأنها تتدخل من أجل إيجاد الاستقرار والهدوء وتشكيل حكومة وحدة وطنية في طرابلس لكن في الواقع نرى غير هذا الهدف. ما هو تحليلكم في هذا المجال؟
قناد باشي: بين الدّول الغربية تلعب السفارتين الإيطالية والفرنسية دورًا في دعم الحكومتين الليبيتين على حد سواء في ليبيا. واحدة من هذه الدّول تدعم حكومة طبرق بينما تدعم الأخرى حكومة طرابلس. هم لن يسمحوا باتحاد الحكومتين الليبيتين. وعلى مدى السنتين الماضيتين تصاعدت الخلافات لتصبح بشكل علني بين إيطاليا وفرنسا حول التواجد السياسي والإقتصادي لكل منهما في ليبيا. وفي خضم هذه الخلفات يظهر دور خفيّ لبريطانيا التي تلعب دورًا خفيّا في ليبيا كما تمارس الولايات المتحدة ضغوطا أمنية على هذا البلد للحصول على حصة من النفط الليبي. لذا فإن قسم كبير من الاشتباكات خلال السّنوات الماضية التي تحدث في ليبيا تعود الى المنافسة الواضحة للحكومات الغربية للحصول على حصّة من نفط هذا البلد.
أما دور دول الجوار: تبدو الحكومة العسكرية التي شكلها الجنرال السيسي قلقة للغاية من تشكيل دولة يدعمها الرأي العام الليبي، ولهذا فهي تضغط باتجاه عدم إجراء انتخابات حرّة في هذا البلد لأن أي انتخابات من هذا النّوع ستؤثر بشكل أو آخر على مصر التي تعيش حالة من القلق من التّطورات الليبية. فمصر كالسعودية التي هي الأخرى ترى أن إجراء انتخابات حرّة في العراق يضرّ بمصالحها ويخلق لها مشاكل متعددة. تونس والجزائر أيضا يعارضان تشكيل حكومة تستند الى الشّرعية الشّعبية عدا أن ليبيا قد تحولت على ملجأ للمعارضين من قبل الدّولتين. لذا فإن دول الجوار لا ترغب برؤية حكومة قوية في طرابلس تُأوي المعارضين في هذه الدّول.
قطر والإمارات والسّعودية تلعب دورًا أيضا في ليبيا، فأبوظبي والرّياض تحاولان ترويج الوهابية في شمال أفريقيا، كما ترغب قطر بدعم التّيار الإخواني في ليبيا. وهذا يعزز الصّراع بين الأطراف الليبية كلّ بدعم من الدّول التي تحاول فرض سياس معيّنة في هذا البلد.
تسنيم: تقوم أمريكا اليوم بتعزيز علاقاتها بليبيا اليوم، ما هو تحليلكم بهذا الشأن؟
قنّاد باشي: لطالما سعى الأمريكيّون التدّخل في شؤون أفريقيا لكنهم كانوا يفعلون ذلك في التّوقيت الذي يكون هذا التّدخل أقل كلفة عليهم. وبشكل عام فقد أوكلت الولايات المتحدة بعض أمور التّدخل بالشؤون الأفريقية في شمال وغرب القارة الى فرنسا؛ ولذا فإن فرنسا تقم بنشاطات اليوم في القارة السّوداء يابة عن الولايات المتحدة وبريطانيا بينما تقدم هاتين الأخيرتين الدّعم لفرنسا ويزودونها بالطائرات المسيرة التي تحتاجها في أفريقيا. فعلى سبيل المثال تمتلك فرنسا على الحدود الليبية الجنوبية مع تشاد قاعدة كبيرة للطائرات المسيرة بينما تقوم الولايات المتحدة بتأمين أنواع هذه الطّائرات لفرنسا. وهنا لا بد من القول أن أمريكا تقوم بأنشطة للحفاظ على خطوط إمدادت النّفط وتحرص ألا تتعرض هذه الخطوط للهجمات. ولذا فإن الولايات المتحدة تحاول تجنيب سوق النفط والطاقة في ليبيا من التّعرض للضربات. في الحقيقة لا تحاول أمريكا التّنافس مع الدّول الأوروبية لتحويل ليبيا إلى واحدة من مستعمراتها. لكن تسعى إلى توجيه الأسواق الليبية الى مكان لا يسيطر عليها الحركات الإسلامية وذلك بأقل كلفة ممكنة يمكن للبيت الأبيض أن يدفعها. أنتم تعلمون أن السّفير الأمريكي في ليبيا تم قتله، ولذا لا يُمكن اعتبار الجو الليبي مكانا ترغب الولايات المتحدة فيه الاستثمار ولهذا فهي تقوم بتوجيه الدّول الأوروبية لتحقيق السياسات التي ترغب برؤيتها تتحقق في ليبيا.
/انتهى/