تواجد زمرة منافقي خلق الإرهابية في أوروبا: دعم سياسي أم انتهاك لقوانين مكافحة الإرهاب؟


تواجد زمرة منافقی خلق الإرهابیة فی أوروبا: دعم سیاسی أم انتهاک لقوانین مکافحة الإرهاب؟

يكشف دعم أوروبا لـزمرة منافقي خلق رغم سجلها الإرهابي، تناقضاً صارخاً في سياسات هذه القارة. أسباب هذا الدعم، من العداء لإيران إلى الضغط القوي، تنبع من حسابات سياسية، لكن تداعياته القانونية والأخلاقية، بما في ذلك انتهاك الالتزامات بمكافحة الإرهاب وتجاهل الضحايا، تتحدى مصداقية أوروبا.

سلكت زمرة منافقي خلق (مجاهدي خلق) الإرهابية، التي تمتلك سجلاً طويلاً من الأعمال الإرهابية ضد إيران، مساراً معقداً ومثيراً للجدل منذ بدء تمردها المسلح في 20 يونيو 1981 وحتى اليوم. وبعد تنفيذ هجمات إرهابية واسعة النطاق ضد المواطنين والمسؤولين الإيرانيين، فرت الجماعة من إيران واستقرت في أوروبا. واليوم، لا يقتصر وجود منافقي خلق على دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسويد وألبانيا وإيطاليا فحسب، بل تتمتع أيضاً بدعم سياسي ولوجستي من بعض الحكومات والسياسيين الأوروبيين. هذا الوضع، بالنظر إلى السجل الإرهابي لهذه الجماعة، يثير العديد من التساؤلات: لماذا تدعم أوروبا هذه الجماعة؟ ما هي تداعيات هذا الدعم على الالتزامات القانونية والأخلاقية لأوروبا؟ وما التهديدات التي يشكلها وجود هذه الجماعة على أمن الدول المضيفة؟ تتناول المقالة هذه القضايا بالتحليل.

أسباب دعم أوروبا

يوجد جذور دعم أوروبا لـ"منافقي خلق" في عوامل سياسية واقتصادية واستراتيجية متعددة تستحق تحليلاً أعمق:  

    العداء السياسي مع إيران: الخلافات القديمة بين أوروبا وإيران حول قضايا مثل البرنامج النووي والسياسات الإقليمية جعلت "المنافقين" أداة للضغط على طهران. هذه الزمرة الشبه عسكرية، التي تحولت بعد نزع سلاحها القسري في عام 2003 إلى مرحلة النشاط السياسي والدعائي، تسعى لتقديم نفسها كمعارضة نشطة وتلعب دوراً في تقويض مكانة إيران الدولية، وهو أمر يلاقي ترحيباً من الدول المعادية لإيران وتدعمه.  

    الضغط المنظم الواسع النطاق: أنفقت الزمرة مبالغ طائلة لبناء شبكة واسعة من المحامين والسياسيين ووسائل الإعلام في أوروبا. تنظيم مؤتمرات باذخة بحضور شخصيات سياسية بارزة مثل رودي جولياني أو جون بولتون وغيرهم من الشخصيات الأمريكية والأوروبية، إلى جانب الدعاية الواسعة في وسائل الإعلام الغربية، جزء من هذه الجهود. لم تساهم هذه الأنشطة في إخراج الجماعة من قوائم الإرهاب فحسب، بل ضمنت أيضاً دعماً مالياً وسياسياً.  

    المصالح الأمنية والسياسية الخفية: تستفيد بعض الدول الأوروبية من وجود الزمرة كورقة ضغط في علاقاتها السياسية مع إيران. يمكن استخدام هذا الدعم كأداة في المفاوضات السياسية، بينما تعمل الجماعة كمصدر للمعلومات المزعومة عن إيران لصالح أجهزة الاستخبارات الأوروبية.  

    ادعاء تغيير الطابع: تدعي الزمرة أنها تخلت عن العنف وتحولت إلى الأنشطة السياسية. ورغم أن هذا الادعاء يتعارض مع تقارير عن استمرار السلوكيات العنيفة داخل التنظيم (مثل الاعتداء على الأعضاء المعارضين) وتأسيس خلايا تخريبية إرهابية تُعرف بـ"كتائب التمرد" ومئات الرسائل والبيانات التي تدعو إلى العنف واستخدام السلاح صادرة عن قادة الجماعة، فإن هذا الإدعاء منح أوروبا ذريعة لتبرير دعمها للزمرة الإرهابية. يعكس هذا النهج معايير مزدوجة حيث تتغلب الاعتبارات السياسية على المبادئ الأخلاقية وحقوق الإنسان.

    يبدو أن هذا الدعم يستند إلى الحسابات السياسية أكثر من القيم الديمقراطية، لكنه قد يضر بمصداقية أوروبا على المدى الطويل، إذ يشكل دعم جماعة ذات سجل إرهابي تناقضاً صارخاً مع شعارات زعماء القارة ضد الإرهاب.

