لماذا طرحت إيران خيار التفاوض غير المباشر مع أمريكا؟


لماذا طرحت إیران خیار التفاوض غیر المباشر مع أمریکا؟

صرّح المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في حديث لوكالة تسنيم، بأن التفاوض غير المباشر يتيح لإيران تقييم نوايا الطرف المقابل والتأكد مما إذا كان يسعى بالفعل إلى حل القضايا العالقة أم لا.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، أعلن يوم الخميس (27 مارس)، أن رد إيران على رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تم نقله عبر سلطنة عمان، مشيرًا إلى أن الرد الرسمي يتضمّن رسالة توضّح بالكامل وجهات نظر إيران بشأن الوضع الحالي ومضمون رسالة ترامب.

وأكد عراقجي أن سياسة إيران لا تزال قائمة على رفض التفاوض المباشر في ظل سياسة "الضغوط القصوى" والتهديدات العسكرية الأمريكية، إلا أن المفاوضات غير المباشرة، كما حدث في الماضي، يمكن أن تستمر.

تشير تصريحات عراقجي إلى أن إيران مستعدة للتفاوض تحت شروط محددة، إذ لا تزال هناك شكوك عميقة بشأن جدية الولايات المتحدة، خاصة في ظل التناقضات المتكررة في مواقفها تجاه طهران.

بسبب السياسات العدائية الأمريكية ضد إيران على مدى العقود الماضية، بما في ذلك العقوبات الأحادية وغير القانونية، والضغوط الاقتصادية، وانسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي، وعدم التزام أوروبا بتعهداتها، أصبح من الصعب الوثوق بأي اتفاق مباشر مع واشنطن دون إجراءات لبناء الثقة ورفع الضغوط.

رغم الشكوك الإيرانية، أوضح عراقجي في تصريحاته أن إيران لم تغلق الباب أمام الدبلوماسية، لكنها تتعامل مع أي مقترح تفاوضي بحذر شديد، مضيفًا أن رسالة الولايات المتحدة كانت تحمل تهديدات، لكنها تضمنت أيضًا إشارة إلى إمكانية الحوار.

وأضاف عراقجي: "نتعامل مع أي فرصة دبلوماسية بعين الحذر، لكن إذا ظهرت فرص حقيقية، فسوف نستغلها بما يخدم مصالحنا الوطنية."

في المفاوضات غير المباشرة، هناك إمكانية لتقييم الطرف المقابل

والآن يبرز السؤال: لماذا تتحدث إيران عن المفاوضات غير المباشرة؟ وما الهدف الذي تسعى إليه طهران من تبني هذا النهج؟

في هذا السياق، أوضح حميد رضا آصفي، المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في مقابلة مع وكالة تسنيم، الأسباب والعوامل التي دفعت إيران إلى تفضيل المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، حيث قال: "الإدارة الأمريكية، وخاصة شخص ترامب، دخلت في لعبة معقدة وحرب نفسية، واتخذت عدة إجراءات. أولًا، أرسلت رسائل متناقضة ومتعددة عبر شخصيات مختلفة، وخلقت أجواءً توحي بأنه لا خيار سوى المفاوضات المباشرة أو الحرب. هذا هو الجو الذي سعوا إلى فرضه."

وأضاف: "كما أنهم أداروا حربًا نفسية بطريقة تثير الغموض داخل إيران، بهدف خلق استقطاب داخلي بين مؤيدي ومعارضي المفاوضات. إضافةً إلى ذلك، حاولوا الترويج لفكرة أن الجمهورية الإسلامية في موقف ضعف، وسعوا إلى محو الذاكرة التاريخية للشعب، بحيث لا يعود يتذكر ما حدث في الفترة الأولى من حكم ترامب أو يتجاهله. هذه كانت لعبتهم المعقدة."

وتابع آصفي قائلًا: "كان من الضروري أن تسحب إيران هذه الورقة من يد الطرف المقابل، بحيث لا يتم تشكيل ثنائية (المفاوضات أو رفضها)، وكذلك أن تضع خيارًا آخر على الطاولة، وهو ليس حربًا ولا تفاوضًا مباشرًا، بل خيارًا وسطيًا يتمثل في المفاوضات غير المباشرة. فقد بادرت الجمهورية الإسلامية بهذه الخطوة ردًا على تحركات الطرف الآخر، وأكدت أنها لن تتفاوض مباشرة، لكنها في الوقت نفسه لا تتهرب من التفاوض، بل تراه ممكنًا في إطار غير مباشر."

وأضاف مؤكدًا أن هذه المبادرة كانت خطوة ذكية لأنها سحبت الذريعة من يد الطرف الآخر، قائلًا: "إذا كان الهدف هو أن يجلس الطرفان وينقل كل منهما مواقفه للآخر لتقييم الوضع، فإن ذلك يمكن تحقيقه عبر المفاوضات غير المباشرة. ومن خلال هذه الطريقة، يصبح بإمكاننا تقييم الطرف المقابل ومعرفة ما إذا كان يسعى حقًا لحل القضية أم أنه يتعامل بغطرسة ومن موقع متعالٍ."

وتابع: "هذا هو المغزى من رد الجمهورية الإسلامية على الطرف الآخر. والآن، علينا انتظار رد الطرف المقابل لنرى كيف سيتعامل مع هذا النهج."

إذا وصلت الأمور إلى المواجهة، فلن ترى أمريكا ولا المنطقة أي استقرار

وفيما يتعلق بإمكانية نشوب مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، أوضح هذا الدبلوماسي الإيراني قائلًا: "جزء كبير من هذه التهديدات هو مجرد حرب نفسية وإشارات سلبية تهدف إلى ترهيب الطرف المقابل، أو دفعه إلى موقف لا يكون أمامه فيه خيار سوى الرضوخ لما تريده الولايات المتحدة. لكن في مثل هذه الظروف المعقدة، من الضروري امتلاك زمام المبادرة وعدم السماح بأن تؤدي أخطاء الطرف الآخر إلى تصعيد الوضع أكثر مما هو عليه."

وأضاف: "بالطبع، أثبتت الجمهورية الإسلامية أنها لا تُظهر ضعفًا أمام الحرب والمواجهات، كما أنها ليست عاجزة عن الرد، بل ستواجه أي تحرك بقوة وحزم، وهذا أمر لا شك فيه."

وأكد آصفي: "نحن لسنا عاجزين عن الرد، وإذا وصلت الأمور إلى المواجهة، فلن ترى الولايات المتحدة ولا المنطقة أي استقرار. وفي النهاية، ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها هم الخاسرون الحقيقيون في هذه المعادلة، وهذا أمر لا جدال فيه. لكن مع ذلك، فإن منطق الحكمة يفرض علينا السعي لتجنب حدوث مثل هذه الأزمات قدر الإمكان."

احتمالية قبول أمريكا بالمفاوضات غير المباشرة ليست مستبعدة

وفيما يتعلق بإمكانية قبول أمريكا بمقترح إيران لإجراء مفاوضات غير مباشرة، قال آصفي: "أرى أن هذا الاحتمال كبير وليس مستبعدًا. فإذا تصرفت الولايات المتحدة بعقلانية وحكمة، فمن المنطقي أن توافق. علينا الانتظار، لكنني أرى أن احتمالية القبول أكبر من احتمالية الرفض. ومع ذلك، في عالم السياسة، كل شيء ممكن ولا يوجد شيء مستحيل، لكني أرجّح أن القبول أقرب."

وأضاف: "في النهاية، ترامب هو صاحب القرار في الولايات المتحدة، والبقية مجرد منفذين. لذلك، علينا أن ننتظر لنرى كيف سيرد خلال الأيام المقبلة."

كما تطرق المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية إلى أسباب إعلان إيران رسميًا ردها على رسالة الولايات المتحدة، موضحًا: "كل مرحلة لها متطلباتها الخاصة، ولا يمكن اتخاذ القرارات بناءً على الظروف السابقة. فالزمان والأحداث تتغير، وبالتالي، تختلف الظروف وتتطلب استراتيجيات جديدة. الاعتقاد بأن السياسة تقتضي التمسك بموقف واحد دائمًا ليس نهجًا إيجابيًا، لأن القرارات لا تُتخذ في فراغ. في السابق، كانت الظروف تفرض تدبيرًا معينًا، أما الآن، فقد تم التخطيط وفقًا للمعطيات الجديدة."

وختم بالقول: "هذا يعكس حكمة ودراية الجمهورية الإسلامية."

/انتهى/

 
الأكثر قراءة الأخبار ايران
أهم الأخبار ايران
عناوين مختارة