التداعيات القانونية والأخلاقية

فيما يتعلق بدعم أوروبا لجماعة خلق الإرهابية، فإن هذا الأمر يترتب عليه تداعيات قانونية وأخلاقية معقدة تستحق دراسة شاملة وانتباه الأوروبيين و هي:

    التناقض مع الالتزامات الدولية: تُلزم قوانين مكافحة الإرهاب الدولية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الدول بمنع أنشطة الجماعات الإرهابية. دعم زمرة خلق، حتى بعد إخراجهم من قوائم الإرهاب، يمكن أن يُفسر كنقض لهذه الالتزامات، مما يعرض أوروبا لتهمة "تسييس" مكافحة الإرهاب.  

    انتهاك مبادئ حقوق الإنسان: وثقت تقارير عديدة انتهاكات حقوق الإنسان داخل جماعة خلق، بما في ذلك العمل القسري، والقيود الصارمة على حرية الأعضاء، وحتى الاعتداء الجسدي والنفسي على المنتقدين، وتعتمد الكثير من هذه التقارير على شهادات عشرات الأعضاء المنشقين والفارين من الجماعة. دعم أوروبا لمثل هذه الجماعة يتناقض مع ادعاءات دولها بدفاعها عن حقوق الإنسان، وقد يؤدي هذا التناقض إلى تراجع الثقة العالمية بمؤسسات حقوق الإنسان الأوروبية.  

    تجاهل العدالة: لا يزال ضحايا هجمات زمرة خلق الإرهابية، الذين يصل عددهم إلى آلاف المواطنين من أصل 23000 ضحية إرهاب في إيران، يطالبون بالعدالة. لكن دعم أوروبا لهذه الجماعة يتجاهل هذه المطالب، بل ويمنح نوعاً من الشرعية لمرتكبي العنف، مما يفاقم العلاقات مع إيران ويرسل رسالة خطيرة إلى الجماعات العنيفة الأخرى بأن تغيير السلوك الظاهري قد يكفي لكسب دعم الغرب.

    تشير هذه التداعيات إلى تناقض عميق في سياسات الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي: كيف يمكن لقارة ترفع راية حقوق الإنسان وسيادة القانون أن تقع في فخ دعم جماعة بهذا السجل؟ قد يؤدي هذا التناقض على المدى الطويل إلى عزلة أخلاقية لأوروبا.

قوانين مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان

إن قضية ارتباط دعم منافقي خلق بالتزامات أوروبا بقوانين مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان تتطلب النظر في الأبعاد التالية:  

    التناقض مع الاتفاقيات الدولية: تُلزم اتفاقيات مكافحة الإرهاب الدول بمنع تمويل الجماعات الإرهابية أو توفير ملاذ لها أو السماح بنشاطها. ورغم خروج "المنافقين" من قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، فإن سجلهم وتقارير مستمرة عن سلوكيات عنيفة تثير تساؤلاً عما إذا كان هذا الخروج مبنياً على أدلة حقيقية أم تم تحت ضغط سياسي. الدعم السياسي واللوجستي لهذه الجماعة يضع التزامات أوروبا موضع شك.  

    التأثير على مصداقية أوروبا في مكافحة الإرهاب: تعرضت أوروبا مرات عديدة لهجمات إرهابية من جماعات مثل داعش والقاعدة، وقدمت نفسها كرائدة في مكافحة الإرهاب. لكن دعمها لجماعة ذات سجل سيئ يعرفها الأوروبيون جيداً يقوض هذا الادعاء، وقد يحفز جماعات أخرى على السعي لتجنب العقوبات القانونية عبر ضغط مماثل.  

    حقوق الإنسان في ظل السياسة: دعم جماعة متهمة بانتهاك حقوق أعضائها وآلاف المواطنين الإيرانيين يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان الأوروبية، مثل حرية التعبير وحق الحياة. قد يؤدي هذا التناقض إلى تقليص نفوذ أوروبا في المحافل الدولية لحقوق الإنسان، مما يعزز منافسيها مثل الصين وروسيا في استغلال هذا الضعف.

    يظهر تحليل هذا الوضع أن أوروبا تواجه مفترق طرق استراتيجي: الحفاظ على مصالح سياسية قصيرة المدى ضد إيران عبر دعم جماعة إرهابية انتهازية، أو التمسك بمبادئ قانونية وأخلاقية طويلة الأمد. الخيار الحالي يحمل تبعات ثقيلة لمستقبل السياسة الخارجية لهذه القارة، ليس فقط تجاه إيران، بل في المجالات السياسية والأمنية الأوسع.

ضحايا الإرهاب في إيران

إن وضع ضحايا الهجمات الإرهابية لجماعة خلق وتجاهل أوروبا لهم يمثل أحد الجوانب المؤلمة لهذه القضية التي تستحق مزيداً من الاهتمام.

وفقاً لبعض التقارير، استشهد أكثر من 12 ألف شخص في هجمات زمرة خلق داخل إيران، خاصة في ثمانينيات القرن الماضي. شمل الضحايا مسؤولين كباراً مثل الرئيس ورئيس الوزراء و رئيس الجهاز القضائي آنذاك و نواب بالمجلس الشوري الاسلامي، ومواطنين عاديين، بما في ذلك نساء وأطفال، قُتلوا في تفجيرات واغتيالات. تعكس هذه الأرقام حجم الكارثة الإنسانية الناجمة عن أفعال هذه الجماعة. تطالب عائلات الضحايا منذ عقود بمحاكمة الجناة، لكن دعم أوروبا لـزمرة خلق حوّل هذا الأمل إلى يأس. هذا الظلم لم يؤجج السخط ضد أوروبا وانعدام الثقة بها في إيران فحسب، بل قلص الثقة بالمؤسسات الدولية أيضاً. أضر تجاهل الضحايا بعلاقات أوروبا مع إيران، وقد يؤدي إلى عزلة دبلوماسية لأوروبا، حيث تُفسر العديد من الدول هذا الدعم كدليل على المعايير المزدوجة الغربية.

هذا التجاهل ليس فشلاً أخلاقياً فحسب، بل خطأ استراتيجي أيضاً، إذ يساهم في تعزيز الروايات المعادية للغرب في المنطقة.

التهديدات الأمنية لتواجد "مجاهدي خلق" في أوروبا

يحمل تواجد زمرة خلق في أوروبا تهديدات أمنية محتملة يُشار إليها كالتالي:  

    خطر العودة إلى الإرهاب: رغم ادعاء الجماعة التخلي عن العنف، فإن سجلها يشير إلى قدرتها على العودة إلى الأعمال الإرهابية إذا تغيرت الظروف. قد يُستخدم وجودها في أوروبا كقاعدة لشن هجمات ضد أهداف إيرانية أو حتى أوروبية، خاصة إذا تغيرت مصالح داعميها. استهداف مواطنين أمريكيين في إيران خلال سبعينيات القرن الماضي يظهر أن نطاق إرهابها لم يقتصر على إيران أو مصالحها.  

    أنشطة التجسس: تمتلك "زمرة خلق" شبكة من المؤيدين والأعضاء يمكن استغلالها للتجسس ضد الدول المضيفة أو جمع معلومات حساسة. وفقاً لمعلومات من موقعها الرسمي، هناك نحو 300 مجموعة تابعة تعمل تحت أسماء حقوقية ورياضية وثقافية واجتماعية في دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والنرويج وهولندا، تعمل كمنفذين لقرارات الجماعة وتسعى لتبييض وجهها وقادتها، مما يهدد الأمن القومي لهذه الدول ويمكن أن يؤدي إلى توترات دبلوماسية.  

    عدم الاستقرار الاجتماعي: قد تؤدي أنشطة الجماعة الدعائية والسياسية، خاصة بين الجاليات الإيرانية المهاجرة، إلى خلق انقسامات اجتماعية وسياسية. اجتذاب الشباب المهاجرين والدعاية الواسعة يزيدان من مخاطر تطرف جزء من هذه المجتمعات. وبحسب البيانات، تعمل الجماعة في الفضاء الإعلامي أحياناً دون الكشف عن هويتها الحقيقية لجذب أشخاص قد يتحسسون من اسمها.  

    تهديد المعارضين والناقدين: قدم أعضاء سابقون ومنتقدو الجماعة في أوروبا تقارير عن تعرضهم للتهديد والمضايقة من أنصار التنظيم، وهو سلوك ينتهك حقوق الإنسان وحرية التعبير، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة في المجتمعات المضيفة. التقارير الصادرة عن "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" في هذا الشأن جديرة بالاهتمام.

    الحقيقة أن أوروبا، باستضافتها هذه الجماعة، تعرض نفسها لتهديدات أمنية كبيرة. قد يحقق دعم الجماعات الإرهابية مصالح سياسية قصيرة المدى، لكنه يعرض أمن القارة الداخلي والخارجي للخطر على المدى الطويل.

إن دعم أوروبا لـزمرة منافقي خلق رغم سجلها الإرهابي، يكشف تناقضاً صارخاً في سياسات هذه القارة. أسباب هذا الدعم، من العداء لإيران إلى الضغط القوي، تنبع من حسابات سياسية، لكن تداعياته القانونية والأخلاقية، بما في ذلك انتهاك الالتزامات بمكافحة الإرهاب وتجاهل الضحايا، تتحدى مصداقية أوروبا. كما أن وجود هذه الجماعة يحمل تهديدات أمنية جدية للدول المضيفة، من إمكانية الإرهاب إلى التجسس وعدم الاستقرار الاجتماعي. هذه السياسة ليست تناقضاً أخلاقياً فحسب، بل خطأ استراتيجي طويل الأمد قد يؤدي إلى نتائج أمنية ودبلوماسية غير مرغوبة لأوروبا.

رضا الغرابي القزويني – باحث و كاتب في الشؤون الإيرانية

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة